الكرتون العربي 2009: عرّابوه خليجيون ومصدر إلهامه الدراما التلفزيونية
حتى الساعة، بقي إنتاج المسلسلات الكرتونية العربية في إطار المشاريع الشخصية (حتى لو توقف تنفيذها على الدول) التي يقف أصحابها على أطلال المنجز منها ليتحدثوا بشيء من الفخر عما أنجزوه: سمعنا هذا العام عن إنتاج أول مسلسل تلفزيوني ثلاثي الأبعاد في الشرق الأوسط اسمه «فريج»، وعن طرح عمل كرتوني جديد هو «يوميات مناحي» كأول مسلسل سعودي كرتوني للكبار، وعن برنامج «شعبية الكرتون» الذي «شكل إطلالة نوعية بالنسبة للكرتون المحلي في الإمارات..» بحسب بيانه الترويجي، وقبل ذلك تفاخر المنتجون المصريون بـ «مسلسل السيرة النبوية»، بوصفه «انطلاقة لإبداع وتميز بالفكر والصورة في آن واحد ..»، وتغنوا جميعاً بـ«النجاح الساحق الذي حققه محمد هنيدي في مسلسله الكرتوني «سوبر هنيدي»...إلا أن تلك الأعمال كلها قدمت في إطار «عائلي»، كأنها كانت تؤسس لشكل درامي جديد تحل فيه الشخصيات الكرتونية محل شخصيات الممثلين الحقيقيين الذين سيتوارون خلف تلك الشخصيات تاركين أصواتهم تدلل عليهم، وتريد ان تحصد رضى الجميع (كبارا وصغارا) بعكس ما يفعله الكرتون الأجنبي في أعمال مثل «ذي سيمبسونز» و«ذي بوندوكس» وغيرها.
بدا الشكل الجديد للكرتون العربي في معظمه امتداداً لأعمال درامية شهيرة وصدى لنجاحاتها أو نجاح نجومها وربما إغراء طرحها. فتوزعت الأعمال الكرتونية المنتجة عام 2009 بين ثلاث فئات. الأولى هي تلك الأعمال المنسوخة عن أعمال درامية سبق وشاهدها الناس وحققت نجاحات لافتة مثل الفيلم الكرتوني «الخال وأم العيال» الذي يقدم شخصية «أبو ناصر» التي تعرفنا عليها العام الفائت في مسلسل «كلنا عيال قريّة»، ومثل مسلسل «يوميات مناحي» التي كرس فيها الفنان فايز المالكي «كركتره» الشهير «مناحي»، ومثل المسلسل الذي أعلنت «أم بي سي» نيتها إنتاجه باسم «كرتون طاش»، والمستوحى من المسلسل السعودي الشهير «طاش ما طاش»...
أما الفئة الثانية للأعمال الكرتونية المنتجة فكانت تلك التي اعتمدت على نجوم تمثيل كبار كما هي الحال مع محمد هنيدي في «سوبر هنيدي» وقبله مع الفنانين سمير غانم و دلال عبد العزيز وابنتيهما دنيا وإيمي في «عائلة الأستاذ أمين»، وفي مسلسل «بسنت ودياسطي» لصلاح عبد الله وحنان ترك..
نجاح الأعمال السابقة، فضلاً عن مساحة الهامش الرقابي الواسع الذي أتاحته في مقاربة موضوعات اجتماعية وسياسية، شجع على إنتاج المزيد من الأعمال، شكلت بمجموعها نموذجاً للفئة الثالثة من الأعمال الكرتونية المنتجة، فكان مسلسل «فريج» الذي» يدور حول أربع سيدات إماراتيات (أم سعيد وأم سلوى وأم خماس وأم علاوي) يعشن في حي منعزل في مدينة دبي العصرية، ويكشفن من خلال علاقة بعضهن ببعض، قضايا مجتمعية عديدة في المجتمع الخليجي. بينما ناقش «شعبية الكرتون» عبر مسابقة، مشكلات المجتمع الخليجي مصوراً حياة أناس من ثقافات مختلفة يعيشون في إمارة دبي، في حين عرض مسلسل «خوصة بوصة» لمشكلات خليجية وعربية من خلال أبطاله الذين لم يقتصروا على شخصيات خليجية. وتطورت مقاصد الكرتون عام 2009 حين كرس الإمارتيون شخصيات مسلسل «فريج» الشهيرة في برنامج «كتاب الألغاز» الذي عرض لمغامرات بطلاته الأربع.
- دائرة إنتاج الأعمال السابقة، بدأها المصريون، ولكن الخليجيين سرعان ما استلموا زمام المبادرة، والإماراتيون منهم على وجه الخصوص، بل وطرحت الإمارات نموذج عمل ممنهج واستراتيجي لإنتاج هذه الأعمال، بدأ باستضافة الإمارات معرضاً لنحو ثلاثمئة وخمسين شركة متخصصة في صناعة وتسويق الشخصيات الكرتونية يهدف بالدرجة الأولى إلى تقديم الشخصيات الكرتونية العربية والمحلية للعالم. وهي وإن نالت لقب صاحبة أول مسلسل تلفزيوني ثلاثي الأبعاد في الشرق الأوسط «فريج»، بخبرات متخصصين في تحريك الصور المتعددة الأبعاد من مومباي، فهي اليوم تستعد لإطلاق شخصية كرتونية إماراتية خالصة تدعي «حمدون» لطفل إماراتي في السادسة من عمره، يعيش في أوروبا مع والديه، ويزور الإمارات للمرة الأولى. وما بين هاتين المرحلتين كنا على موعد مع أجزاء متعددة من الأعمال الكرتونية المنتجة، إضافة إلى مشاريع عديدة، ظلت على أهميتها أسيرة تنفيذ الخبرات الأجنبية في معظمها، ولا سيما لجهة استخدام التقنيات الثلاثية الأبعاد والتي تحتاج إلى معدّات عالية المستوى وكوادر متخصّصة ومحترفة لم نبلغ مستواها بعد في عالمنا العربي بالشكل الكافي.
لم يكن الإنتاج السابق من ناحية الكم ليشكل ثقل عرض في الفضائيات العربية التي ظلت تستعين بعرض المسلسلات الكرتونية المدبلجة باللغة العربية، فالفارق ليس فقط في جودة التنفيذ إنما لناحية الكلفة التجارية أيضاً، ففي حين يتم شراء الساعة التلفزيونية من الكرتون العالمي بكلفة تصل إلى نحو (800 دولار)، تتراوح تكلفة تصنيع الدقيقة الواحدة محلياً بين 2000 ـ 5000 دولار.
حالياً تنشط شركات مصرية وسورية وخليجية في التصنيع، وإن كان التمويل الأساسي يأتي في غالبه من الخليج. وإن كنا نتحدث عن اجتهادات لفنانين ومتخصصين في سوريا ومصر لتنفيذ الأعمال الكرتونية، ونشهد كل عام ظهور منتجات أفضل نوعية، فلا بد من الاعتراف بأن عرّاب الإنتاج الكرتوني العربي هم الخليجيون، على الأقل خلال السنوات القليلة الأخيرة، وهم في الغالب سيكونون عرّابي تطويره، وقد يكون خير معبر عن ذلك ما نقلته جريدة «البيان» في عددها أمس الأربعاء عن «مبادرة إماراتية على مستوى منطقة الخليج العربي لتشجيع إنتاج صناعة الكرتون، بهدف تكثيف إنتاج الأعمال الكرتونية في المستقبل..».
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد