الأسد يستقبل عون ويثني على دوره الوطني
خطف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» اللبناني العماد ميشال عون مجددا الأضواء وحط رحاله فجأة في دمشق،حيث التقى الرئيس بشار الأسد في زيارة ستخضع للكثير من التأويلات والاستنتاجات، خاصة أنها تأتي بعد مرور قرابة عام على زيارته التاريخية الأولى إلى سوريا... وعلى مسافة زيارة عائلية بحتة يحل فيها العماد عون وعائلته ضيوفا على الرئيس الأسد وعائلته في الأسابيع القليلة المقبلة.
وبدا أن الزيارة الثانية شكلت بحد ذاتها الحدث الأهم، بمعزل عن طبيعة مضمونها، لا سيما أنها جاءت في لحظة استرخاء لبنانية بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني وقبلها إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، الامر الذي أتاح للأسد وعون التلاقي بعيدا عن الضغوط المباشرة للملف اللبناني وإجراء مراجعة هادئة للمرحلة السابقة بدءا من انتخابات رئاسة الجمهورية وصولا الى تشكيل حكومة سعد الحريري واستشراف معالم المرحلة المقبلة من خلال مقاربة الواقع الاقليمي بأبعاده ومساراته المختلفة، خصوصا ان الاسد يملك من المعطيات الاستراتيجية ما يكفي لتظهير «الصورة الشاملة» التي يصبح لبنان تفصيلا فيها.
ولعل توقيت الزيارة يحرض بدوره على الاجتهاد في قراءة دلالاتها، فهي تأتي قبيل الزيارة المنتظرة للحريري، والاهم انها تأتي قبل ايام قليلة من توجه الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى واشنطن، وذلك على مسافة قصيرة جدا من القمة التي كانت قد جمعته بالرئيس السوري، ما حمل بعض «الخبثاء» على التساؤل عما إذا كانت دمشق تريد من خلال استقبال عون إعطاء إشارة الى انها تتعاطى مع سليمان بصفته الرسمية كرئيس للجمهورية، بينما تتعاطى مع عون بصفته الزعيم المسيحي والماروني الأول في لبنان.
حيث كان واضحا حرص الجانب السوري على إحاطة زيارة العماد ميشال عون المفاجئة، أمس، الى دمشق بقدر عال من الحفاوة المعبرة، تمثل في تخصيص طائرة رئاسية لكي تقله ذهابا وإيابا من وإلى بيروت، واستقبال الاسد له «صديقا» من خلال حلوله ضيفا في الجناح غير الرسمي في القصر الرئاسي السوري، حيث جلسا على أريكة واحدة أمام عدسات المصورين الصحافيين، في استثناء بروتوكولي غير مسبوق في لقاءات الرئيس السوري مع زواره وضيوفه...
وقد استمر اللقاء الثنائي المغلق بينهما حوالى ساعة، بينما دام حفل الغداء نحو ساعة وثلاثين دقيقة بمشاركة المستشارة الرئاسية الوزيرة بثينة شعبان ووزير شؤون رئاسة الجمهورية منصور عزام عن الجانب السوري والوزير اللبناني السابق ميشال سماحة والمنسق العام لـ«التيار الوطني الحر» بيار رفول.
وكما الاستقبال، كان الوداع عند مدخل قصر الشعب، حيث تولت الوزيرة بثينة شعبان تقديم ملخص عن الزيارة الى الصحافيين، وهي سابقة في التعاطي مع زيارة غير رسمية.
وقالت مصادر أن الرئيس الأسد توجه الى عون في مستهل اللقاء الثنائي، مقدرا دوره الوطني الكبير في تحقيق الوحدة الوطنية اللبنانية وإخراج لبنان من مأزقه الرئاسي والانتخابي والحكومي ومقاربته المميزة للعلاقات بين البلدين وموقفه من سلاح المقاومة.
وقال الأسد لعون انه عندما زار فرنسا مؤخرا والتقى نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، توجه الأخير اليه في الموضوع اللبناني شاكرا له دوره ومساعيه من أجل حل الأزمة الحكومية، ولكن الأسد استدرك وقال لساركوزي ان الشكر يجب أن يوجه الى الزعيم اللبناني ميشال عون، الذي لولاه لما أمكن تمرير استحقاقي الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، بعدما تجاوز في الأول ترشيحه وأفسح المجال أمام انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وفي الثاني، عبر الدور الأساسي الذي لعبه لتسهيل ولادة الحكومة والذي لولاه لما أمكن ذلك، خاصة أنه ما من أحد على وجه الكرة الأرضية يستطيع أن يمون على عون من أجل تغيير مواقفه الا ميشال عون وقناعاته الوطنية.
وقال مواكبون للتحضيرات التي سبقت الزيارة ان البحث بين الأسد وعون انطوى على مراجعة في العمق للمرحلة السابقة والتي انتهت الى عودة الاستقرار والتفاهم الداخلي الى لبنان وتكريس جذوره العربية، كما ان النقاش طال آفاق المرحلة المقبلة ليس فقط على مستوى العلاقة اللبنانية - السورية، بل أيضا على مستوى موقع البلدين في المنطقة وكيفية مقاربتهما للتحديات القائمة من الوضع الفلسطيني إلى الوضع العراقي وغيرهما من الملفات الإقليمية، وبالتالي فإن أهمية الزيارة تكمن في أنها تمت بعيدا عن ضغط أي بند داخلي راهن بل هي تجاوزت التفاصيل اللبنانية نحو مدى أرحب.
ونقلت محطة تلفزيون OTV، عن عون ارتياحه البالغ للزيارة، موضحا أنها كانت منذ مدة موضعَ رغبة لديه، «لكنَّ الدعوة الكريمة من الرئيس الأسد، سبقتها»، فلباها مرحبّاً، وخصوصاً، انها تصادف موعد الذكرى الأولى لزيارته التاريخية الى دمشق، كما قال.
وتابع عون: كلنا نعلم أن تطوراتٍ كثيرة حصلت خلال هذا العام. بينها الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومة، ونيلها عملياً الثقة. وفي المقابل، نحن أنجزنا كلَّ مهامنا الوطنية حيال هذه الاستحقاقات، وأدينا واجباتنا إزاءها، كما يُمليها علينا ضميرُنا والتزامُنا وأخلاقُنا الوطنية. مواقفي كلها معروفة. وكلمتي أعلنتها في المجلس. ونوابُنا يتابعون مناقشاتهم. ولذلك ذهبت الى دمشق، بعد فراغي من كل تلك الاستحقاقات، لعرض أحداث عامٍ كامل، وللبحث في التحديات الخارجية أمام لبنان وسوريا. خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة. كما لإبداء ترحيبنا وارتياحنا لمسار المصالحات العربية، الموازي للمسار الذي أطلقناه نحن في بيروت. والذي نضع له هدفاً أسمى، ألا وهو تدعيمُ مسار الدولة اللبنانية.
أما عن ربط الزيارة بزيارات أخرى، فنفى عون أي علاقة بين ذهابه الى دمشق، وموعد ذهاب أي مسؤول لبناني أو غير لبناني آخر، ملاحظاً أن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية الى سوريا، امر بات معلناً، ويجري التحضير لها من قبل أصحاب العلاقة مباشرة.
وقالت اوساط قيادية في التيار الوطني الحر ان تطورات كثيرة طرأت منذ الزيارة التي قام بها عون الى سوريا قبل قرابة عام، وبالتالي كان من الضروري ان يلتقي الرئيس الاسد مجددا لقراءة المعطيات المستجدة، لا سيما على الصعيد الاقليمي، بما يساعد على تأمين افضل الشروط الممكنة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة في المنطقة.
ولفتت الاوساط الانتباه الى ان سوريا هي لاعب كبير في المنطقة، والصورة لا تكتمل من دون الاطلاع على الاجزاء التي تملكها دمشق في جعبتها، مؤكدة ان زيارة عون لا ترتبط باستحقاق محلي محدد، ولا تأتي في سياق رد الفعل على أي أمر، ولكنها بالتأكيد تصب في خانة تعزيز العلاقات اللبنانية - السـورية على أسس سليمة.
وأكدت الاوساط ان العماد عون يشجع زيارة الحريري الى دمشق ويأمل في تنقية القلوب والعلاقات بين سوريا وتيار المستقبل، لان من شأن ذلك ان ينعكس إيجابا على العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا، مشددة على ان سياسة عون لا تنطلق من التنافس مع أحد على العداء او الصداقة مع سوريا، فهو في مرحلة الخصومة لم يفعل ذلك للمزايدة وفي مرحلة التقارب لم يفعل ذلك للتملق.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد