إسرائيل لا تعرف كيف تنهي الحرب من دون هزيمة
مع دخول الحرب الإسرائيلية على لبنان أسبوعها الثالث تعاظمت علامات الاستفهام حول مقدار الحكمة في القرارات السياسية والعسكرية التي كانت وراء انطلاقها وتصاعدها. وبدأ المعلقون في إجراء الحساب مع حكومتهم وجيشهم بأكثر من صورة على أكثر من مستوى.
وقد أشار المراسل السياسي لصحيفة هآرتس ألوف بن إلى أن قرار الحرب على لبنان اتخذ على قاعدة عقيدة الحدود التي تقوم على أن كل مساس بالسيادة الإسرائيلية سيواجه برد فعل هائل. وهكذا، فإن قرار تنفيذ عملية عسكرية واسعة، ردا على اختطاف الجنود قرب زرعيت في الثاني عشر من تموز، اتخذ بسرعة قياسية. فرئيس الحكومة إيهود أولمرت قرر بشكل شبه فوري الشروع برد عسكري عنيف، وفي المساء نال مصادقة الحكومة على خطة الهجوم الجوي على راجمات الصواريخ وعلى رموز السيادة اللبنانية وفي مقدمتها مطار بيروت الدولي.
ويشير بن إلى أن الحكومة صادقت على الخطة بالإجماع، ولكن سؤال شمعون بيريز، حول ما إذا كان لدى واضعي الخطة تصور لما سوف يحدث في المراحل الثانية، الثالثة والرابعة ظل من دون رد جدي. وبعد يومين من ذلك اتخذ طاقم السباعية بأغلبية أربعة ضد اثنين قرارا بقصف مقر الأمانة العامة لحزب الله وبيت زعيم المنظمة نصر الله، الأمر الذي شكل تصعيدا إضافيا.
ويبين ألوف بن في هآرتس أن القرار الاستراتيجي الثالث، الذي لم يعرض بشكل مناسب أمام الجمهور، كان قرار غزو الجنوب اللبناني بقوات برية من أجل تدمير المنظومة الأمامية لحزب الله. وقد أعطت الحكومة والجيش حينها انطباعا في الأيام الأولى بأن العملية جوية وليست عودة إلى المستنقع اللبناني. وبالتدريج، وبقدر ما كان يتضح أن القصف الجوي غير كاف، توسعت العمليات البرية.
واعتبر بن أن ما كان مفقودا أيضا في القرار المتسرع هو أن الأهداف كانت غامضة وتتغير مع سير المعارك. وقد تبين أن تحطيم حزب الله حتى الآن أمر مستحيل، كما فشلت مهمة اغتيال نصر الله، وهي مهمة استعراضية، كان بوسعها أن توفر للجيش ولأولمرت إنجازا إعلاميا أمام الجمهور. واكتفى الجيش في الأيام الأولى بتحقيق هدف إضعاف حزب الله. ولكن سرعان ما ارتدت العملية العسكرية طابعا سياسيا حيث تم النظر إليها كمقدمة لفرض تنفيذ القرار .1559 وأعلنت إسرائيل أنها ستقيم حزاما أمنيا في الجانب اللبناني من الحدود وسوف تمنع بالقوة عودة حزب الله إلى مواقعه. وأصرت على انتشار الجيش اللبناني ووافقت على انتشار قوة دولية تساعد الجيش اللبناني وتمنع حزب الله من العودة للسياج. وأضافت إلى ذلك وجوب نشر القوة الدولية أيضا على الحدود بين لبنان وسوريا لمراقبة عدم تهريب الأسلحة.
ينهي بن مقالته بالتساؤل عما إذا كانت إسرائيل قد حققت أهدافها من الحرب ويجيب بأنه من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال.
غير أن المعلق العسكري في هآرتس أيضا زئيف شيف يحاول الإجابة عن السؤال بطريقته. وهو يشدد على أنه في ختام أسبوعين يمكن القول إن إسرائيل لا تزال بعيدة عن الحسم في الحرب، كما أن أهدافها الأساسية لم تتحقق. ويشير شيف إلى الدروس المركزية التي استخلصها من هذه الحرب وبينها أن حرب الاستنزاف التي يخوضها حزب الله ضد إسرائيل تتواصل دون توقف... وإذا كان حزب الله يواصل الأمطار بين 80 100 صاروخ في اليوم فالاستنتاج هو أنه لم يطرأ تخفيف على حدة حرب الاستنزاف. ورغم الضربات الشديدة التي وجهت لحزب الله من الجو ومن البر، فلا توجد بعد إصابة جوهرية لقدرة المنظمة العسكرية. ومع أن حزب الله اُضعف عسكريا، الا انه لم يفقد بعد إرادة القتال. كما أن منظومة الصواريخ القصيرة المدى في الجنوب اللبناني تضررت، ولكنها بعيدة عن الانهيار. أصيبت عشرات منصات الصواريخ، ولكنّ لدى حزب الله مخزونا كبيرا كي يواصل إطلاق الصواريخ. وبالمقابل، فإن منظومة الصواريخ البعيدة المدى أصيبت بشدة بالهجمات الجوية.
ويؤكد شيف أنه تبين ما كان ينبغي أن يكون معروفا منذ زمن بعيد: أن القوة الجوية لا تكفي لوضع حد لتهديد الصواريخ>. وهذا يقود نحو العملية البرية التي من الواضح أنه من دون عمليات برية متداخلة مع عمليات جوية لا يمكن ضرب مخزون الصواريخ المخبأة في الأنفاق وفي أقبية المنازل. ويشدد شيف على أن أحد أهداف الحملة كان إبقاء سوريا خارج دائرة الحرب. وهذا نجح حتى الآن. وسوريا مرتابة، وقد أدخلت قواتها في حالة تأهب. وبالتوازي فإنها تساعد في تهريب الصواريخ والمعدات العسكرية الأخرى لحزب الله. أما إسرائيل فتعد نفسها لاحتمال أن ترتكب دمشق وزعيمها خطأ في التفكير. وأمس ادعى بعض أعضاء الكنيست في لجنة الخارجية والأمن بان الجيش الإسرائيلي يأخذ مراهنة كبيرة في هضبة الجولان إذا لم يكن يجند فرق الاحتياط لمواصلة الحرب.
ويخلص شيف إلى أنه لا يوجد تقدم حقيقي في المسار السياسي، الذي يفترض به أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار في لبنان. والتطلع هو للوصول إلى وضع مغاير عما كان عليه حتى الآن في الشمال، مثلما قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس. وفي هذا المفترق يجب مضاعفة الحرص كي لا يفاجئ حزب الله إسرائيل ويلحق بها خسائر فادحة.
وفي هآرتس أيضا يواصل المراسل العسكري عاموس هارئيل محاولة الإجابة عن الأسئلة المتعلقة باحتمالات الفشل. ولكنه بخلاف سابقيه يعرض رأي وزير الدفاع الأسبق في حكومات الليكود موشيه أرينس الذي يرى أن العملية العسكرية الجارية تدار بشكل سيئ. وقد حذر من أنه إذا لم يطرأ تحول سريعا فان حزب الله قد يخرج غير مهزوم من هذه المواجهة. وهو يرى أن نتائج ذلك كارثية على إسرائيل، حيث سظهر نصر الله في العالم كمن أطلق آلاف صواريخ الكاتيوشا على بلدات إسرائيلية لأسابيع وخرج ولم يُمس بذلك.
ويشير هارئيل إلى عدد من المواضع التي ظهر فيها الخلل الإسرائيلي جليا: امتلاك حزب الله للصاروخ البحري الذي أصاب البارجة حانيت، وعدم استخدام قادة البارجة للمنظومات الدفاعية التي تحملها. ويوضح الأحاديث الدائرة في المستويات الميدانية في الجيش الإسرائيلي حول الخلل الاستخباري الذي تبدى في معارك مارون الراس وبنت جبيل. وفضلا عن ذلك هناك الانتقادات للأداء العام للجيش الذي ينتقل ميدانيا من فشل إلى آخر على صعيدي التخطيط وإدارة المعركة. وفي هذا السياق الأمثلة كثيرة: سقوط ثلاث مروحيات ومقتل رجال الوحدة الخاصة إيغوز.
ويتحدث هارئيل عن أن الاستنتاج السائد من البحث في مواضع الخلل هو أن حزب الله لا يُذلنا فقط، بل ينتصر. وفي الواقع، عندما يلقى الجيش الإسرائيلي حزب الله وجها لوجه، لا يوجد خلاف البتة من الذي يهزم الآخر. تنسحب العصابات بإزاء كتل كبيرة من القوة العسكرية، مع خسائر. السؤال الرئيسي مغاير: هل يستعمل الجيش الإسرائيلي ما يكفي من القوة للحصول على امتياز، أو أنه تكفي طريقة سلسلة من التأثيرات أي غارات محدودة على قرى لإبعاد حزب الله عن الجنوب. قيود القوة الجوية واضحة.
وينهي هارئيل مقالته بالقول إن أعضاء في هيئة الأركان اعترفوا أمس، بأن نصر الله يريد ويستطيع الاستمرار في إطلاق الصواريخ أياما كثيرة بعد. كما أن جزءا من الضباط يتحدث هذا الأسبوع عن الحاجة إلى عملية سياسية سريعة، تُحرك بموازاة العملية البرية وتُمكّن من إنهائها في القريب، قبل أن يُكلف دخول قرى أخرى الجيش الإسرائيلي إصابات كثيرة. وقد اقترح فريق خارجي من الخبراء على المؤسسة الأمنية هذا الأسبوع البدء بتقليص أهداف المعركة المعلنة، استعدادا للتسوية. ويقول إنه : لا تزال تواجه إسرائيل مشكلتان رئيسيتان: احداهما، توجيه ضربة قوية، لم تتم بعد، لقدرات حزب الله، قد تضعف من خنقه لحكومة لبنان. والثانية، حتى لو تم الحصول على هذا الشيء، فهناك حاجة إلى تسوية سياسية قوية على نحو خاص، لمنع إيران من العودة إلى تسليح حزب الله في اللحظة التي تنقضي الحرب فيها وحثه على البدء بمواجهة جديدة في السنة القادمة.
ولا يبدو أن ثقة المستشار السابق لإسحق رابين والمعلق في يديعوت إيتان هابر بالنصر أكبر ممن سبقوه. فهو يرى أنه من المبكر أن نلخص نتائج هذه الحرب الدائرة في لبنان منذ الآن، فربما يزيد الجيش الإسرائيلي كثيرا ضرباته، ويحطم قوى حزب الله ويقدم نتيجة لذلك رأس نصر الله قربانا. ولكن هذا سيكون خطأ كبيرا لتجاهل الصعوبات أو التسليم بالحقائق. هناك 7 آلاف من عناصر حزب الله، والكثير من أنصارهم، سيبقون في لبنان، وحتى إن بحث الجيش الإسرائيلي عن كل صاروخ كاتيوشا على ضوء شمعة، فهو لن يفلح في التخلص من حزب الله بهذه الطريقة. ويقول بكلمات فظة أخرى نحن سنبقى مع حزب الله ومع الكاتيوشا. ما الذي سيُعد إنجازا مع ذلك للجيش الإسرائيلي، للحكومة وللدولة؟ إذا كان في نطاق التسوية سيظل حزب الله والكاتيوشا في منطقة بيروت، ولا تقترب إلى منطقة الجنوب، وبالطبع تطلق النار. في حالة كهذه، فإن التهديد سيبقى علينا (بل ربما يزداد). ولكن في إطار تسوية كهذه فإن الأمر لن يتغير كثيرا عن تلك الاتفاقات مع الدول العربية التي تحتفظ بكميات كبيرة من السلاح والوسائل القتالية.
ويرى هابر أن الاحتمال الآخر هو تشجيع العالم وخصوصا أميركا على القدوم للمشاركة معنا في الحرب ضد محور الشر. وهذا يعني أنه علينا الاستعداد لحرب طويلة جدا، حيث في نهايتها، ربما، يتحول فيها المفاعل النووي الإيراني إلى خرائب. وخلص إلى أنهم قالوا ذات يوم في دورة ضباط لخريجين في الجيش الإسرائيلي: حرب؟ أنت تعرف كيف تبدأها، ولكنك أبدا لا تستطيع أن تعرف كيف تُنهيها. وحكماؤنا كانوا يقولون :نهاية العمل.. بالتفكير أولا.
ومن نقطة التورط الأميركي مع إسرائيل ينطلق مراسل هآرتس في الولايات المتحدة شموئيل روزنر، الذي يرى أن وتيرة الأحداث المتشابهة في الشرق الأوسط تفقد المتابع في واشنطن قدرته على التركيز. ويشدد على التشابه بين لبنان والعراق وفلسطين بالنسبة للإدارة الأميركية. ويتساءل كيف يمكن تعزيز مكانة حاكم ديموقراطي ضعيف من دون إظهاره بمظهر المؤتمِر بأمر الإدارة الأميركية (محمود عباس في فلسطين، وفؤاد السنيورة في لبنان، ونوري المالكي في العراق)، كيف يمكن التغلب على ميليشيا قوية لا يمكن للنظام الحاكم أن ينزع سلاحها (حماس، حزب الله والمتمردين في العراق)، ما هي جدوى وجود قوة أجنبية في هذه المجابهة (في العراق توجد قوة أما في فلسطين فلا، وفي لبنان ما زال الأمر قيد الدراسة)، وخصوصا في أساس ذلك كله كيف يمكن التغلب على الذراع الطويلة المدمرة والعابثة في كل شيء (إيران وسوريا في الجبهات الثلاث).
ويكتب أن : الدولية بعد أيام من الحماسة، سرعان ما ستظهر كبطة دبلوماسية عرجاء، أو أنها لن تتشكل بالمرة، أو أنها ستكون غير فعالة مثل قوة اليونيفيل الحالية. ويبين المفارقة في الموقف الألماني من تشكيلة القوة وطابعها وفق ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز ويقول إن ألمانيا سترسل جنودا فقط إذا حظيت القوة بموافقة حزب الله أيضا. حزب الله هو مرة أخرى، بصورة أساسية، الطرف الحاسم. إما أن يقرر قبولها لأسبابه الخاصة، أو يطردها من لبنان بضربة أو اثنتين. إذا رغب في تخفيض مستوى ألسنة اللهب، فعل، وإذا أراد أشعلها من جديد. الجيش اللبناني أيضا لن ينجح في المهمة التي يُطالب بها. حزب الله الذي تقف طهران ودمشق من خلفه، أقوى منه بكل بساطة.
ويخلص إلى أن كل المناورات الرسمية ليست إلا مناورة لكسب الوقت، وقائمة فقط على الأماني. ويعتقد أن المعضلة التي تواجه الجميع هي أن عليهم التعايش مع الوضع القائم على ما يبدو، والاكتفاء بإنجازات محدودة إلى أن يتغير الاتجاه أو إلى أن يأتي المهدي المنتظر، أو المخاطرة بحرب كبرى
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد