جليد

01-03-2009

جليد

ويوم يقتبسُ الموتى من الأحياء أرواحهم بين تلال التاريخ العاري،ستأتيكم من أنفسكم بواخرٌ عملاقةٌ ،تمتطونها وتَشقون بزعانفها مدرجات الرماد .صعوداً لأبراج الأعين وتخوم الشاشات.أنتم يا من تتمرنون ما بين الموت وغلاف الموت المُسمى حياةً، أمامكم الأرضُ وهي تقبضُ على شاهدة قبرها الملحمي.وقربكم  سبورةٌ تغصُ بشعوب محشورة في غابات داكنة .هل خرجت العقاربُ عن سياق الساعة،فنكون ميتتين قليلاً.أو من الأحياء بعض الشئ. الهواء خيوطُ نار مُرة تتسرب من مايكروويف .وليس غير الدماء في اللغة أو على التراب.أما  المنازلُ فأجساد  حولها بركُ الهيموجلوبين الذي لم تعد تناسبُ الديناميت الحديث . ألا تراه عدماً مسرحاً تفضيلياً.والكائناتُ أوراقٌ تنمو القصائدُ على أسطحها وتموتُ بالقصف الرجيم.
سأستغني عن قراءة نصّ الحتف . فهو أيضاً هنا وهناك، يبالغُ في طاقته. انظرْ هناك.. ترى الموتَ يضعُ الماسكرا على رموشهِ ،ويخرجُ طاووساً من كل محارة مهجورة على باب الأبيض المتوسط. بعدها تأتي الطائرات مُجدولةً النارَ  في غرف اللحوم وما لها من مداخن في العالي وفي العميق. الردى صندوقُ دنيا من سيرك ومدافن وحشرجات.والموتُ في آدم داليةٌ تتخضبُ بإكسير الزئير.كلاهما يختلطُ بالآخر دون ترتيب لروزنامة أو خوف. الموتُ هو اللاموت . يجري الأولُ على قماش الصباح تائهاً.ويرسمُ الآخرُ طريقاً تجريبياً  للوصول إلى مباني السموات بأقل المعاصي. والزمنُ ثكنةٌ وضعها الله في خلقه.الميتُ يعرفُ ذلك،والحيّ أيضاً. لذا تتكثفُ نشوة الاغتسال بالبرق قبيل الذهاب لأية سهرةٍ في قذيفة .  في عصفورية شبيه بعش الوقواق.في مقهى لغوي من حجر الأسلاف. أو بين طواحين نسوة يهدرن بأغاني الهجران.الجليدُ مرآةٌ مقفرةٌ.والعربُ دوابٌ يحملون شموساً منتهية الصلاحية ،ويمضون شتات قوافل على سكك بلاغةٍ سوداء مُركّزة .

 


1
يستأنسُ بالبحر
يرسمُ لشعوبه خيمةً على الرمل
ثم يشطبُ غروبَ أرواحهِ دون تردد.
ضجرهُ في ضغط الدم يصعدُ
متخطياً العقلَ والأبراجَ والنو المنبعث من بطون
السلاحف وخزائن التاريخ.
فيما العواصفُ التي عادةً ما تحفرُ في قميصهِ
حتى العظم.
ذهبت فيه إلى أبعد من العيش في مقلاة.
هو ذاك..
ناظرُ الموتِ في مدارس النهار زائد القصف.
وخفيرُ الليل ناقص مدافئ النساء والمازوت.
هو ذاك..
المضطرُ  لملاقاةِ ما يتساقطُ على رأسهِ من رطبٍ
وقنابلَ وسجيل ورذاذ أحمر .
هو ذاك ..
يتخيلُ كرسيّاً قبالة الماء
وحولهُ أشباحٌ مثقلين بموسيقى التعازي.
ألمٌ يهربُ منه الموتُ.
وآخر يتمظهرُ بالحداد على مقربة من أطلال.
وآخر آخر يتمسرحُ في العين طلقةً معلقةً
على الريح ما بين بحرٍ وجسدٍ يحاولُ
العومَ في مستشفى .
هو نفسهُ..
يفككُ الجسمَ الذي لديه قطعةً قطعةً..
ويُعيدُ تشكيلَهُ تلفزيوناً بألواح من رملٍ وحزنٍ
وفولاذ وسحرٍ وبقايا قصائد تمزقَ على سطوحها العاشقون
مثل قوارب بين أنياب عاصفة شكسبير..
هو ذاته ..
رجلٌ في منتهى التبخر والحطام العاطفي. يَرى أرواحَهُ تقاتلُ في البرّ والماء والأنفاق.ويصادقُ أرواحاً تقتلت في أجساده المتناثرة على امتداد ألف كمين وجبّ وسرداب وهاوية.هو تلفزيون نفسه ،يمتلئ بمذيعين وعساكر ودبابات وسياسين ذباب بنساء موضة وكليبات ترتجُ في بلاغة لبيدو الإعلانات  بطحالب بمأسورين بمجانين وقباقيب ومنتجين لعار لا ينتهي زكامهُ من ذاكرة الشعوب ولا من أنوفها.
شخصٌ اللامكان هو.
يدفعُ قلبهُ أمامهُ عربةً تقطعت قوائمُ خيلها.
مخلوقُ اللا زمان كما في مرآة الورق والطلاسم المموهة .
كائنٌ سيكولوجي متعددُ الطبقات .رأسهُ برجٌ ينوءُ تحت شبق أف 16 وهي تجترُ المدنَ كبقرةٍ  ضربها الجنونُ بمساميره الصدئة .
كائنٌ أعزلٌ .عاشقٌ يستلهمُ من الدمع جمراً للتدفئة.روبوت يتمرن على الحياة من خارج النص.
يرى البحرَ على طول غزة مقفراً .ويرى المراكبَ هياكلَ عظمية لحيتان في ذروة الانتحار.يرى القصائدَ بلا أعين تهرولُ ما بين دم بيت لاهيا والزمهرير.لا غيوم في السماوات . وراعي القطعان السكارى بقنابل الفسفور ذابلُ ومغمورٌ بغبار صخر يمتطي الذاكرة ويمحو الأصوات من الأجراس.
وهو رجل .
أقصدُ الرجلَ الذي صار تلفزيوناً .
أقصدُ إنه كان كاملاً في الروح في العظام في الرئتين في النظر وفي الجنس المُقتبس من الروايات والأفلام والمراهقة التي تنمو في ثقوبنا ديناصورات دون انقراض.
هو كائنٌ في باب الحياة أولاً.
يكرهُ أن يكون ماتادور يصارعُ الثيران أو ينام في أحضانها.
يريد يذهبُ للحانة مشياً أو يعود منها ثملاً محمولاً على رأسه أو على ظهر الباص الصوفي مع بقية سكارى الكواكب المخمورة في ترع السماوات.
هو رجلٌ جسدٌ لا مدفن.
أقصدُ إن الرجلَ جرّبَ أرواحَهُ في مختلف الحروب ولم يفارقهُ لحمهُ أو يسقط سرديناً مرمياً في علبة صفيح مختومة بأرقام مزورة وحدود كالمطاط.أقصدُ إنه جرّبَ الحروبَ في مختلف الأعمار  والأرواح والأزمنة،دون أن يرى دماً تجمدَ في شريان أو على سيف أو قميص.
هو كائنٌ مهووسٌ بفك شيفرات سلالة البئر ورواة الأساطير المزوّرة. يحوّلُ جسدهُ تلفزيوناً ،ويشتقُ من أحداثه الدمعَ والجرادَ وموسيقى غرفِ الجحيم .هو ذاك. محطةُ بث نفسه في الجرائد المهجورة.في أنابيب الجملة العصبية ،وكل ما يجعل الفرجة تاريخاً لحطام حضارات ما بين الله وبين الأقوام.هو ذاك التلفاز المكسور على أطراف غزة. الممتلئ غباراً ودماً وشظايا وحقول نار. هو التلفزيون.أو الرائي في بلاغة العرب، الجهاز الزجاج الذي يسرقُ الموتى شاشته مغطين بها جلودهم المتجمدة على مقربة من آبار حفرتها الصواريخُ في الأجساد والشوارع.حيث يؤرشفُ القصفُ القتيلَ كبشاً للذكريات .

هامش:
ثم ماذا ولا أقول أن القرى زهورٌ بريةٌ ،كأن لا تكتملُ احتفالاتها إلا في الجثة الأصيص. ثم ماذا سيقول آدمُ عن شعوبه المأهولة بالعدم في جباليا.المولودة في الألغام والأواني المكسورة العظام المكسورة المصابيح كدمى الأونروا وهي ترضعُ من الصواريخ الحليبَ المعقم ورحيق ملائكة تل أبيب.

هامش سينمائي:

أيها الرجلُ الشخصُ الشبحُ التلفزيونُ :
- - صفْ لنا الموتَ؟
- - هو ربيبي الدائم على الأرض؟!
- - هل المحرقةُ مقدمةٌ للقتيل أم لما بعده؟
- - المحرقةُ نصّ النار وخارطةُ الضريح.
- - والأرواحُ .أهي حطبٌ ؟
- - لم أعرف بعد. ولكنني سأنزلُ في اللحم لأرى طواحين الدم وما تخلف من رماد للتأليف في الحب.في الكتب لأسأل عن أبطال التوراة وقنابل الداين .  في ثقوب كرة الله الأرضية، من أجل اكتمال التراب على وجه الوردة. في التفاح لأرفعَ الأنين من مداخن القلوب.في المنافي ليستمر الغرام الوحشي ببناء البلدان.في التين والزيتون لمقاومة الجرادِ في الجماجم.

هامش جهنمي:
   F  16
أمٌ وحولها أفراخها من هليكوبترات
ومناطيد وغربان دون شوفيريه.
يحتلون مدرجات الهواء الأسود
وفي كهوف الغيم..
تلبدُ أعينهم في دوارق تغلي بالا النوم
دون حطب.
السمّ يقظتهم حتى الأبد.
تلك والدةُ إسرائيل
F 16
تمدُ أرجلها على طاولة السماوات بحركات
تنين من نسل التلموذ.
لماذا لا يذهب الإسرائيليون إلى ألمانيا
ويذبحون الدجاج الآري مع خنازير الرايخ
هناك؟
يسألُ ذئبٌ متقاعدٌ.

هامش مسرحي:

أيتها النارُ كوني سؤالا بين أجنحة الطير .
بين طيات الورق وبين خيوط الأنين؟
أيها السؤالُ
كيف تنحتُ من جبال النار كلماتٍ
ولا تكون عربة واقفة على باب اللغة. .
ألم تشهد البلدان تركبُ البريدَ ..
لمغادرةِ الغيبوبة .
هي ذي حكمةُ أن نصادق الموت قبل عرض
الخوف المسرحي.
فنكون كما الطواويس في مسيرة الشاشات.
ومشيدين بقلوب لا يثقلها حديدٌ أو نواح.

 

 


2
هي امرأةٌ هنا أو هناك..
كثيراً ما يزورها الميكانيكيون الإسرائيليون في النوم،
لعمل وصلة ما بين رحمها والقبر.
يحدثُ هذا من أجل أن تستريح المواليدُ
في الفسفور الأبيض أو في الملفات القديمة للنابالم .
وإما أولئك فجندٌ يكرهون مريل المدرسة.
يرون العصفورَ المرسوم على السبورة جباراً
يتلاعبُ بالنيران.
يرون حبةَ الزيتون مفرقعةً تحرقُ العين.
وقطرَ الندى حبراً كيميائياً للمسخ.
هي امرأةٌ من بقايا أمي .
كأنها خلقت من أجل تربية الدمع
تحت الأنقاض.
أمامها عابرون يبنون  حول رؤوسهم جدراناً
عاليةً حتى الله.
رؤوسٌ تريدُ السكنَ في خزائن
حديد .
تريدُ أبراجاً مشيدّة بدبابات
لا يقربها نبيٌ أو وردٌ أو كتبُ شعر
للمتنبي أو لرامبو .
جنودٌ ضباعٌ يملأ جلودهم شايلوك بلحم من حانوته
العقائدي دون انتهاء .


3
ها أنذا في نفس أخرى.في جسد أجمل مما كنت فيه سابقاً . في منزل آخر بعد ذاك الذي طار سقفه في خان يونس حتى أرصفة السماء.ها أنذا أتوه كمن شرب المتوسط كحولاً تحت شجرة كرز في بيت حانون .لذا أعودُ مكتملاً في المفاتيح القديمة وما من منتظر لي على اللائحة سوى القبر.
وقيل لي ستمحى.
قلتُ: أفضل أن أمحى في مشهد عزلتي القديمة لأتجددَ في رذاذ اليود البحري،ومعي أبريقُ الشاي وطوابق الأحلام والطيرُ وأصابعُ فتيات يطرزنّ الشِعرَ بالبحر بمخمل الغرام بذكرى قيس والتهابات الهجران الدراماتيكية  .ثم كيف لا يمسكني الشططُ ،وأنا على سلم ريختر  في زمن الوجبات السريعة من الزلازل . 
هذي المرة الأجسادُ حقولٌ لقنابل الداين.وحداثةُ الموتِ تكنولوجياتٌ بمضخات من جهنم إسرائيل.
حيث موسم بريد الحربِ لمراسلةِ الله بالجثث.جنودٌ في مراهقةِ البارودِ ودون فيتو .يشيدون الجسورَ على بخار الدم ويحاكون هياكلَ كانت لهم في معتقدات الخبل والوهم والجريمة. ونحن القبائلُ الشعوبُ نتدربُ على تمارين العدم أو على بصيص الكواكب المُعمِرة فيما وراء الغلاف الجوي.
بينما الجثث الكثيفة الموت على حبال أوروبا
تنشرُ دون اكتراث.
إنه وقتُ المرض..
إنه مرضُ الوقت الدائم..
حيث يتكلسُ الشحوبُ على وجه التاريخ.
ويتطايرُ الحضاريون ورقاً فوق براميل الشوارع.
أو يسهرون في البانيو مع كلابهم
على وقع موسيقى البورنو .

4
بعد مواسم القنابل .كيف تبني الشمسُ مخلوقاُ دون مدفعٍ رشاش .دون أشباح يبثون الخوفَ في عائلة الليل والنهار.ولماذا تظن الصحراءُ إنني شبيهها في البدن. وفي الريح وفي الثعابين.
الآن ..أقدامُ الجحيم على الباب حافية .غرف الليل مسكونة بالحمى الطائشة.
ليس من أحد أبن ماء في ليلٍ يشبه نقطة.أو في الليلة التي جف ضرعها ،فتكدست في الأجساد بقعة إسفنج مبلولة بحنظل. ليس غير قطاع الأحلام هنا.وكأن لا يحق الوصول إلى فضاء الله.أو ملامسة سيارات الإسعاف المجثثة بين الأنقاض.

هامش عاطفي:
وترى زوجةً تطوق عنقَ بعلها بما تبقى لها من اليدين.
وأماً برحم أغلقهُ البارودُ بصخوره.
وابناً يرافقه الحَمامُ إلى الضريح بجنازة مشتركة. 

 

5
الرجل التلفزيوني ذاك..
يجدُ نفسهُ مزدحماً بعوالم ما قبل الموت .يريدُ الاحتكاك بالياسمين بالكتب بالأسطوانات مع العصافير والرسائل التي ينام العاشقون على سطورها ما بين الريح وهياكل الكلمات.كان بالأمس تحت غيوم البحر الأبيض.يحلمُ بتكسير أجنحة الطائرات أو تجريدها من حديد الموت..
الرجلُ
التلفازُ
وأمامه
الأقوامُ والسيوفُ والسفنُ وبرابرةُ النار.
هو الآن.
يخرجُ من الموت مُستقطعاً من الزمن وقتاً للغزل.
وآخر لتنظيف تربتهِ من فتات الفسفور والألغام .

 

الدنمرك
فبراير 2009

الجمل- أسعد الجبوري

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...