الأمومة المتأخرة محرجة أم فرصة لا تعوّض؟
لم تمر عليها العادة الشهرية، فاعتقدت أم خليل حينها أنها قد بلغت «سن اليأس» بعد تجاوزها الخامسة والأربعين من العمر. حاولت الانشغال بالتحضير لحفل تخرج ابنتها البكر من الجامعة عن التفكير بالأعراض التي سمعت عنها مطولاً من جارتها لما يُعرف بـ «سن اليأس»: «شعور بالتعب والإرهاق، قلق يرافقه بعض الاكتئاب، فقدان الشهية للطعام واضطراب الرغبة في العلاقة الحميمة مع الزوج». هذا ما ذكرته الجارة، إلا أن أم خليل لم ينتابها من الأعراض السابقة سوى بعض التعب، أما البقية فعلى العكس تماماً، فهي تشعر بشهية جيدة للطعام ويسعدها اهتمام زوجها بها، الذي لم يعكره تغير شكل جسدها، أو التجاعيد التي بدت واضحة على ملامحها في السنوات الأخيرة.
بضعة أسابيع ويصبح الشعور بالإجهاد بعد الأعمال المنزلية اليومية أمراً غير اعتيادي لدى أم خليل، لكونه يترافق مع شهية للطعام تتجه نحو النكهات المالحة تارة والحامضة طوراً آخر، أعراض خبرتها أم خليل في حياتها حين كان «الوحام» ظاهرة ترافق حملها في كل مرة لأبنائها الثلاثة. إلا أن احتمال الحمل لم يخطر ببالها، فقد واظبت على استخدام موانع الحمل الصناعية والطبيعية بعدما قررت وزوجها الاكتفاء بثلاثة أبناء، والمولود الرابع للأسرة «رغد» لم يكن مخططاً لمجيئه بل كان حملاً مفاجئاً للوالدين اللذين تقدما بالعمر، فالأب ستيني والأم تجاوزت الخامسة والأربعين، إلا أن المشكلة لم تكن في المولود الجديد بل في تقبل الأخوة الثلاثة له.
«خديجة» بكر العائلة وهي طالبة على أبواب التخرج من كلية الطب، استاءت من خبر انتظار مولود جديد في العائلة، وتقول والدتها: «بدت حانقة وغاضبة عندما أخبرتها بحملي. لم تتقبل الفكرة على رغم أنها على وشك أن تصبح طبيبة! وعلا صوتها حين أخبرتها وقالت: ماذا سأقول لزملائي في الجامعة؟ والديّ تذكرا أن ينجبا طفلاً بعد هذا العمر». وتضيف الأم: «كل ما كان يهم أولادي هو نظرة المجتمع وتقبله فكرة الحمل في سن متأخرة، إلا أنهم اليوم بعد قدوم رغد، يحبونها كثيراً ويتسابقون للعناية بها».
بيد أن حالة تماضر، وهي في الأربعين من العمر كانت على نقيض حال أم خليل. فتماضر التي تزوجت منذ ثلاث سنوات، أسعدها قدوم مولود يعلن أنها لا تزال أنثى شابة قادرة على خوض تجربة الأمومة التي تعتبرها تماضر «فرصة لا تعوضّ»، خصوصاً أنها تزوجت في سن تعتبر متأخرة في المجتمع السوري، إذ أن معظم سيداته يتزوجن في سن صغيرة ما أمكن وينجبن بين سن العشرين والثلاثين، كما يقول الاختصاصي في التوليد والجراحة النسائية ومعالجة أمراض العقم، د. محمد أنور شنن، الذي يوضح أن تقدم عمر الأم يعرقل حملها بجملة من المخاطر قد يكون ثمنها غالياً، «لكن ذلك لا يعني أن نمنع من تقدمت بالعمر من الحمل إن رغبت لأن الطب أوجد طرقاً عديدة للوقاية من الاختلاطات التي قد تحدث في حالة الحمل في سن متأخرة». ويقول الطبيب الذي ينصح من حملت بعمر يتجاوز الخامسة والثلاثين باستشارة الطبيب بمجرد التخطيط للحمل أو اكتشاف حدوثه لإجراء الفحوص اللازمة والتحري الباكر للأمراض الداخلية التي لم تصبح عرضية بعد، كما ينصح بإجراء الاختبارات اللازمة لنفي التشوهات الصبغية التي قد تصيب الجنين إذ أن احتمال إصابة المولود بتشوه مثل متلازمة داون (المنغولية) يكون أعلى، ويركز الطبيب على أهمية أن يكون هناك متابعة حثيثة لتطور الحمل ونمو وتطور الجنين ومراقبته من خلال التصوير بالأمواج فوق الصوتية (ايكو) وصولاً إلى ولادة آمنة تحت مراقبة الطبيب.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد