نحن قبائل بمرتبة دول
من حين إلى آخر ينفجر في منطقتنا البارود. وقبل أن يستريح الغبار على الأرض، وقبل أن يستقر حطام الأبنية وقبل أن يدفن الموتى... ويسكن المهجرون في الخيام.. يكون العرب قد أصيبوا بما يمكن تسميته التباس الخنادق. هذا المرض، (يمكن أن نسميه كذلك) مارس سطوته وجراثيمه عليهم منذ بدأت حملة إلغاء الفوارق بين الحاكم والمحكوم، بين الغني والفقير، بين المالك والمملوك.. وبين دول عربية كل واحدة لها علم تكاد ألوانه تتناحر مع ألوان علم آخر.
إلغاء الفوارق تمهيداً لمزاعم التضامن، ولكن في الحقيقة، هو تأسيس لمداميك التواطؤ.
من يناقش اليوم حزب الله على قرار الحرب (يسمونه قرار الحرب) ينسى أنه كفّ عن نقاش الأوراق التي رمتها إسرائيل في الزبالة. أقصد المبادرة العربية للسلام.. وهي الاسم الواضح (لا الحركي)، لإجبار العرب كلهم على علاقات، دون شروط مع إسرائيل. إسرائيل الإقليمية الإسبارطية بالعة الأراضي.
من يناقش اليوم حزب الله وهو تحت النار (شوياً وقلياً وغلياً) ينطلق من وداعة التاجر، واسترخاء السائح، ونسّاء الحوادث. ومن زاوية الانضباط الطلابي المدرسي للدول التي تحاول وتفشل أن تكون دولاً بالمعنى الحديث للكلمة. والقانوني والأخلاقي أيضاً.
من زاويتي شخصياً أرى أن كل من يستطيع إيذاء إسرائيل، أو هدم حجر في معمارها الاستعماري.. هو على حق. فهذه دولة مجنونة، وكارهة بالمعنى الكاليغولي المتوحش الفظ. وأكبر مظاهر الجنون عندها هو قرارها بألا تعيش في سلام متاح وممكن.. بل إصرارها على أن الآخرين رعاع وهي سيد في هذه المعركة لن تنتصر إسرائيل إلا برأس مقطوع كما يقولون، وحزب الله سيخرج منتصراً حتى في ما يبدو أنه الخسارة. وسيؤسس ثقافة ممانعة ومقاومة وتضحيات.
جيلاً وراء جيل، وفي ظلال نعيم أو جحيم الدول، مع موافقتهم الرسمية على المقاومة أو رفضهم حتى لسلاح البلاستيك بيد الأطفال.. سيكون هناك من يقاتل إسرائيل.. إسرائيل دولة تشتهي العداوة الأبدية.
التباس الخنادق اليوم، هو العروبة الوحيدة المتبقية من محاولات إيهامنا أننا أمة واحدة.
نحن قبائل بمرتبة دول!!
(شاعر سوري)
عادل محمود
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد