تركيا انطلاق رحلة ما بعد «العدالة والتنمية»
دخلت تركيا فعليّاً مرحلة ما بعد حكم حزب العدالة والتنمية. أوساط المقرّبين من رجب طيّب أردوغان متشائمة، وتغلّب احتمال حلّ الحزب الحاكم و(أو) منع عدد من قياديّيه من مزاولة العمل السياسي بموجب دعوى المدّعي العام عبد الرحمن يالتشينكايا.
الاحتمالات عديدة، وهي جميعها مربوطة بقرار المحكمة التي تشير أوساط حكومة أردوغان إلى أنّه قد يصدر في فترة زمنيّة أقصر ممّا كان متوقّعاً. أردوغان قطع الطريق أمام التكهّنات، فهو لن يقدم على تعديل دستوري يحرم فيه المحكمة الدستورية صلاحيّة النظر بدعوى يالتشينكايا، وقرّر في المقابل السير في الدفاع عن نفسه وحزبه من ضمن الآليّة القانونيّة أوّلاً.
وبما أنّ الشعور الغالب عند فريق عمله هو أن تنتهي المحكمة إلى حظر الحزب و(أو) منع مسؤوليه البارزين من مزاولة العمل السياسي لفترة 5 سنوات، باتت التحضيرات لما بعد «القرار الأسود» جاهزة. السيناريوات حاضرة، أسماء المرشّحين لتولّي المناصب المقبلة في حزب جديد من شأنه أن يبصر النور إذا صدر حكم الإعدام بحقّ العدالة والتنمية، كثيرة. كذلك، فإنّ إعادة ترتيب البيت الإسلامي المعتدل جارية على قدم وساق، فهناك أسماء ستغيب عن المشهد السياسي المقبل، وأخرى ستتصدّره. وحتى في أحسن الأحوال بالنسبة إلى الحزب الحاكم، أي حتّى لو لم تصدر المحكمة أحكاماً قاسية بحقّ الحزب وقياديّيه، بات من شبه المؤكّد أنّ تعديلاً حكوميّاً واسعاً ستشهده حكومة أردوغان. خطوة ستندرج من ضمن تكتيكه المساوم والدبلوماسي، الهادف إلى تحقيق هدنة مع المعارضة بحيث سيضحّي بعدد من أبرز معاونيه على حساب فريق من «الجيل الجديد» بدل «الحرس القديم». وفي حال حَظر الحزب أو عدمه، فإنّ الفريق نفسه سيبقى حاكماً، ولو باسم حزب جديد، وسيبقى أردوغان الحاكم الفعلي ولو من خلف الكواليس. حظر الحزب ستتبعه خطوة أولى هي تأسيس حزب جديد، وتنظيم انتخابات نيابيّة في غضون أربعة أشهر تقريباً من صدور قرار المحكمة، تشير جميع التقديرات إلى أنّ فريق عمل أردوغان وغول سيحصد فيها غالبيّة قد تفوق ما حقّقوه في انتخابات العام الماضي (340 مقعداً من أصل 550). بالتالي، سوف يبقى خليفة «العدالة والتنمية» حاكماً في أنقرة.
ولأنّ أردوغان سيكون ممنوعاً عليه تولّي منصب رسمي في الحكومة أو في الحزب، سيضطرّ إلى تعيين شخصيات يثق بها تماماً لأنها ستمثّله في الحكومة وقيادة الحزب الوليد. وأردوغان في هذه الحالة، لن يكون أوّل شخص يُمنَع من مزاولة العمل السياسي ويدير الحياة السياسية من خلف الستار في تاريخ تركيا الحديث. فعلى سبيل المثال، بعد الانقلاب العسكري عام 1980، تولّى حكمت الدين سيندورك إدارة حزب «الطريق القويم» بالوكالة عن سليمان ديميريل الذي مُنع من العمل السياسي. كما كان معروفاً أنّ رهشان أجاويد قادت حزب اليسار الديموقراطي كمجرد غطاء لزوجها بولند أجاويد الذي أصدرت المحكمة الدستوريّة حكماً مماثلاً بحقّه.
حتّى أردوغان نفسه، كان ممنوعاً من العمل السياسي خلال انتخابات عام 2002، واضطرّ إلى انتظار تعيين عبد الله غول على رأس الحكومة لينزع الحظر عن أردوغان، عندها فقط أمكنه الترشّح إلى النيابة بعد انسحاب أحد أعضاء الحزب لمصلحته.
اليوم، تبدو صورة ترشيحات من سيخلف أردوغان غير واضحة تماماً رغم أنّ أسماء مهمّة مطروحة لخلافته. غير أنّ الموضوع الذي لا يزال غامضاً تماماً هو من سيخلف الرئيس غول إذا منعته المحكمة من مزاولة العمل السياسي. وقد يكون فراغ بورصة الترشيحات الرئاسيّة نابعاً من استبعاد جدّي لخطوة مماثلة، وخصوصاً أنّ الدستور يحجب أي إمكان لمحاكمة الرئيس خارج إطار الخيانة العظمى.
في ظلّ هذا الواقع، يبدو أنّ الضحيّة الأكبر لضياع الوقت الذي ستسبّبه عمليّة إعادة إنتاج السلطة في أنقرة، سيكون ملف تركيا الأوروبي. فحكّام أنقرة مستعجلون للدخول إلى النادي الأوروبي، بعكس المعارضة العلمانيّة والقوميّة والعسكر. ومنذ عام 2002، حقّقت حكومتا أردوغان أسرع مسار من ناحية التعديلات الدستوريّة والقانونيّة المطلوبة في عناوين لم يكن العقل التركي الأتاتوركي يتصوّر أنّ أحداً سيقدم عليها. وفي مقدّمة هذه الملفّات الإصلاحات الاقتصاديّة والحدّ من سلطة العسكر وتوسيع حقوق الأقليات غير المسلمة، وحتّى المسلمة غير السنيّة، بالإضافة إلى حقوق القومية الكرديّة وحريات التعبير (المادة 301 من قانون العقوبات) وحقوق الإنسان (السماح بارتداء الحجاب).
في المحصّلة، ثمّة من يرى أنّ أردوغان فوّت فرصة ذهبيّة ليكرّس قطيعة تاريخيّة مع التقليد القومي في الحياة السياسيّة، وبالتالي أعاد الوضع إلى نقطة الصفر عندما قبل بمساومة حرّاس الهيكل التركي. سواء غاب أردوغان عن المشهد لخمس سنوات مقبلة أو لم يفعل، سيبقى لصاحب الـ54 عاماً الوقت الكافي ليعود إلى رئاسة الحكومة وربّما إلى قصر شنقايا في أنقرة، هذا إذا بقيت أنقرة عاصمة تركيا التي أقسم أردوغان ذات يوم إنه سيجعلها أوروبيّة.
- محمد علي شاهين
هو وزير العدل، وصديق قديم لأردوغان وأحد مؤسّسي حزب «العدالة والتنمية» في عام 2001. يتمّ التداول باسمه على أنه سيتولّى منصب رئاسة الحكومة إذا ما مُنع أردوغان من مزاولة العمل السياسي إلى حين إجراء انتخابات مبكّرة. حتى أنّ البعض يرى أنّ شاهين قد يتولّى منصب رئيس «العدالة والتنمية» إذا ما مُنع رئيسه الحالي من العمل السياسي أو رئاسة الحزب الجديد إذا تأسّس على أنقاض «العدالة والتنمية».
- علي باباجان
هو وزير الخارجيّة، وهو معروف بأنه أبرز رجال غول وأحد الأقوياء في الحزب الحاكم. وإذا مُنع أردوغان من العمل السياسي، فقد يُكلَّف باباجان رئاسة حكومة جديدة بحسب مصادر من داخل الحزب. أمّا إذا كان الحلّ إجراء تعديل وزاري، فمن المتوقَّع أن يُعَيّن بمنصب وزير الشؤون الأوروبية. وينافس باباجان على أحد هذين المنصبين النائب إغمن باغيش، وهو المساعد الأبرز لأردوغان في السياسة الخارجيّة التي يهندسها أحمد داوود أوغلو.
- كوكسال توبتان
رئيس البرلمان يُوصَف بأنه أبرز «المعتدلين» في «العدالة والتنمية»، وأيضاً يُتداول اسمه جدياً كرئيس محتَمَل لحكومة جديدة في حال غياب أردوغان. غير أنّ توبتان أصدر أخيراً بياناً نفى فيه نيّته ترؤس حكومة. غير أنّ البعض يرى أنّه في النهاية سيرضخ لكونه يمثّل الصوت «الحكيم» الذي يجمع عليه الكثير من السياسيّين الأتراك حتّى من المعارضة.
- عبد الله شينر
النائب السابق لرئيس الحكومة. يُوصَف بأنه رمز معتدل في الحزب. يشغل منصب عضو لجنة تنفيذية في الحزب الحاكم، غير أنّه أعلن أخيراً نيّته تأسيس حزب جديد، ما أثار جدلاً لمعرفة إذا ما كان ينوي استغلال هذا الحزب الجديد ليكون البديل من الحزب الذي سيتأسّس مكان «العدالة والتنمية». إلا أنّ ثمة ترجيحات تشير إلى نيّة شينر تأسيس حزب لا يخلف «العدالة والتنمية»، ويتخوّفون من اجتذابه لعدد من كوادر الحزب الحاكم وأنصاره.
- وجدي غونول
وزير الدفاع، وهو مرشّح دائم لمنصب رئيس البلاد. كما طُرح اسمه من المعارضة التركيّة في آب الماضي كمرشّح توافقي بدلاً من عبد الله غول. يُعرَف بأنه ليبرالي معتدل، ويتّكل عليه أردوغان ليكون عامل توحيد لكوادر «العدالة والتنمية» إذا ما حُظر الحزب ومنع رئيسه من مزاولة العمل السياسي.
- كميل جيجيك
يشغل منصب نائب رئيس الحكومة. كان أحد أقرب المقرّبين من أردوغان، غير أنّه اختلف معه في قرارات مصيريّة كموضوع التعديل الدستوري الخاص بالسماح بارتداء الحجاب الإسلامي لكونه يؤيّد سلوكاً أكثر اعتدالاً من أردوغان في قضايا العلمانية. لذلك، يُرَجَّح أن يخسر جيجيك مقعده في أوّل تعديل حكومي يحصل، شأنه شأن وزيري الدولة محمد أيدين، والزراعة مهدي إكر.
- حسين جيليك
هو وزير التعليم وأحد «صقور» الحزب ويواجه بدوره احتمال المنع من العمل السياسي. وتشير الترجيحات إلى أنّ أردوغان سيضحّي بجيليك إذا لم يحظر الحزب ووجد أردوغان أن من الضروري إجراء تعديل حكومي يرضي فيه المعارضة جزئياً. وهو الاحتمال نفسه الذي يواجهه وزير الصحّة رجب أكداغ الذي تهاجمه المعارضة بسبب «تشدّده» الديني، لذلك من المحتمل جداً الاستغناء عنه لكونه يمثل «الحرس القديم» في الحزب.
- صالح كابوسوز
هو نائب عن محافظة قيصري. وهو أحد رجال غول. وبعد تولّيه منصب رئيس الكتلة البرلمانيّة للحزب الحاكم، ينتظر أوّل تعديل وزاري ليدخل الحكومة الجديدة. أمّا مقرّر لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، اليساري السابق ظافر أوسكول، فإنّ اجتذابه إلى فريق «العدالة والتنمية» كان أحد أبرز إنجازات أردوغان قبل انتخابات عام 2007، ويرجّح العديد من المراقبين أن يعيد أوسكول تموضعه السياسي خارج إطار حزب إسلامي جديد إذا حُظر «العدالة والتنمية».
آرنست خوري
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد