استطلاعات: القضاء يحوز المرتبة الأولى في دوري الفساد
الجمل- طرطوس- المحامي عبد الله سليمان علي: في خطوة جريئة ونادرة، أجرت صحيفة الثورة شبه الحكومية استطلاعاً للرأي حول الفساد في مؤسسات الدولة. وقد شمل هذا الاستطلاع كما ذكرت الصحيفة مواطنين من عدة محافظات هي دمشق وريف دمشق وحلب والرقة وطرطوس ودرعا وحماة. وقد انتهى هذا الاستطلاع إلى تثبيت نتائج لم تكن ـ في الواقع ـ خافية على المواطن العادي الذي يعاني ما يعانيه من الفساد وآثاره وتداعياته السلبية مادياً ومعنوياً . وقد بينت هذه النتائج مدى تفشي الفساد في مفاصل الإدارة العامة على اختلاف أنواعها وتغلغله في شرايينها وأوردتها وأن الفساد تحول من ممارسة شاذة وممقوتة إلى سلوك مقبول من المجتمع وثقافة تحكم العقول والأخلاق.
ونحن سوف نتوقف عند نتيجة واحدة من نتائج هذا الاستفتاء وهو رأي المستطلعة آراؤهم حول الفساد في المؤسسة القضائية لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة وتأثير كبير على المجتمع واستقرار العلاقات بين أفراده.
تقول الصحيفة أن القضاء احتل المركز الأول في الفساد حسب ما رآه المستطلعون وحاز ألفاً وتسعمائة وست وثمانين نقطة (1986) بفارق حوالي مئتي نقطة عن المركز الثاني الذي حازته البلديات.
وهذه نتيجة في غاية الخطورة تستحق أن يقرع من أجلها جرس الانذار وأن يعلن الاستنفار في وزارة العدل للتحقيق في موضوع الفساد وإيجاد الطرق الجادة والفعالة لمكافحته بدل اللجوء إلى تجميل الصورة وتحسينها عبر تصريحات سطحية يدلي بها السيد وزير العدل بين الحين والآخر وكأنه غافل عما يجري في أروقة المحاكم وكواليسها من ممارسات فاسدة وسلوكيات خاطئة ومخالفة للقانون.
وتعتبر هذه النتيجة بمثابة حكم قطعي أصدره المواطن على مؤسسة القضاء ووزيرها وينبغي في اعتقادنا أن تترتب على هذا الحكم آثاره المباشرة وغير المباشرة وعلى رأسها محاسبة المسؤولين عن مؤسسة القضاء وفي مقدمتهم وزير العدل ومساءلتهم عن سبب تردي هذه المؤسسة والسماح للفساد أن يصل فيها إلى هذه الدرجة المتقدمة جداً جداً .
ويضاف إلى الاستطلاع السابق، أن مجلة عمريت (وهي مجلة محلية في محافظة طرطوس) أجرت استطلاعاً آخر للرأي منذ حوالي ستة اشهر، وأظهرت نتائجه أن 58% من المستطلعة أراؤهم في محافظة طرطوس يرون أن القضاء في المحافظة سيء . بينما رأى 16,78% منهم أن القضاء جيد ، ورأت نسبة 24,94 أن القضاء مقبول .
وقد قالت المجلة في تعقيبها على هذه النتائج : " أن يقول أكثر من نصف المواطنين أن القضاء سيء وأنهم لا يستطيعون الحصول على حقوقهم أحياناً كثيرة ، أمر يجب الوقوف عنده ومعالجته بشكل إسعافي لأن اقتراب الفساد من ميزان العدل يهدد الأمم " .
والنتيجة البسيطة والبديهية التي يمكننا استخلاصها بسهولة من الأرقام السابقة هي أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين المواطنين وبين المؤسسة القضائية مع ما يترتب على انعدام الثقة من تراجع احترام المواطنين لهذه المؤسسة وعدم الاقتناع بالقرارات الصادرة عنها وانخفاض مصداقيتها ودورها باعتبارها عنوان الحقيقة المفترض.
ومما يلفت الانتباه وله في نفس الوقت دلالات في غاية الأهمية، أن هذه النتائج الكارثية جاءت بعد حوالي عامين على قيام السيد وزير العدل بتسريح ما يقارب ربع قضاة سورية بذريعة تطهير الجسم القضائي من الفساد والفاسدين.
واستطلاع الرأي هذا لهو أكبر دليل على أن خطوات وزير العدل (الإصلاحية) هي خطوات فاشلة بالمطلق ولم تأت بأي نتيجة إيجابية هذا إذا لم تكن قد أدت إلى نتائج سلبية. فإما أن تسريح القضاة كان خطأ جسيماً من حيث اختيار القضاة الواجب تسريحهم وأن من سرح منهم ليس أسوأ ممن بقي في منصبه، أو أن ظاهرة الفساد في المؤسسة القضائية أكبر بكثير مما كان يتوقع السيد وزير العدل وتحتاج إلى أكثر من التصريحات والخطوات الاستعراضية لحلها ومعالجتها.
إن استطلاع الرأي السابق هو ناقوس خطر يوجب علينا كما قالت مجلة عمريت أن ندخل القضاء إلى غرفة الإسعاف وأن نحاول إنعاشه وإعادة الحياة إليه قبل أن يتمكن منه سرطان الفساد ونصبح عاجزين عن السيطرة عليه، هذا إذا لم نصبح؟
القضاء هو الأول في الفساد!! يا للهول ويا للخجل!! أين كان وزير العدل ومجلس القضاء بينما كان الفساد يمشي رويداً رويداً تحت أقدامهم وهم عنه ساهون أو لاهون؟؟ وما هي مسؤولية هؤلاء عن تفشي الفساد وانتشاره؟ وهل كانوا يسخرون منا عندما أقنعونا بأنهم طهروا القضاء من الفساد؟ فإذا به يتبين لنا ليس أن القضاء لم يتطهر وحسب بل إن نسبة الفساد في دمه لم تنقص وإنما زادت؟
القضاء هو الأول في الفساد!! يا للفضيحة ويا للعار!! هل يعلم السيد وزير العدل معنى ذلك؟ وهل يستطيع أن يغمض عينيه والفساد يلتهم أقدس أجهزة الدولة؟
القضاء هو الأول في الفساد!! يا للخيبة ويا لليأس!! إذا كان القضاء هو أول الفاسدين فعلى من سنعول لمكافحة الفساد في المؤسسات الأخرى؟
الجمل
إضافة تعليق جديد