أولمرت يتحمل المسؤولية الكاملة عن الحرب ضد لبنان
أفرغ رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، أمس، تقرير فينوغراد من مضمونه بإعلانه أنه لو قيض له أن يقرر مرة أخرى لاتخذ القرارات نفسها. ورغم نجاح أولمرت في نيل غالبية برلمانية ضئيلة لبيانه، إلا أنه استفز العديد من القوى للشروع بمناكفته. وثمة من أشار إلى أن خطاب أولمرت أحيا من جديد تقرير فينوغراد الذي كان على وشك أن يموت باحتضان الحكومة ظاهرياً له.
وبعد نقاشات حامية في الكنيست أجرى كل من أولمرت والمعارضين له حسابا عسيرا مع بعضهم بعضاً حول المسؤولية عن الحرب وإخفاقاتها، إلا أن النقاشات انتهت بخروج أولمرت أقوى من أي وقت مضى كرئيس لحكومة ائتلافية.
ورغم أن أولمرت حاول الظهور بمظهر الزعيم الراغب في قيادة سفينة إسرائيل إلى بر الأمان عبر توحيد الصفوف إلا أنه أثار غضب الكثيرين بالطريقة التي تحدث بها. ونقل صحافيون عن وزير الدفاع إيهود باراك قوله إن أولمرت يسكن بيتاً من زجاج، وإذا واصل التصرف هكذا فإن جدرانه ستتكسر.
وقد تركت عائلات الجنود القتلى في حرب لبنان الكنيست بعدما شعرت أن الجلسة تحولت إلى نوع من تنفيس الاحتقان ومن دون غاية محددة، فأولمرت تكرس رئيساً للحكومة الإسرائيلية أكثر من أي وقت خلال العام والنصف الأخيرين.
ومن منصة الكنيست قدّم أولمرت ولأول مرة رده الشامل على تقرير فينوغراد. وكرر في خطابه أطروحته حول الحرب وكيف أن خطواتها كانت مقررة سلفاً منذ توليه مهام منصبه في مطلع العام .2006 وقال أولمرت إن «أقوال لجنة فينوغراد كانت قاسية، على المستوى السياسي وعلى باقي الهيئات، بما في ذلك على الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي. وأنا
أتحمل المسؤولية العليا عن كل الإفشال. قلت ذلك في يوم انتهاء الحرب، ولم أحاول أبداً التهرب أو التنصل منها».
وأضاف أنه سيستخدم هذه المسؤولية من أجل «إصلاح العيوب، واستخلاص العبر، وتحفيز التغييرات المحتومة الواجب إجراؤها». وهنا قاطعه أحد الآباء الثكل قائلاً «لست رئيس حكومتي، وأنا أتنازل عن جنسيتي»، وبعد تكرار صراخه جرى إبعاده عن القاعة. وسرعان ما انضم ممثلو العائلات الثكلى إليه وانسحبوا من قاعة الكنيست.
وقال أولمرت إنه «منذ كانون الثاني ,2006 عندما أوكلت لي مهمة إدارة شؤون الدولة وحتى 12 تموز، بعد حوالى نصف عام، أجريت عدداً كبيراً من المداولات حول الأخطار الكامنة لنا في الشمال، وسبل مواجهتها. وشاركت في هذه المداولات كل أجهزة الأمن والتقدير والاستخبارات والقيادة في إسرائيل، ابتداء من وزير الدفاع، مرورا برجال العمليات، وانتهاء برجال الاستخبارات في ميادينهم. وقد حذرت كل هذه الجهات، من دون استثناء، من الخطر الحقيقي الكامن في استمرار الاحتكاك بين الجيش ورجال حزب الله على الحدود الشمالية، وفي محاولات الاختطاف والعمليـــات التي يمكن أن تشعل المنطقة بأسرها».
وأوضح أنّ «وجهة النظر القاطعة والواضحة من جميع أجهزة الأمن أوصت بأنه في حالة محاولة اختطاف أخرى وإطلاق صواريخ على الشمال من الحيوي لدولة إسرائيل أن ترد بشدة في كل الجبهة بشكل لا يتناسب مع حجم الاعتداء من أجل تغيير أنماط السلوك في الشمال ولتحرير عشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين من الخطر اليومي الذي يعيشون في ظله. وعلى أساس هذه المداولات والتوصيات الواعية لأجهزة الأمن جرت نقاشات تمهيدية في يوم 12 تموز وفي ختامها عقدت الحكومة جلسة خاصة».
وذكر اولمرت ان احد اهداف الحرب كان «ابعاد خطر الإرهاب عن الحدود الإسرائيلية وإجبار حزب الله على الرحيل شمالاً. وفي النهاية: بذل الجهد لتنفيذ القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن بحيث يقود إلى نشر الجيش اللبناني في الجنوب مكان حزب الله».
وأعاد أولمرت التأكيد على أن أهداف الحرب تحققت وأن إنجازاتها السياسية والعسكرية واضحة للعيان في إبعاد «حزب الله» عن الهدوء وانتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية، معتبراً أنّ قرار مجلس الأمن ,1701 بتأييد إجماع أعضائه، هو إنجاز لإسرائيل، وأن «الواقع في الشمال منذ 14 آب 2006 وحتى اليوم، هو إنجاز لإسرائيل: الهدوء، السكينة، الازدهار والانتعاش في الشمال، الذي يعـــيش من دون خطر مباشر، يومـــي من الإرهاب العنيف، هي إنجازات لإسرائيل».
وشدد على أن النتائج كانت متوقعة وأن رئيس الأركان قال من البداية إنه لن تكون هناك «ضربة قاضية». وقال إنه كان معلوماً أن صواريخ حزب الله ستظل تتساقط لأيام ولأسابيع، لأنه ليست لدى الجيش الإسرائيلي القدرة على منع إطلاقها.
وبعد أن أنهى أولمرت خطابه صعد إلى المنصة زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي استهل خطابه بتوجيه نقد شديد لأولمرت معتبراً أنّ «حرب لبنان الثانية كانت فشلاً والمسؤولية العليا عن الفشل هي مسؤولية رئيس الحكومة». واقتبس جملاً عديدة من تقرير فينوغراد تؤكد أن «المسؤولية الشاملة عن إدارة الحرب ملقاة على المستوى السياسي وعلى رأسه رئيس الحكومة»، مشدداً على أن المسؤولية هنا تعني استقالة رئيس الحكومة.
وحاجج نتنياهو ضد فكرة أن يصلح أولمرت العيوب. وشبه ذلك بـ»إعادة منح قبطان سفينة تايتانيك، سفينة أخرى لقيادتها». وتوجه إلى أولمرت قائلاً «إنك لا تعرب عن مسؤولية، لأنك لست على استعداد لدفع الثمن. وبالعكس، أنت تحتج على أن أحداً يخطر بباله أن عليك دفع أي ثمـــن. بدلاً من ذلك أنت تلقي خطاب محام يرافع، ولأسفي ليس خطاب قائد».
ورغم غياب إيهود باراك عن الجلسة إلا أنه كان بين أبرز الحاضرين في الخطابات. فقد وجه عدد من أعضاء الكنيست إليه انتقادات شديدة لإصراره على البقاء في الحكومة.
وقد حمل الكثير من الخطباء في الكنيست على رئيس الحكومة الإسرائيلية بشدة. وطالبت رئيسة كتلة ميرتس زهافا غالئون باستقالته، وقالت «لقد انتصرت في حربك من أجل البقاء، ولكن دولة إسرائيل خسرت. لقد قامرت بحياة الجنود من أجل أن تحقق نصراً إعلامياً. سيدي رئيس الحكومة، دماء الأبناء تصرخ عليك من الأرض. ينبغي ربطك على عمود العار الشعبي».
وفي مقابل الحملات ضد أولمرت ألقى نواب من «كديما» خطابات مؤيدة له. وقال تساحي هنغبي إن «هذه الحرب لم تكن قصة نجاح، ولكن الجمهور أحسّ بالقدر نفسه أن قرار شنها كان مبرراً. فلماذا هذا الزبد؟ هل لأن لجنة فينوغراد لم تؤد الدور الذي قررته المعارضة لها؟ هل لأنها كتبت تقرير مذهلاً بدلاً من حكم إدانة؟».
وقد جـــرت تظـــاهرة ضعيفة للعائلات الثكلى وجنود الاحتياط خارج الكنـــيست، وطـــالب المتظاهرون باستقالة أولمـــرت وحملوا لافتات كتب عليـــها «أولمرت... أنـــت تثير قرفي».
وشدد عدد من المعلقين على أن مرافعة أولمرت عن نفسه تضمنت الكثير من الوقاحة والأكاذيب. ورغم ذلك فإن التصويت على بيانه نال أغلبية 59 عضو كنيســت في مقابل 53 كانوا ضده.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد