غزة تهدم جدار إسرائيل
انفجر الحصار القاتل الذي تفرضه اسرائيل على غزة، غضبا دفع مئات الآلاف من سكان القطاع الى اسقاط الجدار الحديدي الذي أقامه الاحتلال بين غزة ومصر، والاندفاع الى الجانب المصري من الحدود حيث اشتروا ما يقيهم الجوع والعوز، في خطوة أخذت القاهرة على حين غرة، ودفعت الرئيس المصري حسني مبارك الى محاولة استدراك الأمر، مشيرا الى انه سمح بدخول سكان القطاع «لأنهم يعانون من الجوع» فيما أعربت إسرائيل عن تخففها ضمنا من مسؤوليتها كقوة احتلال، إذ أصبح بإمكان الفلسطينيين «الحصول على الإمدادات من مصر ولا يتعين ان يعتمدوا علينا».
وفيما حمّلت واشنطن حركة حماس مسؤولية «الفوضى» في غزة، بقيت العقبة الأساسية أمام إصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن يعرب عن «القلق العميق» من قرار إسرائيل اغلاق معابر القطاع وتخفيض شحنات الوقود ومنع وصول الإمدادات الغذائية والطبية، وذلك بدعوى أن البيان لا يدين صراحة حماس ويحملها مسؤولية الأحداث الأخيرة نتيجة لاستمرار اطلاق الصواريخ على إسرائيل.
في غضون ذلك، شدد المتحدثون في اليوم الاول من «المؤتمر الوطني الفلسطيني»، الذي افتتح في دمشق امس ويستمر حتى يوم غد الجمعة، على الوحدة ونبذ الانقسام، ودعوا الى حوار غير مشروط مع السلطة، مكررين تمسكهم بالشرعية الفلسطينية. وأعرب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن استعداد الحكومة المقالة في القطاع للاتفاق مع السلطة ومصر على «كيفية إدارة هذه المعابر» داعيا في الوقت نفسه الى مواصلة «الغضب الشعبي والعربي» ضد اسرائيل حتى فك الحصار عن غزة.
وكان مسلحون ملثمون قد أقدموا، فجر امس، على استخدام 17 عبوة لتفجير الجدار الذي أقامته اسرائيل بين جزأي رفح، في العام 2001 حين كانت لا تزال تحتل القطاع. وبعد انتشار النبأ، اجتاز مئات الآلاف من الفلسطينيين الحدود، الى مدن رفح والعريش والشيخ زويد في شمالي سيناء، مستخدمين السيارات والشاحنات والدراجات والأرجل والحمير، حيث اشتروا تقريبا كل ما كان في المخازن والمتاجر، مما تفتقده غزة.
ودفعت حمى الشراء الفلسطينية، التجار في الجانب الآخر من الحدود الى رفع الاسعار. وقالت مالكة متجر مصري «هؤلاء الناس متعطشون للحرية والطعام ولكل شيء» فيما قال الفلسطيني محمد سعيد «اشتريت كل شيء أحتاجه للمنزل يكفيني لشهور. اشتريت طعاما وسجائر وحتى غالونين من وقود الديزل لسيارتي». اما محمد ابو طه، فرأى انه «يجب ان تزال الحدود فنحن والمصريون اخوة... على اسرائيل وأميركا الا يتدخلوا في شؤوننا» فيما اشار أسامة عنتر، الذي يعيش في غزة وكان يدرس في ألمانيا الشرقية عندما سقط سور برلين، ان تجربة الامس اعادت اليه ذكريات ما حصل في العام .1989
وفي محاولة لاعادة السيطرة على الوضع، قال مبارك لدى افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب «عاد عدد كبير من الفلسطينيين من قطاع غزة لانهم يعانون من الجوع بسبب الحصار الاسرائيلي، وقامت القوات المصرية باصطحابهم لشراء الاغذية ثم عادوا الى داخل غزة» مضيفا «قلت لهم (قوات الامن) اتركوهم يدخلوا ليأكلوا وليشتروا الاغذية ثم يعودوا (الى غزة) طالما انهم لا يحملون اسلحة او اشياء ممنوعة». واوضح انه اتصل برئيس الوزراء الاسرائيلى ايهود اولمرت ووزير الدفاع ايهود باراك.
وحمل مبارك «اسرائيل وحركة حماس مسؤولية» الوضع في غزة. وقال ان «حماس من خلال اطلاقها الصواريخ تعطي اسرائيل فرصة للوصول الى هذا الوضع الصعب والمعقد» مطالبا الحركة «بوقف اطلاق الصواريخ في وقت نسعى فيه لانهاء هذا الوضع الصعب وفتح الباب امام انفراج الاوضاع». وشدد على ان «مسألة سحب السفراء من اسرائيل تؤثر سلبا على الاتصالات التي نجريها مع اسرائيل لحل الوضع الراهن».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي، من جهته، إن السماح بدخول الفلسطينيين عبر الحدود «تم بقرار مصري خالص من دون التشاور مع أي طرف».
وأشار الى ان ذلك جزء من «المسؤولية التاريخية» التي تتحملها مصر حيال الفلسطينيين. وشدد زكي على انه «إذا كان للجانب الإسرائيلي أي ملاحظات، فسيتوجه إلينا بها وسنتعامل معها وسنوضح موقفنا ولا يوجد ما نخشاه من أي طرف».
وأعلنت حماس ان «تفجير الجدار الحدودي مع مصر هو انعكاس للوضع الكارثي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة بسبب الحصار» فيما قال رئيس الوزراء المقال اسماعيل هنية «نحن على استعداد للجلوس مع الاشقاء في مصر والاخوان في رام الله... لوضع الترتيبات لفتح معبر رفح ومعابر اخرى على قاعدة الثوابت والشراكة الوطنية».
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ارييه ميكيل «نحن قلقون ازاء هذه الفجوات التي تتيح للفلسطينيين الخروج من غزة، لكن ذلك سيتيح ايضا لحماس ادخال اسلحة وإرهابيين بسهولة عبر مصر». اضاف ان «الوضع على الحدود من مسؤولية المصريين وحدهم بموجب الاتفاقات التي ابرمت مع اسرائيل».
من جهته، قال أولمرت في خطاب القاه امام مؤتمر هرتسيليا قرب تل ابيب، انه «عازم على مواصلة مكافحة الارهاب والقادة الارهابيين من دون هوادة» في غزة والضفة الغربية على حد سواء. وشدد على ان «اي اعتبار سياسي لن يمنع الرغبة في التوصل الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية. اجهل ان كان بالامكان ابرام هذا الاتفاق هذه السنة، لكن القيادة الفلسطينية الحالية هي افضل من يستطيع التحدث عن السلام مهما قيل حول ضعفها».
وفي باريس، حرص باراك على عدم انتقاد مصر. وقال خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير «أعتقد أنهم (المصريون) يعلمون وسيحترمون دورهم في هذه الصورة بأسرها. لا أعتقد أن من المفيد الاسهاب أكثر من هذا». أضاف «طالما هناك صواريخ تنطلق من غزة... فستستمر القيود» معتبرا ان الوضع الانساني في غزة «ليس حرجا».
وفي موازاة «القلق» الاعلامي الذي تبديه اسرائيل حول وضع معبر رفح، اعرب مسؤول اسرائيلي كبير عما يمكن اعتباره الموقف الحقيقي للاحتلال، موضحا «الآن الحدود مفتوحة، ويمكنهم الحصول على الإمدادات من مصر ولا يتعين ان يعتمدوا علينا».
وبالفعل، اوقفت اسرائيل امس امداد القطاع بالوقود، وذلك «كرد فعل على هدم الحاجز بين غزة ومصر» بحسب رئيس جمعية اصحاب محطات الوقود محمود الخزندار.
وفي زوريخ، قالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس «بالطبع، نعتقد ان العيش في غزة بات على هذا القدر من الصعوبة بالنسبة للفلسطينيين الابرياء بسبب ممارسات حماس».
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية توم كيسي، من جهته، «نحن قلقون بشأن ذلك الوضع. وأنا بصراحة اعرف ان المصريين قلقون كذلك بهذا الشأن».
فيم اعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو، ان «الفلسطينيين في غزة يعيشون في فوضى بسب حماس وينبغي أن يقع اللوم عليها بالكامل».
وفي نيويورك، أنهى أعضاء مجلس الامن اجتماعا تشاوريا مغلقا أمس، من دون التوصل لاتفاق حول إصدار بيان رئاسي تقدمت به الدول العربية، بعدما عملت طوال يوم أمس مع الدول الأوروبية لجعله «متوازنا» من وجهة النظر الأوروبية لكي يمر في المجلس بعد حصوله على موافقة الولايات المتحدة وأجل جلسته الى اليوم الخميس.
وبالفعل تمت إضافة فقرة إضافية لمشروع البيان تعرب «عن القلق العميق من أحداث العنف الأخيرة التي أثرت على غزة والمدن في جنوبي إسرائيل. ويدعو المجلس كل الأطــراف للوقف الفوري لكل أعمال العنف بما في ذلك إطلاق الصــواريخ داخل الأراضي الإسرائيلــية وكل الأنشطة التي تناقض القانون الدولي وتعرض حياة المدنيين للخطر».
وقال دبلوماسي من دولة أوروبية عضو في المجلس «لدينا الآن موافقة 14 دولة وما زلنا في انتظار رد من الجانب الأميركي». والانطباع السائد لدى غالبية أعضاء المجلس، أن الولايات المتحدة سترفض صدور البيان أو ستطالب بإدخال تعديلات واسعة عليه، ما سيجعله غير مقبول من الجانب العربي.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد