إشكالية المادة 122 من الدستور السوري والتعديل الوزاري الأخير
الجمل- المحامي عبد الله سليمان علي: تنص المادة 122 من الدستور على أنه: ((عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن القيام بمهامه لأي سبب كان يستمر مجلس الوزراء بتسيير أعمال الحكومة ريثما يسمي رئيس الجمهورية الجديد الوزارة الجديدة)) .
وقد انتهينا في دراسة سابقة لهذه المادة إلى القول بأنه عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم (وليس المؤقت) عن أداء مهامه تتحول الحكومة إلى حكومة تسيير أعمال مع ما يترتب على ذلك من عدم جواز عقد جلسات لمجلس الوزراء وعدم جواز اتخاذ أي قرارات من قبل هذه الحكومة وأن عمل الحكومة ينحصر فقط في تسيير الأمور اليومية المعتادة كل وزير في وزارته . وأن أي جلسة تعقدها الحكومة تعتبر القرارات الصادرة عنها مخالفة للدستور وغير شرعية .
لكن البعض رأى أن هذه المادة لا تطبق إلا في حالة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وهم يقصدون بذلك انتخاب شخص جديد لرئاسة الجمهورية غير الشخص الذي كان يتولى الرئاسة في الولاية السابقة . ويستندون إلى هذا التفسير للقول بأنه في حالة التجديد لنفس الشخص لرئاسة الجمهورية لولاية ثانية أو ثالثة فإنه يكون غير ملزم بتشكيل حكومة جديدة ويمكنه إذا أراد الإبقاء على الحكومة القديمة .
وقد روى الوزير والنائب السابق محمد غسان طيارة في مقالة له نشرت على موقع كلنا شركاء ، أن المحكمة الدستورية العليا قد أشارت بهذا الرأي للرئيس الراحل حافظ الأسد في ولايته الأخيرة . لكن طيارة لم يذكر مصدر معلوماته حول هذه الواقعة مما يجعلنا حذرين في الأخذ بها أو تبني مضمونها .
ما يهمنا هنا هو تحديد مفهوم الرئيس الجديد لأنه كما رأينا فإن الاختلاف في تحديد هذا المفهوم يترتب عليه آثار دستورية بالغة الأهمية . والسؤال : إذا تم التجديد لنفس الشخص لولاية رئاسية جديدة فهل يعتبر رئيساً جديداً أم لا ؟
نحن نستغرب أن تكون هذه النقطة مثار خلاف في التفسير لأنها واضحة ولا تحتاج إلى شرح أو استحضار أدلة لإثباتها ونستبعد أن تكون المحكمة الدستورية العليا قد فسرتها على النحو الذي رواه الوزير السابق طيارة . لأن العبرة هي للولاية وليست للشخص ، وكل ولاية رئاسية جديدة هي رئيس جديد ولو بقي الشخص نفسه في سدة الرئاسة . وبالتالي يجب التعامل دستورياً مع أي شخص يُجدَّد له لولاية رئاسية ثانية أو ثالثة على أنه رئيس جديد وتطبق عليه جميع الأحكام الواردة في الدستور بشأن الرئيس الجديد .
ودليلنا على ذلك ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 84 من الدستور والتي جاء فيها : (( 3- يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد عن ستة أشهر )) . فاستخدام عبارة " الرئيس الجديد" هنا لا تعني أنه يجب انتخاب شخص آخر لرئاسة الجمهورية غير الشخص الذي يتولى الرئاسة في الولاية القائمة . وهذا ما حدث فعلاً إذ تم التجديد لنفس الشخص لتولي ولاية رئاسية جديدة علماً أنه تم تعديل هذه الفقرة عام 1991 وأصبحت على ما هي عليه الآن وبالتالي فإن الشخص المجدد له لولاية جديدة يعتبر رئيساً جديداً وينبغي أن تطبق عليه جميع الأحكام الدستورية المتعلقة بالرئيس الجديد بما فيها نص المادة 122 من الدستور .
لذلك فإننا نؤكد على صحة ما قلناه سابقاً بخصوص اعتبار الحكومة بعد انتهاء ولاية الرئيس حكومة تسيير أعمال ، وأنه لا بد من تسمية حكومة جديدة تحل محلها بغض النظر عما إذا كان الرئيس شخصاً جديداً أو مجدداً له .
لكن انطلاقاً من هنا يثور تساؤل جديد عن مفهوم الحكومة الجديدة وهل يعتبر التعديل الوزاري الأخير الذي طال وزيري الاتصالات والأوقاف تجديداً للحكومة ؟
إن ما يصدق على رئيس الجمهورية ، يصدق كذلك على رئيس الحكومة والوزراء فالعبرة ليست بأشخاصهم وإنما بولايتهم . وبالتالي تعتبر الحكومة جديدة ولو قام رئيس الجمهورية بتسمية نفس الأشخاص الذين كانوا موجودين في الحكومة السابقة ، على أن يقوموا بأداء القسم الدستوري من جديد وأن يتقدموا ببيان وزاري جديد إلى مجلس الشعب بغض النظر عن مضمون هذا البيان ما إذا كان جديداً أم لا .
وعليه فإن التعديل الوزاري الأخير لا يمكن اعتباره من قبيل التجديد للحكومة وذلك استناداً لنص المادتين 116 و118 من الدستور اللتين ميزتا بين تجديد الحكومة وبين تعديلها ومعايير هذا التمييز كما يستخلص من نص هاتين المادتين تنحصر في أداء اليمين وفي تقديم البيان الوزاري .
فالحكومة الحالية ليست حكومة جديدة رغم التعديل الذي طرأ عليها ،وإنما هي حكومة قديمة منتهية الصلاحية الدستورية وفاقدة لسلطتها التقريرية ولا يجوز لها عقد أي جلسة لمجلس الوزراء وجميع القرارات الصادرة عنها منذ انتهاء الولاية الأولى للرئيس وحتى الآن هي قرارات غير دستورية ويجب إلغاؤها ولاسيما قرارها برفع أسعار الكهرباء والبنزين .
الجمل
إضافة تعليق جديد