في ذكراها ال20 : الانتفاضة الأولى أنجبت الانتفاضة الثانية؟

14-12-2007

في ذكراها ال20 : الانتفاضة الأولى أنجبت الانتفاضة الثانية؟

في الثامن من كانون الأول سنة 1987 تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان ذلك في جباليا بقطاع غزة المحتل. ثم انتقلت إلى كافة مدن وقرى ومخيمات فلسطين المحتلة.يعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة لقيام سائق شاحنة صهيوني بتعمد دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز ايريز الشهير، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة منذ سنة 1948. في هذا الحادث الجبان استشهد وأصيب عدد من العمال الفلسطينيين.

 لم يمض وقت طويل على الجريمة البشعة حتى كانت الثورة الشعبية العارمة تعم الضفة والقطاع. حيث كان بإمكان العالم أجمع مشاهدة العصيان الشعبي الفلسطيني السلمي على شاشات التلفزيون، وبنفس الوقت مشاهدة الإرهاب الصهيوني بحق المنتفضين من الكبار والصغار والنساء والأطفال والشباب. كانت المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والاضرابات تعم كافة المناطق الفلسطينية بالرغم من القمع والبطش والهمجية الصهيونية.

 مع مرور الأيام والأسابيع والأشهر تطورت الانتفاضة وابتدعت أساليب جديدة ونهج مقاوم جديد امتاز بقيامة الحجر وشموخ أطفال الحجارة وانتصارهم على الجندي والدبابة وسياسة الجنرال رابين لتكسير العظام. لم تنفع الإدارة المدنية الصهيونية سياساتها الإجرامية في قمع الشعب المنتفض. إذ جاء رد الانتفاضة على القمع والهمجية والسياسة الدموية الصهيونية بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، التي توزعت على الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بالإضافة للشخصيات الوطنية. وأصبحت تلك القيادة هي المرجعية السياسية والتنظيمية للانتفاضة. في نفس تلك الفترة الزمنية كانت فلسطين تشهد ولادة التيار الإسلامي في الضفة والقطاع، حيث برزت حركة حماس في بداياتها كمنافس و ند للفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.لكنها بقيت غير ظاهرة بقوة لغاية بروز نجم الشهيد المبدع المقاوم يحيى عياش مهندس عمليات حماس الاستشهادية. 

شعرت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في منافيها العربية البعيدة بعد الخروج من بيروت أن هناك مد إسلامي ينمو في فلسطين المحتلة. وأن فرصتها قد أتت لتخرج من ركودها وعزلتها ولتستعيد دورها المفقود مستفيدة من مساعدة الشعب الفلسطيني، الذي قدم لها الانتفاضة الأولى عنواناً سياسياً عريضاً يمكن عبره المناورة والعمل لفرض شروط تلبي الحد المقبول من الطموحات الفلسطينية في التحرير والاستقلال والعودة. خاصة ان منظمة التحرير الفلسطينية فقدت بريقها والكثير من قوتها وتأثيرها بعد الرحيل عن بيروت عقب الغزو والحصار سنة 1982.

عرفت قيادة المنظمة كيف تدخل جسد الانتفاضة وكيف تدير سدة القيادة فيها، واستفادت من ذلك بإعادة دورها بقوة وبتعزيز وجودها وتقويته على أرض فلسطين المحتلة. وكان هذا ضرورياً جداً للقيادة الفلسطينية والفصائل التي كانت أخذت بعد بيروت تتصارع فيما بينها بأشكال مختلفة وصلت حد استباحة الدم الفلسطيني كما حصل في حصار طرابلس سنة 1983. وفي انشقاق حركة فتح كبرى فصائل المنظمة. وكانت المنظمة في سنوات سابقة اضطرت للخروج من الأردن بعد مجازر أيلول الشهيرة ومعاركها مع النظام الأردني سنة 1970-1971.  إن السنوات السابقة كانت سنوات من الجحيم العربي ضد الفلسطينيين وثورتهم ومنظمتهم ومخيماتهم في الشتات. حيث لازالت أحداث أيلول الأسود في الأردن والحرب الأهلية في لبنان والمجازر ضد المخيمات الفلسطينية ماثلة في الأذهان.ترافق ذلك كله مع حملات صهيونية سياسية وعسكرية ومخابراتية منتظمة استهدفت الشعب الفلسطيني في الشتات وقيادة وكوادر المنظمة ومن ثم وجودها في الأردن ولبنان بالذات. لذا رأت تلك القيادة في الانتفاضة مخرجها من المأزق والأزمة التي وقعت فيها بعد فقدانها لبيروت.

 بقيت الانتفاضة مستمرة وازدادت اشتعالاً يوماً بعد يوم. ولم تتأثر بقيام الاحتلال باعتقال الآلاف من الشبان.كذلك باستشهاد المئات وجرح الآلاف من أبناء الشعب المنتفض والثائر على الاحتلال، الحالم بحرية واستقلال وسلام حقيقي وعودة للديار المحتلة. وتقدمت ببرنامج سياسي أكدت خلاله أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقدمت جماهير الانتفاضة تضحيات جسام على مدى عدة سنوات من عمرها. لم تتوقف الثورة الشعبية إلا عندما شرعت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية بحوار علني وآخر سري مع الصهاينة كانت نتائجه وقف الانتفاضة والتضحية بها وبتضحياتها لأجل اتفاقية أوسلو السوداء.

ما الذي جاءت به مجموعة أوسلو ؟

جاءت بالفساد والوجوه الزائفة والجنرالات الذين هربوا من ساحات المعارك، وبمخبري الأنظمة، وبفئة من الساقطين والمنتفعين والتجار الذين لديهم القابلية والاستعداد لبيع كل شيء مقابل الجاه والمال والسلطان والسفر والتنقل والانتفاع والظهور في وسائل الإعلام.  وجاءت أيضاً بخوارج اليسار الفلسطيني الذين امتهنوا بيع كراماتهم وأصبحوا من أسوأ رموز الهزيمة والتطبيع والفساد والتخلي عن حق العودة.

 بعد أن تعرف الشعب الفلسطيني على هذه الفئة التي حكمته في زمن أوسلو ونهبت ثرواته وخيراته وأفقرته واستباحته وفرطت بحقوقه وتنازلت عن قداسة وعدالة قضيته. تفجرت انتفاضة الأقصى والاستقلال في نهاية أيلول سبتمبر سنة 2000 ، الانتفاضة الثانية، التي كان عنوانها الأساسي الذي لم يعلن ثورة ضد فساد جماعة اوسلو .. وعنوانها المعلن ثورة ضد الاحتلال و الاستطيان والإذلال.


نضال حمد

مدير موقع الصفصاف الإخباري

 


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...