تأثير هائل لفحوصات المخ على النظام القضائي الامريكي
إنها واحدة من أسوأ جرائم القتل الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة.. ففي اغسطس آب 1966 قتل تشارلز ويتمان زوجته ووالدته ثم تسلق برجا بجامعة تكساس وأطلق رصاص بندقيته ليقتل 14 آخرين قبل أن تقتله الشرطة.
وترك ويتمان رسالة كتب فيها "لا يمكنني أن أحدد سببا محددا منطقيا لما فعلته". وكشف تشريح للجثة في وقت لاحق عن وجود ورم في المخ يقول بعض الخبراء انه ربما أثر على تصرفاته.
وفي ذلك الحين لم يكن ثمة سبيل لاكتشاف مثل هذا الورم بدون جراحة. ولكن اليوم يطور العلماء فحصا دقيقا للمخ دون جراحة ربما يكشف عن اي شيء غير طبيعي في المخ يمكن ان يؤثر على أخذ القرار أو يثير أعمال عنف مما سيكون له تأثير كبير على القانون.
ويستخدم أطباء الاعصاب أسلوب تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي حيث توضع رأس المريض في آلة تشبه المغناطيس العملاق للنظر بعمق في المخ ورؤية منطقة الاعصاب التي تضبط السلوك والاحاسيس.
ويقول مايكل جازانيجا مدير المشروع الجديد لدراسة تاثير علم الاعصاب على النظام القضائي الامريكي انه مجال جديد ولكن من الممكن في نهاية المطاف ان يكون له تاثير كبير على النظام القانوني مثل اختبارات الحمض النووي.
وأضاف جازانيجا رئيس مركز سيج لدراسات العقل بجامعة كاليفورنيا بسانت باربره أن علم الاعصاب "يتعلق بفهم اليات عمل المخ التي يقوم عليها السلوك".
وفي حالة ويتمان من المستحيل تأكيد ما اذا كان الورم وراء تصرفاته ولكن جازانيجا وهو استاذ علم نفس يقول انه تتوافر حاليا ادلة علمية قوية على ان وجود اي علة في المخ "يزيد من امكانية الاتيان بعمل عنيف."
غير ان العلم يمثل تحديا كبيرا للنظام القانوني الذي قد يواجه سيلا من المتهمين المسلحين بنتائج فحوصات للمخ يحاولون اثبات عدم مسؤوليتهم عن الجرائم التي ارتكبوها.
كما يثير قضية معقدة عن الارادة الحرة والخصوصية مثل هل يتعين على المجتمع وضع من تشير فحوصاتهم لوجود علة في المخ قد تجعله ميالا للعنف في مصحات.
وتابع "ينبغي ان ندرس بعناية كيف نستخدم المعلومات بشكل مجد. قد يرتكب من لديه خلل في وظائف المخ جريمة ولكن كثيرين لديهم نفس العلة لا يتورطون في انشطة اجرامية."
ويجمع مشروع القانون وعلم الاعصاب الذي تدعمه منحه عشرة ملايين دولار مقدمة من مؤسسة ماك ارثر لمدة ثلاث سنوات علماء وباحثين قانونين و فلاسفة من أكثر من 12 جامعة في انحاء البلاد الى جانب عدة قضاة.
والرئيسة الفخرية للمشروع ساندرا دي اوكونور القاضية السابقة بالمحكمة العليا الامريكية ويقول منظموه انه سيناقش قضايا مثل هل يمكن استخدام صور فحص المخ في المحاكم وكيف يمكن ان تتعامل السجون مع المجرمين المدانين الذين لديهم علة في المخ.
وبالفعل تشهد المحاكم عددا أكبر من القضايا يريد المتهمون فيها استخدام فحوصات المخ لتخفيف العقوبة. وفي اوائل اكتوبر تشرين الاول رفضت محكمة استئناف في فلوريدا ادعاء رجل مدان بالقتل والسرقة ان محاميه اضر بقضيته لانه لم يحاول عرض نتائج فحص مخه التي يعتقد المتهم انها تظهر ان عقار النشوة وغيره من العقاقير منعته من التفكير بشكل منطقي.
كما يمكن ان تحدث التكنولوجيا ثورة في القضايا المدنية مثل محاولة تحديد ما اذا كان ضحية حادث سيارة مازال متألما بالفعل.
وقال جازانيجا "هل الالم حقيقي ام مفتعل؟" مضيفا أنه ربما "يمكن اخضاع الضحية للفحص ورصد اي رد فعل في مركز الالم."
ورغم ذلك فان علم الاعصاب يمثل تحديا للقانون الذي اتخذ عادة موقفا قاطعا بشأن المسؤولية اي تعمد ارتكاب الجريمة من عدمه.
ويقول جيد راكوف وهو قاض من نيويورك ضمن الفريق المشارك في المشروع ان الخط الفاصل بين الادانة والبراءة سيزداد غموضا مع اكتشاف علماء الاعصاب المزيد عن تأثير المخ على السلوك.
وقال "لا أريد أن أبالغ ولكن أحد الاثار طويلة المدى أن النظام القانوني سيبدي حرصا اكبر في تقييمه للمسؤولية. ليس من السهل تحديد اذا كان الفعل متعمدا أو غير متعمد. ماذا تفعل حين يكون الاحتمال غير قاطع؟".
وقال راكوف ان الاستعانة بعلم الاعصاب في المحاكم لا يعني براءة المتهمين الذين يعانون من علة في المخ دون محاكمة.
ويضيف جوناثان فانتون رئيس مؤسسة ماك آرثر "نأمل ان نوضح في نهاية فترة السنوات الثلاث ان علم الاعصاب سيفيد القانون حين يطبق بشكل سليم. تقدم هذا العلم كثيرا في السنوات الاخيرة ونعتقد ان الاستعانة به بشكل ملائم ستجعل نظامنا القانوني اكثر عدالة وتعاطفا وعقلانية."
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد