«سقف العالم»... حين تصبح الدراما درساً في التاريخ
يبدو مسلسل «سقف العالم» للمخرج نجدت أنزور في حلقاته الأولى، وكأنه درس في الارشاد نحو التاريخ. ليس كل التاريخ بالطبع، بل بعض نصوصه المكثفة عن أحوال القبائل التي مرّ عليها أحمد بن فضلان في رحلاته نحو بلاد الغزيين والصقالبة البلغار وقبائل الفولغا. ربما تصبح بهذا المعنى مراجعة بعض الكتب التي جاءت على هذا الموضوع أجدى وبمثابة حكم على ما نذهب إليه. وبالطبع يبدو كتاب «القبيلة الثالثة عشرة» لمؤلفه اليهودي الهنغاري آرثر كوستلر خير معين في هذا المجال.يظهر ابن فضلان في «سقف العالم» ساذجاً، ويتمتع بآراء حيادية تنقصها الحصافة التي اشتهر بها، فيما هو يستدل على أحوال القبائل التي يمر بها، «اولئك الذين يسجد ملكهم لضيوفه لمجرد تقديمهم هدية متواضعة له، أو اولئك الذين يأكلون قمل لحاهم وشعرهم الخ...»، من خلال مرافقه المتذاكي الذي يبدو وكأن الرحلة رحلته هو.
ويبدو «سقف العالم» في حالته الراهنة التي وصل إليها، وكأنه قد تعرض لتنظيف درامي، وكل هذا النفخ في سيرة أولئك المتوحشين (الذين لا يشبهوننا) وضع المسلسل أمام السقف الأقصى الذي يمكنه الوصول إليه عبر معالجة درامية بدائية لها أسبابها. فمنها ما هو متشكل من رقابة الذوق العام، أو الرقابة الوظيفية... ومنها ما هو غير قابل للتحقق لكسل انتاجي على ما يبدو، كتلك الحالة المضحكة التي ظهر فيها ابن فضلان وصحبه وهم على أبواب القبائل الغزيين، وهم في طريقهم المفترض نحو بلاد الصقالبة البلغار، وقد ارتدوا ملابس ثقيلة من الفراء الثقيل ويرتجفون من شدة البرد والصقيع الذي يميز تلك البلاد، وأدخنة النيران تتصاعد من حولهم، فيما الشمس ساطعة ونقيق الضفادع النهرية على أشده.
«سقف العالم» يريد لابن فضلان، ولنا بالطبع، أن نشهد على تخلف كل تلك القبائل، كما جاء ذكرها في رحلاته المشهورة، مقترحاً على هذه القبائل ونتيجة لهذا التخلف والتوحش السابق، والذي يبدو اننا أنقذناها منه، بأن تقدم لنا الشكر. هنا ينقلب السقف على الحكاية كلها، وتبدو محاولات الربط بين هذه الرحلة، والأزمة التي نتجت من التعرض للرسول الكريم بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة في عصرنا غير مجدية، فـ «السقف» الدرامي للمسلسل لم يفارق كتب التاريخ (الخام)، وقد أدى النفخ من حوله إلى تراكم حوادث لا تثير تعجب أحد... باستثناء ابن فضلان نفسه الذي لم يمل من الاستماع إلى شروح غير درامية لأحوال درامية بامتياز!.
فجر يعقوب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد