وليد اخلاصي: خوفي الدائـــم ان أتحـول لكاتـب انشائي
-«هو أديب وانسان مفعم بالحيوية وهو مربك لمن يعايشه لأنه يعطي كل ما لديه ببساطة وعفوية وعندما يكتب انما يفعل بفعل المحبة وفعل الكتابة عنده هو فعل امتلاك وسيطرة على مجريات الواقع والأحداث والشخصيات» هذا هووليد اخلاصي كما وصفه د. سعد الدين كليب في «فسحة المبدعين» التي خصصت للحديث عنه وعن كتاباته والتي أقامتها الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن نشاطات معرض الكتاب وأدارها د.عبد النبي اصطيف.
ويؤكد د.كليب في حديثه عن إخلاصي انه حالة ثقافية إبداعية متفردة من خلال إنتاجه الأدبي المتوالي والمتنوع حيث صدر له ما ينوف عن الأربعين إصداراً أبدع فيها بالتساوي كمياً ونوعياً ويرى كليب انه من الصعب تحديد الهوية الأدبية للإخلاصي انطلاقاً من جنس أدبي محدد وهذا ما يجعل الكلام عن أدبه عامة أمر غاية في الصعوبة ومع هذا أكد د.كليب على ان التجريبية تطبع مجمل أعماله والتي ظهرت بأشكال عدة منها ما هو لغوي ومنها ما هو سردي ومنها ما هو درامي وأسطوري وشعبي ومسرحية«مقام ابراهيم وصفية»خير نموذج، وكذلك رواية «دار المتعة» التي تقوم التجريبية فيها على العجائبي والسردي في حين كان التجريب في مجموعته القصصية «زمن الهجرات القصيرة» على صعيد التخييل والتذهين معاً ومع هذا يرى د.كليب ان تجريبية اخلاصي محكومة باستراتيجية التوصيل والأصول الجمالية الكبرى للجنس الأدبي، كما أنه حافظ في أدبه السردي والدرامي على عدد من السمات الفنية، البنائية التي لم تتأثر بالتجريب وهي الحكائية فالاخلاصي كما يوضح د.كليب حكواتي بارع وليس ثمة نص أدبي لديه لا يقوم بنيوياً على حكاية ما بل إنه يرى ان مشروعية النص الروائي أو القصصي أو المسرحي تكمن في حكايته التي تبدو ذات أساس اجتماعي وغالباً ما تكون بيئة المجتمع الحلبي التقليدي حيناً والشعبي حيناً والبرجوازي حيناً آخر، ويشير د.كليب كذلك الى ان الاخلاصي لم يغادر في أدبه مجتمع القرن العشرين في حلب خاصة وسورية عامة بل ان أدبه يتركز غالباً في النصف الثاني من القرن العشرين من دون ان يتوقف عند الأحداث التاريخية والسياسية وذلك لأنه معني بالتشكيلة الاجتماعية -الثقافية المعاصرة وهو ما يمنحه برأي د.كليب هوية كبرى في التخييل السردي والدرامي..أما القضايا السياسية الملحة كالعنف والإرهاب والدكتاتورية والديمقراطية والفساد والوصولية لا تأتي بوصفها موضوعاً قائماً بذاته في كتابات اخلاصي كما يقول د.كليب بل بوصفها دلالة مصاحبة للبيئة الاجتماعية المطروحة التي تتوضع في مكان مرسوم بدقة تخيليية عالية فحلب وقلعتها وبيوتها وأسواقها الحديثة والقديمة توضعت لأدب اخلاصي بأسلوبية تعبيرية مكانية خاصة فلقد تمكن من اعادة انتاج مدينته جمالياً محولاً إياها الى مادة سردية ومجتمعية في آن معاً كما نجد عند آباء الرواية العربية والسورية مثل نجيب محفوظ وحنا مينة وعبد السلام العجيلي.
في حين تحدثت د.فوزية زوباري عن فضاءات اخلاصي المتعددة فكشفت عن المحاور التي توقفت عندها نتيجة قراءاتها لمجمل أعماله ومنها مذهبه الفني فأشارت الى ان اخلاصي يعد رائداً من رواد التجديد والحداثة في الأدب منذ الخمسينيات فأسلوبه كان مغايراً حيث بدأ إعماله بالخروج عن القاعدة والتمرد على القانون الروائي السائد وعدم حبه لتأطيره ضمن حدود مدرسة أدبية أو مذهب فني محدد لرغبته في التجريب باستمرار ونزعته التجريبية كما بينت د.زوباري لها خصوصيتها لأن هذه النزعة لم تمنعه من ان يجنح بأعماله الى الواقعية التي يراها إخلاصي أعلى درجات الفن، أما المحور الثاني الذي تطرقت اليه د.زوباري في حديثها عن أدب إخلاصي فقد دار حول المنحى التاريخي في أعماله فاهتمامه بالتاريخ واضح وجلي وخاصة في روايته«الفتوحات» فإخلاصي برأيها يعيد انتاج التاريخ بوصفه مكوناً من مكونات الراهن والمستقبل بغية الوعي بمعوقات التقدم الحضاري ولكنه لا يعود الى الماضي بقدر ما يستدعي التاريخ نفسه الى الحاضر ويضعه في صيغة المستقبل وتؤكد د.زوباري ان اخلاصي يؤرخ في كتاباته للمراحل التاريخية التي مر بها الوطن ولكنه لا يأتي الى هذا التاريخ من الأعلى كما يفعل المؤرخ، بل يدخل إليه من الأسفل أي من المجتمع.
أما رسالة إخلاصي في الدين أو العامل الروحي وهو المحور الأخير الذي توقفت عنده د.زوباري فرسالة الدين تأتي على لسان الكثير من شخصياته المنفتحة على الديانات جميعها فهو مثلاً يقود بطله الهادي في روايته «الفتوحات» الى كنيسة نوتردام ليدخلها ويصلي في محرابها ويقرأ فيها آيات كريمة من القرآن.
قرأت منذ صغري لبعض الكتّاب الذين أصبحوا رموزاً من رموز أدبنا العربي وظننت أنني أستطيع ان احتل مكانة مثلهم اذا كتبت واكتشفت ان أفضل طريقة للكتابة هو بتوجيه رسالة لمن أحب فكان أول عمل طويل كتبته لرسالة وجهتها لفتاة أحببتها عن بعد وفي هذه الرسالة لم أتحدث عن مدى حبي لها بل عن كم أنا مهم لألفت النظر الى أنني مثقف ومهم ويجب ان تعترف بي وتقع في غرامي، بهذه الكلمات بدأ وليد إخلاصي حديثه في الفسحة التي خصصت له وأشار فيها الى أنه كان يعتقد في ذلك الحين أنه لكي يكون كاتباً يجب ان يكون شتاماً في كتاباته وهذا ما فعله في بداياته ولكنه يعترف أن الذي جعله يتنبه الى حقيقة الثقافة ليس كبار المثقفين وإنما عندما أصبح طالباً في كلية الهندسة الزراعية فعندما تعامل مع «الميكروسكوب» اكتشف حقيقة الحياة والثقافة وتكوين الأشياء، واكتشاف المجاهل عندها يشير إخلاصي الى ان عقله بدأ ينتظم من هنا فإن معرفته العلمية بدأت قبل معرفته الفلسفية وللآن هو مدرك ان المنظومة العقلية لا تستقيم الا بمزيد من اكتشاف الحقائق العلمية وهذا كان سبباً لإعادة بعض قراءاته وكتاباته بطريقة مختلفة..ويؤكد كذلك على أنه كان محظوظاً في أنه لم يدرس العلوم النظرية حيث كان الطب خياره الأول والذي هرب منه بعد ان رأى أجساد الموتى في المشرحة لتحط رحاله في مصر لدراسة الهندسة الزراعية التي غيرت من طريقة تفكيره كثيراً.
وعن تقييمه للأعمال التي كتبها وماذا يتذكر منها قال إخلاصي إنه يتذكر الأعمال المهمة وتذكره لما يكتب هو مقياسه النقدي.
ويرى اخلاصي انه من النعم الإلهية انه لم يعمل في وزارة الثقافة ولا في المؤسسات الاعلامية وأكبر نعمة أنه اتجه نحو الأرقام والحقائق العلمية ومن هنا كان وما زال خوفه ان يتحول لكاتب إنشائي.
أخيراً
وكان للكاتبة الكبيرة كوليت خوري في نهاية الفسحة مداخلة صغيرة تحدثت فيها عن معرفتها القديمة بوليد اخلاصي وأكدت ان إخلاصي من أؤلئك الكتاب والأدباء الذين يحبون عند التعرف اليهم بعكس الكثير من الأدباء الذين نعجب بكتاباتهم ولكن ما إن نلتقيهم حتى تنطفىء تلك الرغبة وهذا ما لا ينطبق على إخلاصي الذي يحب ككاتب وأديب وكإنسان ومن يتعرف اليه يشعر بأنه يعرف هذا الرجل منذ زمن بعيد.
أمينة عباس
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد