فرقة «كلنا سوا» تعيد صياغة التراث الموسيقي بقالب عصري
ظهرت فرقة «كلنا سوا» السورية في ظل انجراف الموسيقى صوب الضجيج والايحاءات المغرية. وفي الوقت الذي برز الغناء بالاجساد والازياء المنمقة، واعتماد الفنانين على الفيديو كليب للانتشار بالصورة، متناسين ان العمل الفني يتألف من لحن وصوت وتوزيع، اضافة الى الصورة، عملت مجموعة من الموسيقيين السوريين ابتداء من عام 1992 على تقديم أغان بأنماط تعتمد على الغناء الهارموني، منطلقة من أرضية ثقافية وحس بالالتزام تجاه قضايا الجيل.
ألفت الفرقة الكثير من الأغاني ولحنتها ووزعتها وطرحت من خلالها بعض قضايا المجتمع وجيل الشباب، وأخذت بعض الاغاني التراثية وأعادت توزيعها وقدمتها الى الجمهور ليبقى جيل الشباب على تواصل مع تراثه وماضيه.
ومع تزايد الشعور بجدية ما تقدمه الفرقة والمسؤولية تجاه تقديم خيارات جديدة ومتنوعة للمستمع، زادت الفرقة من تقديم الاغاني الخاصة والبحث والعمل على انماط تجريبية بالاشتراك مع بعض الفرق الاوروبية.
اهتمت «كلنا سوا» بالتراث العربي في شكل عام، فنبشت الاغاني والالحان القديمة وقدمتها في قالب عصري أقرب الى أذن المستمع، عبر مزيج من الموسيقى الشرقية والايقاعات الغربية، فقدّمت «طلعت يا محلا نورها» من التراث المصري، و «ع المايا» من التراث السوري، و «نجمة قطبية» من التراث الجزائري» و «نزلت على البستان» من التراث الاردني، و «وين ع رام الله» من التراث الفلسطيني. وتحاول الفرقة أن تقدم أغاني تراثية للكثير من الثقافات وبلغات عدة إن سمحت الظروف بذلك.
يقول الموزع الموسيقى في الفرقة إياد ريماوي: «قدمت «كلنا سوا» منذ بدايتها المادة الموسيقية التي تعبر بكل صدق عن قناعاتنا الموسيقية، بغض النظر عن اية اعتبارات تجارية، ولكن من دون ان نهمل استقطاب أكبر شريحة من الجمهور من دون تقديم تنازلات لشركات الانتاج». ويرى ريماوي أن السبب الأساس لعدم انتشار الفرقة وأغانيها في الشكل المطلوب في العالم العربي، عدم تعاون شركات الانتاج وتشجيعها الموسيقى، المختلفة عن السائدة، اذ تسعى تلك الشركات الى ابرام عقود تجارية وبشروط قاسية لا ترضي أعضاء الفرقة ولا تحقق اهدافها. ويذكر ريماوي ان بعض شركات الانتاج اعجبت بأعمال الفرقة، لكنها حاولت التدخل في الموسيقى والكلمات، ما حال دون ابرام أي اتفاق معها.
وتتولى الفرقة انتاج كل أعمالها الفنية من ايرادات الحفلات التي تحييها في سورية وخارجها ومن المهرجانات التي تشارك فيها، وتتولى شركة «اي ام آي» توزيع أعمال الفرقة في العالم. وانطلاقاً من نظرية «من لا ماضي له، لا مستقبل له»، قررت الفرقة البدء بالتراث باعتباره غنياً وغزيراً، ولأن التوليفة الموسيقية والتوزيع الجديد سيضفيان عليه نكهة خاصة، عصرية وحديثة. ويعتبر ريماوي أن الثقافة الموسيقية تلعب دوراً كبيراً في القدرة على الخوض وتجربة انواع من الموسيقى والابتعاد من التقليد وخلق فضاءات أوسع للغة، خصوصاً أن معظم أعضاء الفرقة من خريجي المعهد العالي للموسيقى.
وبعيداً من التراث، تقدم الفرقة أغاني عن الحب والحياة والقضايا الانسانية، وتمزج في بعض اغانيها مشاكل الشباب وما يعانونه في مجتمعاتنا العربية كأغنية «عذروني» التي تحكي قصة حلم كل طالب في التخرج والحصول على وظيفة مرموقة وراتب محترم. وتبتعد «كلنا سوا» من أغاني الحب المبتذلة، اذ إن الكلمات ترافق اللحن في ايقاع صوتي وموسيقي يفتح للمستمع آفاقاً أوسع وحرية أكبر في التخيل.
وعن عدم تصوير بعض أغاني الفرقة على طريقة الفيديو كليب، يوضح ريماوي ان الفرقة صورت كليباً واحداً، ولم تعد الكرّة بسبب التكاليف الباهظة وعدم قدرة الفرقة على تحملها، خصوصاً ان أرباح الحفلات والمهرجانات والمبيعات بالكاد تغطي مصاريف الاستوديو والتسجيل والتحضير لأغان جديدة.
الا أن ريماوي يرى أن هناك تعتيماً اعلامياً على الفرقة، لأنها من الفرق التي تقدم الفن الملتزم والهادف، ولعدم وجود فنانات مثيرات في الفرقة قادرات على اجتذاب الجمهور بملابسهن أو اجسادهن. ويشير ريماوي الى انه يجب أن تكون للفن صفة الامتاع بالدرجة الأولى ومن ثم تتبع ذلك بقية الرسائل الانسانية الايجابية والتي لا بد من ان تتوافر فيه ايضاً.
ويؤكد ريماوي أن «كلنا سوا» تعمل من أجل الموسيقى، أي ضمن الفن التجريبي، لتحفظ اعمالها في المكتبات الموسيقية، وأعضاء الفرقة سعداء بما يقدمونه لأنهم لا يخضعون لقوانين السوق ولا للنمط السائد فيه.
شاركت «كلنا سوا» في الكثير من الهرجانات الغربية وأهم جولاتها كانت في عام 2004 حين قدمت 20 حفلة في 20 ولاية أميركية تحت عنوان «ثقافة من أجل السلام»، إذ هدفت الفرقة الى اظهار صورة مختلفة للشباب العربي عن الصورة النمطية الموجودة في الغرب، وكانت احدى الحفلات في مقر الامم المتحدة في نيويورك حيث منحت جائزة للسلام من النادي العربي في الامم المتحدة.
وتحضر الفرقة حالياً ألبومها الجديد الذي من المتوقع أن يصدر قريباً، وتملك الفرقة في رصيدها ثلاثة البومات: «سفينة نوح»، «شيء جديد» (الذي ساعد الفنان زياد الرحباني في تسجيله) و «موزاييك».
«كلنا سوا» فرقة أرادت ان تبتعد في الحانها من السخافة، آمنت بالموسيقى فناً سامياً يعلو بالانسان ويفتح مداركه، معتبرة أن الفن هو السلام بين شرق العالم وغربه بعيداً من زواريب السياسة، ومكان للتقارب بين الشعوب.
وتتألف «كلنا سوا» من ديما اسكندر (غناء)، ايهم العاني واياد الريماوي (غيتار، غناء)، مروان نخلة، حازم العاني(اورغ)، رافل الحفار (غيتار باص) سيمون مريش ( درامز)، خلدون كوا (ايقاع)، خالد وظائفي (هندسة صوت).
محمد غندور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد