ماذا يريد جو بايدن من الشرق الأوسط؟
حسن لافي:
يمكن قراءة زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط من خلال عدة مستويات تمثل بكليتها الأهداف الرئيسية لتلك الزيارة. على المستوى الاستراتيجي، تأتي زيارته في خضم صراع الولايات المتحدة الأميركية الشرس والمعلن مع كلٍّ من الصين وروسيا على معركة تشكيل المنظومة الدولية وصياغتها بعد انتهاء عصر القطب الأميركي الواحد الذي شارف على الانتهاء.
لذلك، تسعى الولايات المتحدة الأميركية لاستعادة سيطرتها على موارد الطاقة في الشرق الأوسط بعدما أجبرتها الحرب الأوكرانية الروسية على البحث عن مصادر تمويل للطاقة لحلفائها الأوروبيين، ما أعاد للنفط الخليجي وغاز البحر المتوسط أهميته، إضافة إلى العمل على زيادة إنتاج النفط الخليجي مع خفض أسعاره، من أجل خلق استقرار في سوق الطاقة، حتى لا يتأثر الاقتصاد الأميركي الذي يعاني حالة غير مسبوقة من التضخم المالي.
على المستوى الجيو-استراتيجي، تسعى أميركا لقطع الطريق أمام الصين، ومن ثم روسيا، للحؤول دون نسجهما علاقات مع حلفاء أميركا في الشرق الأوسط، وخصوصاً دول الخليج، الذين شعروا بالخوف من تراجع اهتمام أميركا في الشرق الأوسط بعد انسحابها من العراق وأفغانستان وذهابها للتفاوض مع الإيرانيين على اتفاق نووي جديد، ما أنتج حالة من الانفتاح على كلٍّ من الصين وروسيا، ولو على سبيل تحسين شروط تحالفهم مع الأميركيين، وليس تغيير اتجاهاتهم التحالفية، ناهيك بأن تداعيات الأزمة الأوكرانية باتت تهدد الهيمنة الأميركية على المنظومة الدولية كدولة عظمى.
وبذلك، رجعت أميركا إلى سياسة الأحلاف التي انتهجتها في ستينيات القرن الماضي، واستمرت طوال فترة الحرب الباردة. لذلك، تعيد ترميم علاقتها مع حلفائها، وخصوصاً السعودية، تحت شعار “المصالح الأميركية فوق المبادئ الإنسانية”.
يتمثّل الهدف الأميركي للزيارة على مستوى إقليم الشرق الأوسط بإعادة صياغة خارطة موازين القوى لدول المحور الأميركي في المنطقة، لتكون “إسرائيل” هي مركز الثقل الأساس الذي يثق الأميركي بأنه قادر على تنفيذ متطلبات مصلحته بأقل الأثمان، وبإخلاص كبير، لكون ذلك يتطابق مع مصلحتها كدولة وظيفية احتلالية يرتبط وجودها بالرعاية الأميركية؛ قائدة المشروع الغربي في العالم.
والأهم أنّ الدول الأخرى الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، سواء العربية أو الإسلامية، لا تثق أميركا بها وبقدرتها على أداء ذلك الدور، ناهيك بالإشكاليات الداخلية التي يعانيها قادة تلك الدول على المستوى الداخلي.
لذلك، كل ما يحدث في المنطقة من إنشاء تحالفات عسكرية واقتصادية وسياسية تحت الرعاية الأميركية هدفه ضمان أمن “إسرائيل” والحفاظ على قوتها كدولة مركزية في الشرق الأوسط، ما دفع الولايات المتحدة الأميركية مجدداً إلى إعادة اكتشاف أهمية وجود “إسرائيل” ككيان استعماري متقدّم في خدمة مشروعها كدولة عظمى في العالم، في ظل منافسة كلٍّ من الصين وروسيا، وفي منطقة لم تنتهِ مصالحها الاقتصادية فيها بعد.
ينبع خطورة إطلاق بايدن – لابيد “إعلان القدس” من كونه وثيقة أعادت الولايات المتحدة الأميركية مجدداً فيها تأكيداتها والتزاماتها السابقة على مدار أكثر من 70 عاماً تجاه “إسرائيل والشعب اليهودي” في ورقة واحدة لا تتضمن الجديد، ولكنها بمنزلة تأكيد من جو بايدن، الرئيس الديمقراطي، على “صفقة القرن” التي طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب الجمهوري، ما يعيد التزام الحزبين الأميركيين تجاه “إسرائيل”، بعدما عصفت الكثير من الرياح السيئة بالعلاقة بينهم منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وليس انتهاء بأزمة رفض التيار اليساري في الحزب الديمقراطي الأميركي التصويت على تضمين الموازنة العامة في الكونغرس بند تمويل إعادة مخزون صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية.
من الواضح أن “إسرائيل”، للأسف الشديد، استطاعت أن تستفيد جيداً من التطورات والتغيرات في الساحة الدولية، والتي هددت الهيمنة الأميركية، في إعادة تسويق نفسها بحلة جديدة للمشروع الغربي الاستعماري، ولكن هذه المرة كـ”دولة اليهود”، وبدعم دول التطبيع العربي غير المسبوق وغير المتوقع، حتى من الأميركيين أنفسهم، بل أدت “إسرائيل” دور الوسيط بين دول الخليج، وخصوصاً السعودية، وإدارة جو بايدن، وبالتالي برهنت للأميركيين قدرتها على قيادة حلف الناتو الصهيو-تطبيعي الجديد.
أوضحت الزيارة أنَّ بايدن لم يغير موقفه تجاه إيران، فما زال يفرق بين المشروع النووي الإيراني من جهة، والمشروع العسكري لمحور المقاومة بقيادة إيران من جهة أخرى.
في المشروع النووي، أكد بايدن التزامه الحل الدبلوماسي من خلال اتفاق جديد مع إيران. وبالنسبة إلى التهديد العسكري، منح بايدن “إسرائيل” الكثير من الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية لمواجهته، مثل منظومة الاعتراض بالليزر الجديدة ومنظومة الدفاع الجوي الإقليمي المشترك، لكن تبقى رؤية بايدن متعارضة مع الموقف الإسرائيلي الذي يرى في التهديد الإيراني رزمة واحدة متكاملة.
لذلك، تضغط “إسرائيل” تجاه وضع الحل العسكري تجاه المشروع النووي الإيراني على طاولة خيارات إدارة بايدن، رغم التزام الأخير عدم السماح لإيران بالحصول على القنبلة النووية. وفي هذا السياق، تحاول “إسرائيل” انتهاج سياسة التدرج الاستراتيجي في سبيل تغيير موقف إدارة بايدن من دون الوصول إلى صدام معه، رغم أن الوقت لا يسعفها كثيراً بحسب تقديراتها الاستخبارية.
أظهرت أجندة الزيارة أنَّ القضية الفلسطينية بالنسبة إلى جو بايدن مجرد هوامش، ويكفي إبداء قناعته الشخصية بحل الدولتين، لكن من دون أي خطوة حقيقية تجاه هذا الحل، بل إنّ الذريعة الأميركية حاضرة بعدم وجود حكومة مستقرة في “إسرائيل”.
ويخشى بايدن أن يستغلّ بنيامين نتنياهو أي ضغط أميركي على حكومة يائير لابيد قبل الانتخابات للعودة إلى الحكم، الأمر الذي سيجعل تأجيل تنفيذ أي خطوة أميركية لمصلحة الفلسطينيين إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وتأليف حكومة مستقرة في “إسرائيل” أمراً مبرراً لدى السلطة الفلسطينية.
الميادين
إضافة تعليق جديد