الكيانات السورية.. بطالة كبيرة واقتصاد متهالك!
ميليا إسبر:
تعاني الكيانات السورية من ظروف اقتصادية صعبة متشابهة من حيث البطالة والفقر وضعف الإنتاج، مع أن الثروات المتواجدة فيها يمكن أن تجعلها من الدول الثرية إذا ما أحسن استثمارها، وإذا كانت هناك خطة للتكامل الاقتصادي بين هذه الكيانات التي تشكل في الواقع وحدة اقتصادية واجتماعية. الفروقات في أرقام البطالة والفقر تتباين بشكل طفيف بين هذه المناطق، لكن أقساها يتركز في الشام ولبنان، في حين تعجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد الحلول الجذرية التي يمكن أن تضع الخطوة الأولى على طريق الحل.
13.8 % البطالة في العراق
تشير آر إحصاءات رسميّة في العراق إلى أنّ نسبة البطالة وصلت إلى 13.8%، وأنّ معدّلاتها ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود على الرغم من ثروة البلاد النفطية الضخمة التي يبدو أنها لم تسهم في تحسين مستوى معيشة العراقيين، وحسب التقارير فإنّ الشباب كانوا من بين أكثر الفئات التي تضررت من تراجع الاقتصاد وارتفاع مستوى البطالة، إذ يشير البنك الدولي إلى أنّ النسبة عند هذه الفئة شهدت ارتفاعاً ملموساً بلغ 36% بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وتداعيات الوضع الأمني.
انهيار اقتصاد لبنان
في لبنان ارتفع معدّل البطالة نحو ثلاثة أضعاف بسبب الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد وذلك وفق مسح جديد أجرته الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة ، وأوردت إدارة الاحصاء المركزية في لبنان ومنظمة العمل الدولية أنّ معدّل البطالة ارتفع من 11.4% في الفترة الممتدة بين عامي 2018-2019 إلى حوالي 30% في كانون الثاني الماضي ، حيث يشهد لبنان منذ خريف 2019 انهيارًا اقتصاديًّا غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، وخسرت معه الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار.
أمّا في فلسطين فبلغ معدّل البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) حوالي 25% في الربع الأوّل من عام 2022 في حين بلغ اجمالي نقص الاستخدام للعمالة حوالي 33% وفقًا لمعايير منظمة العمل الدولية.
مقاربة لمشكلات الاقتصاد السوري
الوزيرة السابقة ودكتورة الاقتصاد لمياء عاصي تقول: “لا يمكن التحدّث عن موضوع البطالة دون مقاربة حقيقية وعميقة لمشكلات الاقتصاد السوري، لأنّ البطالة هي فقدان مصدر الدّخل الرئيسي لعدد من المواطنين يؤثر على معدّلات الفقر ومستوى الاستهلاك وتأمين الاحتياجات الأساسيّة والشعور بالأمان، كما يسبب تدني كبير في كل مؤشرات الاقتصاد الأساسية، مثل معدّل التضخم وحجم الإنتاج ومعدّل النمو وغيره، وكل تلك المؤشرات تتناسب مع معدّل البطالة، في سورية كانت النسبة المعلنة في عام 2010 بحدود 8.8% وهي نسبة مقبولة عالميًّا، لكن وبسبب الحرب وإغلاق مئات الشركات والورش والمشاريع بعد عام 2011 فقد ارتفعت نسبة البطالة إلى 57.7% في عام 2014 وفق مراكز بحثية، ما يعني وجود نحو 3.72 ملايين عاطل من العمل. إنه بعد عشر سنوات من الحرب وتحديدًا عام 2021، وصل معدل البطالة إلى 31.4 في المئة وذلك نتيجة الانكماش الذي حصل في الناتج المحلي الإجمالي السوري الناجم عن الدوامة الاقتصادية التي تمثلت بإغلاق وخروج عدد كبير من المنشآت الإنتاجية والاقتصادية والخدمية لأسباب تبدأ بعدم الاستقرار السياسي والعسكري الذي يخلف عدم الأمان والاضطرابات في تأمين وصول مستلزمات الإنتاج والعمال وصولاً الى عدم الجدوى الاقتصادية بسبب تدني الاستهلاك وارتفاع معدّلات الفقر، الأمر الذي ساهم بتسريح عدد كبير من العمال وتالياً ارتفاع جديد في معدلات البطالة.”
مهام القطاعين العام والخاص
وعن دور الحكومة وكذلك القطاع الخاص في معالجة موضوع البطالة تقول عاصي:
“الحكومات تقوم عادة بدور رئيسي في تخفيض معدّلات البطالة، من خلال رفع الإنفاق العام الحكومي، بحيث تخصص موازنات إضافية للتعليم والصحة ومشاريع البنى التحتية (الطرق والجسور ومحطات الكهرباء..) ذلك الانفاق من شأنه تخفيض معدّلات البطالة، لكن في سورية وبسبب تراجع إيرادات الدولة و ارتفاع نسبة العجز الموازني لحوالي ثلث الموازنة، لا تستطيع الدولة رفع نسبة الإنفاق العام، و بإلقاء نظرة على الموازنة العامة لعام 2022، نجد أنّ الإنفاق الاستثماري يمثّل فقط 15% من مجموع الموازنة وتلك نسبة متدنية لا يمكنها مقاربة نسب البطالة.”
زيادة المشاريع
تقترح الوزيرة السابقة عدّة أمور من شأنها التخفيف من معدّلات البطالة المرتفعة أهمها زيادة عدد المشاريع الإنتاجية والخدمية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة أو المتناهية الصغر سواءً في القطاع العام أو الخاص وذلك بهدف امتصاص نسب البطالة العالية، وهذا يحتاج لبيئة أعمال مشجّعة ومحفّزة وميسّرة، ولتحقيق ذلك يحب اعتماد مبدأ “دعه يعمل …دعه يمر” بمعنى منح تسهيلات كبيرة للحصول على رخص البدء بالمشروع ودعمه لتأمين التمويل اللازم له وإمكانية تأمين المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج للمشروع والمشتقات النفطية إضافة الى تجاوز عدد من الشروط الني وضعت وقت الرخاء وفي الظروف العادية، مثل توفر العقار التجاري. إضافة الى حماية تلك المشروعات والشركات من الإجراءات السلبية لبعض الجهات مثل دوائر المالية والجمارك وغيرها التي قد تودي بكل المحفزات والمزايا التي منحتها لها.
للبطالة أنواع
دكتور الاقتصاد عابد فضلية يقول:
“يوجد عدّة أنواع للبطالة منها (الكميّة والنوعيّة) و(الهيكلية) و(المقنّعة) و(المناطقية) وتتفاوت نسبتها فيما بين (الجنسين) وبحسب مستوى التأهيل (العلمي والتعليمي والأكاديمي)، وبحسب (القطاعات والأنشطة) الاقتصادية، حيث لا تقل نسبتها الكميّة التقديريّة (والافتراضيّة) بالمتوسط عن (15%)، وتكون هذه النسبة أعلى لدى الإناث (ضعف النسبة لدى الذكور)، وفي بعض المحافظات أقل (كــ دمشق وحلب) وأعلى في محافظات أخرى (كــ درعا والسويداء) وأعلى في أوساط وشرائح خريجي الجامعات، لا سيما خريجي الكليات النظرية، وأقل في أوساط شرائح خريجي الكليات العمليّة (مثل المعلوماتية والهندسية والحرفية) نسبة البطالة تكون أقل في الأنشطة الاستراتيجية، وخاصة في الأنشطة المنتجة للسلع والمواد الغذائية والدوائية والضرورية الأخرى، وأعلى في أنشطة أخرى مثل (منتجات الموبيليا والأجهزة الكهربائية -الإلكترونية ومستلزمات الإكساء.)
علاقة عكسية
يضيف فضلية: “إنّ معدل البطالة في أي بلد، مؤشر منطقي وموضوعي ومباشر عن مستوى النشاط الاقتصادي، وبينهما علاقة عكسية، فكلما ارتفع هذا المعدّل فذلك يعني بطءً وتقلّصًا في العجلة الاقتصادية، ويعني من الجهة الأخرى وجود شريحة واسعة من المواطنين بدون عمل أو دخل، أي بدون قوة شرائية، وهذا يعني من جهة ثالثة ضعف في الطلب الفعّال (المدعم بقوة شرائية)، أي بطء أو انخفاض بسرعة دوران عجلة الإنتاج، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى رفع نسبة البطالة، أي حدوث الحالة التي بدورها تُقلّص الطلب فيتقلص الإنتاج ليصل إلى حالة ركود التي مقياسها (وصول البطالة إلى نسبة 15%)، وفيما إذا الأمر على هذه الحال يدخل الاقتصاد في دوامة أو حلقة الشيطان، وخاصة عندما تزداد البطالة لتفوق نسبة (25%) ويُصبح توصيف هذه الحالة بــ(حالة الكساد) أو (الكساد التضخمي)، كما حدث بأزمة الكساد العالمي الكبير (عام 1929)، التي اقتحمت آثارها السلبية جميع دول العالم دونما استثناء، فتضطر الدول الصناعية الرأسمالية الامبريالية للجوء إلى الإنتاج العسكري لتغطي الركود أو الكساد أو الانكماش في الاقتصاد المدني، الأمر الذي من نتائجه شبه الحتمية (بحسب سيرورة التاريخ منذ عام 1870) افتعال ونشوب الخلافات والحروب والنزاعات العسكرية إمّا بين الدول التي عسكرت اقتصادها، أو (على الأغلب) بين دول أخرى بعيدة عن حدودها، كما حدث بعد أزمة (عام 1929) التي لم تنته آثارها إلاّ مع نهاية الحرب العالمية الثانية…. وتالياً فإنّ السؤال البديهي: هل نحن اليوم أمام أزمة مشابهة؟ وهل سنشهد آثاراً اقتصادية واجتماعية وعسكرية مشابهة؟ أم أنّ العالم أجمع قد بدأ فعلاً يشهد بداياتها؟”
مستويان
يقول فضلية: “إنّ الدور الأوّل هو للدولة في مكافحة البطالة و يكون من خلال مستويين، الأوّل إصلاح وتفعيل وتحريك القطاع العام الاقتصادي، مع ضرورة دعم الجانب الاجتماعي لهذا القطاع، والمستوى الثاني (تعديل وتطوير) وإيجاد البيئة والتشريعات المناسبة المشجعة واتخاذ جميع الإجراءات التي تدعم القطاعين الخاص والمشترك اللذان من حقهما ومن واجبهما المساهمة (إلى جانب القطاع العام) في دعم الجانبين الاقتصادي والاجتماعي للدولة، شرط أن تسعى جميع الأطراف إلى خلق بيئة تشاركية إيجابية حقيقية.”
وحول مقارنة مشكلة ارتفاع معدّل البطالة ونسب التضخم وبطء النمو في الناتج المحلي الإجمالي في سورية مع الجوار كالعراق ولبنان وفلسطين يقول فضلية: لا فرق في أوضاع هذه الدول (وفي جميع دول العالم دونما استثناء)، وإنما تختلف بشدة وارتفاع أو انخفاض نسبة حجم هذه المشاكل، إلاّ أن وقعها السلبي في سورية أشد بفعل عوامل إضافية سلبية، أهمها الحرب الإرهابية والحصار والعقوبات والصراعات عليها وعلى أرضها وشعبها.”
الفينيق
إضافة تعليق جديد