حماة تكرم الشاعر وجيه البارودي
برعاية الدكتور رياض نعسان آغا، وزير الثقافة، اقامت وزارة الثقافة ومؤسسة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري الندوة العربية النقدية التكريمية للمبدع الراحل الشاعر وجيه البارودي.
وذلك في المركز الثقافي العربي بحماة، والتي جاءت ضمن احتفالات مهرجان الربيع العاشر وبحضور كبار المبدعين في مجال الفكر والثقافة والادب من داخل القطر وخارجه.
/البعث/ حضرت وقائع هذه الندوة وسجلت اهم ما دار فيها من نقاش وحوارات.
وجيه البارودي حاضر في مهرجان الربيع
في بداية الندوة تحدث السيد عبد الرزاق القطيني محافظ حماة الذي ناب عن السيد وزير الثقافة ، مشيراً الى اهمية احياء ذكرى هذا الشاعر الكبير، وهذا بعض ما يستحق منا، وهي لفتة كريمة من وزارة الثقافة مشكورة عليها.
واضاف: جميل جداً ان تكون ذكرى شاعر حماة المرحوم وجيه البارودي حاضر] معنا في مهرجان ربيع حماة العاشر.
بعد ذلك القى الدكتور خالد عبد اللطيف الشايجي ممثل مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري كلمة / المؤسسة / قال فيها: يشرفني ان اقف في هذا الحفل وبين هذا المجتمع الكريم، ممثلاً للسيد رئيس مجلس امناء مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري ، وان انقل لكم تحياته ، وان اعبر عن سعادته الغامرة بكل تجمع يبتغي ان يضيف الى سفر الشعر العربي صفحة جديدة، وان يضيء شمعة على ضريح شاعر راحل تقديراً لآثاره ومآثره.
واضاف الدكتور الشايجي قائلاً: اشعر بالفخر وأنا اقف على تراب هذا القطر الذي امد نهر الشعر العربي في الغابر... والحاضر بروافد ما تزال مياهها تتدفق ويرتوي منها كل عشاق الشعر العربي، وحسب هذا القطر فخراً في ماضيه، أن برز في اقصى جنوبه اول مجدد للشعر العربي، الشاعر الكبير ابو تمام، وظهر في وسطه حكيم الشعراء العرب / أبو العلاء المعري/ وفي تخومه الشمالية فنان الشعراء / البحتري /.
مؤكداً ان هذه الخبرة اسست لتراكم شعري مازلنا ننعم بقطافه، ولعل من جناه في حاضر سورية هؤلاء الاعلام الثلاثة الذين ملؤوا سماء سورية والوطن العربي بقناديل اشعارهم / انهم الراحلون الثلاثة الذين اقاموا في افئدتنا:
عمر أبو ريشة، وبدوي الجبل... ونزار قباني
وختم ممثل مؤسسة البابطين للإبداع الشعري حديثه قائلاً: أشعر باعتزاز كبير وأنا في هذه المدينة /حماة/ مدينة أبي الفداء الذي ادرك ان سلطان العلم هو فوق كل سلطان ، فاقترن اسمه باسم هذه المدينة، شاكراً وزارة الثقافة ان تعمد الى اقامة ندوات عن الشعراء الراحلين ، فكانت ندوات / عمر أبي ريشة... وبدوي الجبل ...ونزار قباني/ سابقاً وقد اسهمت المؤسسة مع الوزارة في اطلاقها ،وها نحن اليوم في ندوة لابن هذه المدينة الشاعر الكبير وجيه البارودي .
فتحية لذكرى هذا الشاعر الكبير...وتحية لهذا البلد الذي سيبقى احد مناجم الشعر العربي .
حياة البارودي ...وفكره
ألقيت في هذه الندوة التكريمية , حيث قدم زميل عمره الاستاذ عبد الرزاق الاصفر ابن حماة لمحة تاريخية وادبية عن حياته مذكراً ان الشاعر البارودي ولد سنة /1906/ لاسرة موسرة تعد في طبقة الوجهاء...سواء من جهة والده عبد الحسيب البارودي المزارع والتاجر، ام من جهة والدته... ذوي الوجاهة الدينية واصحاب الملكية الزراعية الكبيرة. هذه الطبقة التي كانت تحظى بالامتياز عن طبقة الفقراء ومتوسطي الحال وتستطيع تعليم ابنائها في المدارس التبشيرية في لبنان.
واضاف الاستاذ الاصفر : ان وجيه تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة ترقي الوطن في حماة، وكان جلّ معلميها من اساتذة الدين واللغة العربية، وهذا ما منحه اساساً ثقافياً تراثياً متيناً.
وفي سن الثالثة عشرة ارسله والده ليتابع دراسته الاعدادية والثانوية والجامعية في الجامعة الامريكية في بيروت، حيث برز تفوقه في شتى انواع العلم والمعرفة... ومما يدل على تأثره في هذا المجتمع حيث قال:
أنا صممت مارداً من ديار الغرب... روحاً وقالباً حموياً.
ونضيف الى هذين المكوّنين مواهبه الفطرية من قوة البنية وحب التفوق وجمال الهيئة... وحدّة الذكاء... والتمرد ...والنزوع الى التصادم واثبات الذات وتحمل المشقات والموهبة الشعرية...والمزاج الحاد .
ويضيف الاديب الاصفر في بحثه عن الشاعر البارودي قائلاً: لقد نظم الشعر وهو طالب في الجامعة، وكان يتطارح الشعر مع زميله ابراهيم طوقان والشاعر العراقي حافظ جميل .
وفي عام 1932 تخرج طبيباً فعاد الى مدينته ليمارس مهنته التي برزت فيها براعته، كما برزت انسانيته وحبه لمساعدة الفقراء... وتعاقدت معه البعثة الدانماركية للتنقيب عن الآثار في قلعة حماة ليكون طبيبها الخاص، واستمر في عمله الطبي قرابة ستين عاماً، لم يخرج فيها من حماة الا نادراً، فكان يعمل ليلاً نهاراً متنقلاً في احياء حماة لزيارة مرضاه كي لايكلف زبونه الفقير أجر العربة، وكثيراً ما كان يتنقل على دراجته الهوائية.
وقد صدم وجيه مجتمعه / الحموي / بقبعته الاجنبية ودراجته وقميصه / النصف كم/ مما كان يعد عيباً ومنقصة.. وأتاحت له مهنته الاتصال بالبيئات الشعبية على اختلاف انواعها، مما كان له اكبر الاثر في اتجاهه الاجتماعي:
اتيت الى الدنيا طبيباً وشاعراً... أداوي بطبي الجسم والروح بالشعر وفي عام 1975 أقامت له مدينته حفل تكريم القيت فيه البحوث والقصائد واصبح في عام 1978 اول رئيس لفرع اتحاد الكتاب في حماة وقد توفي في عام 1996 عن عمر يناهز التسعين عاماً.
< اصدر في عام 1971 مجموعته، بيني وبين القوافي ... وكذا أنا... وفي عام 1995 اصدر ديوانه الكبير/ سيد العشاق/ وخلف قصائد لم تنشر جمعها صديقه المرحوم وليد قنباز تحت عنوان « حصاد التسعين».
الاستفادة من تجارب الغرب في علاج التخلف.
في الغرب طاروا نسوراً
وحققوا المستحيلا
والشرق ظل يناجي
أهل القرون الاولى
وميله هذا للغرب أثار عليه نقمة المحافظين فعدوه منحرفاً وكالوا له الشتائم ، ومع ذلك فقد آمن ايماناً كبيراً بحتمية الصراع الطبقي والوصول الى المجتمع المثالي :
قوم تصور بالآلاف من شغبٍ
وحفنة لهم من العيش ما شاؤوا
يامعدمون افيقوا من جهالتكم
أما أتاكم عن التحرير انباء
لابد للارض من يوم تثور به
والشمس من خنق في الافق حمراء
وكان للشاعر البارودي موقف متشدد من المتزمتين والمتطرفين لان الاعتدال يفسح المجال للتغيير والتطور:
ياسادتي المتزمتين تصرّمت تلك العصور
ياسادتي اعتدلوا فإن لم تفعلوا ساء المصير
اما موقفه من دين العلم... ودين الحب ، فقد كان علمانياً في تفكيره يقرّ بالاسلام والايمان والرسالة والصحابة والقرآن... ويحترم التراث وينطلق في فكره وسلوكه من معطيات العلم ، لا من مفهومات الغيب ، وان كان ادى فريضة الحج ولزم الصلاة اواخر عمره:
افيقي فالصلاة لغير جدوى
وعلم الغيب تنكره العلوم
وخوفك من عذاب النار عندي
جحيم قبل ما تأتي الجحيم
وعنده ان العيش في الارض لا في السماء والفردوس يجب ان ينزل الى الارض لينعم به الناس في حياتهم ، وهذا ما يدعوه دين العلم، والحب عنده دين فيه الحرية والامان والتوحيد، لكن للحبيبة وعدم اشراك غيرها في حبها... الا ان من مبدئه التنقل من غصن الى غصن ومن زهرة الى زهرة والحب عند/ البارودي/ وجيه يشمل الروح والجسد، العاطفة والغريزة...والله سبحانه لا يعاقب الذئب على فتكه بالغنم مادام قد ركب فيه غريزة السطو والافتراس :
العصر عصر الواقعية فاشربي ...
خمر الغريزة واسكبي لي اشرب
ويميز البارودي بين الحب والعشق ، والعشق اسمى من الحب لأنه اخلاص وتوحيد...وعذاب ... وسعادة في الشقاء ويستعان عليه بالكتمان وتبذل في سبيله المهج ، فالعشق عنده صوفي وهو نبي الهوى وخاتم العاشقين.
وختم الاستاذ الاصفر بحثه عن الشاعر البارودي في الاشارة الى موقفه من المرأة بقوله:
لقد نادى وجيه البارودي بندّية المرأة للرجل ، ودعا الى انصافها واحترام شخصيتها وحقها في تقرير مصيرها ومستقبلها، واطلاق ارادتها... واعطائها نصيبها من الحرية والتقدم ، وزين مجتمع الاختلاط ... ونزع الحجاب وعدم المغالاة في المهور:
فتحريرها من ربقة الاسر سنة... لشرقية ظلت تباع وتشترى
ويقول :
لولا الحجاب ما التقى قيس بليلاه
ولا شفت ليلى غليلاً من حميّاه
مفترج اشكل امر الحب لولاه
تغشى به اللذات والاجلال يغشاه
وواضح هنا انه يتظاهر بفائدة الحجاب للمحبين ويقصد تهجينه ونبذه على قاعدة الذم بما اشبه المدح.
قضية الحرية في شعر البارودي
الاستاذ الدكتور راتب سكر قال في بحثه الذي خصه للحديث عن قضية الحرية وتجلياتها في شعر وجيه: تشكل مقولة الحرية مكوناً اساسياً في الرؤية الشعرية لقصائد الشاعر وجيه ، مرتبطة بالرؤية الاجتماعية لدلالات المقولة ، كما تجلت على مدارج الزمن التاريخي الخارجي الموازي لإبداع القصائد...
ان الارتباط المشار اليه يجعل البحث في موضوعات الحرية الفردية وحرية المرأة وحرية الاعتقاد ، أسساً موجهة في خطاب وجيه البارودي الشعري، الذي ظل في ديوانه الاول والثاني :/ بيني وبين الغواني / و/ كذا أنا/ واضحاً وصريحاً في امانته لذلك التوجيه ، بينما تركز في ديوانه الثالث / سيد العشاق/ على موضوع الحب وما يملكه من قدرة دلالية على تحوير الموضوعات المختلفة في لبوسه.
ولعل من قرأ ..أو سيقرأ قصائد البارودي التي تناول فيها الحرية وتجلياتها يدرك جيداً انه قدم انموذجاً مناسباً على هذا الصعيد ، والذي تجلى لديه على نحو خاص جعله يتفرد بين شعراء جيله في هذه المرحلة في جرأته المتمثلة في رفضه لما وجد عليه ابناء بيئته من عادات وتقاليد لم ير فيها خيراً، وتقاليد جعلته بعيداً عن سبل التقدم التي سبقه اليها غيره...
وهي الرؤية التي استمر الشاعر البارودي في طرحها طيلة حياته الشعرية على مدى ما يقارب السبعين عاماً، بنفس تواقه ... تأبى التسليم باليأس والاستكانة اليه.
ومما يرتبط بالتجربة الشعرية للدكتور البارودي في هذا المجال : موضوع الموقف من طبيعة العادات والتقاليد في المجتمع / والسفور ..والحجاب / ومكانة العلم في النهضة وصورة المثقف العضوي، والحرية الفردية والجماعية والحب وغير ذلك.
وتعود اقدم القصائد في دواوينه الى عام 1925 عندما كان طالباً جامعياً في التاسعة عشرة من عمره ولم ينقطع عن كتابة الشعر حتى رحيله في الحادي عشر من شباط سنة 1996.
وتعتبر اقامة وجيه الدائمة في مدينته الحالمة على ضفاف نهر العاصي دليلاً على ارتباط المثقف العضوي بمدينته ، والتي جسدها بسلوكه اليومي وتجليات ادبه في عصر شهد نزوحاً ملحوظاً للمثقفين العرب باتجاه العواصم.
لقد عبر البارودي بطرق مختلفة عن اعجابه بالحضارة العربية المتقدمة وتمرده على مجتمعه المتخلف البائس الذي ينتمي اليه ، وكانت رؤيته هذه تنطلق من تفضيله بيئة الغرب المتحضرة على بيئة الشرق البائسة من نزوعه نحو التحرر، ورغبته في تخطي الحدود التي فرضها عليه المجتمع بحثاً عن افق يتسع لطموحاته الكبيرة.
وها هو يقول في ديوانه الذي طبع بعد وفاته عام 1999 في احدى قصائده بعنوان / الشرق يخاطب الغرب / تتناول فكرة تفوق الغرب على الشرق:
الغرب ياقوم في جد وفي طلب
يزداد في سيره علماً وعرفانا
واهله استخرجوا من ارضهم ذهباً
وشيدوا فيه اركاناً وبلدانا
هم استفادوا من الدنيا بفكرهم
وانتم ازددتم بعداً وعصيانا
وفي قصيدة / أحب بني قومي/ والذي يحث بها ابناء بيئته على مجاراة من سبقهم على سبل العلم والتقدم املاً منهم التخلص من العادات البالية: فيقول :
احب بني قومي ولو هدروا دمي
فحبهم في مهجة القلب عالق
اريد لهم عيشاً كريماً ورفعة
وحرية تحمي حماةا الفيالق
اريدهم فوق الجميع حضارة
وعلماً تحدى الغرب فيه المشارق
القضايا الاجتماعية في شعره
الدكتور محمد حسن عبد المحسن قدم بحثاً لعله هو الاسمى والامتع، وقد قاطعة رئيس الجلسة مازحاً اكثر من مرة الدكتور عبد الله ابو هيف، نظراً للاطالة وتجاوزه المدة المحددة.
قال الدكتور عبد المحسن : لاشك ان عبقرية الاديب الدكتور البارودي بحد ذاتها تكمن في قدرته على فهم مسارات الحياة بصورة اكثر حدة وعمقاً مما هو بمقدور الناس الآخرين مادام النص الادبي وثيقة اجتماعية تشخص قضايا المجتمع وتعالج همومه...
لقد رصد الشاعر الطبيب وجيه الحياة العامة في سورية من مختلف ابعادها السياسية والاقتصادية والثقافية وتفنن في تشخيص العلل الاجتماعية ورسم حالتها خصوصاً وقد عبر بذلك عن نفسه وعن تجاربه الداخلية معتمداً على تدفقه الشعري لايمانه ان الشعر علاقة جوهرية بين النفس الانسانية والطبيعة فهو القائل :
وأنا الوصي الحق شاءت أم ابت
فئة من الاوباش والاوغاد
كما عرف قدر نفسه وبين دوره في تعرية الواقع الفاسد ونقده فقال:
عانيت في مطلع العشرين منفردا ...حرباً على الجهل ما انفكت تهددني ارمي صواريخ من نقد اذا انفجرت... تصب نيرانها في بؤرة العفن
ومع تواضع معالجته للقضايا السياسية ، اذا ما قورنت بمعالجته الجادة للقضايا الاجتماعية ، نجده قد صرخ في وجه الحكام وهاجمهم فيما يصنعون من مثل ما في قوله:
يقولون : هذا امير البلاد
جميع العباد له خاضعون
فقلت: أيفقه معنى الحياة
وكنه العلوم وروح الفنون
تجوع البلاد وهم متخمون
ويبكي الفقير وهم يضحكون
وبئس النعيم الذي شيدوه
احتيالاً، وسحقاً لما يدعون
يقولون : نحن صفاء الصفاء
واهل الفداء... وهم يكذبون
ما يعني انه جعلهم في اقصى درجات الانانية ، فهم لا تهمهم البلاد وما تعانيه من مثل ما في قوله :
ويغضون ابصارهم عما يفعلون ويصمون آذانهم عما يسمعون فلا يحتمل منهم ذلك :
هم الناكشون...هم الخانقون ...هم الآثمون... ..هم المجرمون
هاجم تسلط الحكام اثناء الانتداب
وكان البارودي بالمرصاد دائماً لتسلط الحكام وفسادهم في اثناء الانتداب الفرنسي وتوريطهم الفقراء والتغرير بهم في الرد عليه وعلى المتنورين والوطنيين من امثاله بغوغائية عندما فضح امرهم وكشف اساليبهم الملتوية:
نادوا بالاستقلال واحتجوا
على كيد العداة
واذا بحثنا لم نجده
وان سألنا قيل آت
لما فضحنا الامر قالوا
تلك شرذمة العصاة
بعثوا لنا السفهاء بالعشرات
لابل بالمئات
ولعل الشاعر وجيه البارودي من اكثر شعراء مرحلته جرأة في النيل من البرلمانات الصورية ومن طرائق الوصول اليها فقد صوّر لنا تأثير المال وقدرة الجاه لدى الاقطاعيين وزعماء العشائر على تغيير آراء الناس البسطاء في الانتخابات البرلمانية ، وعلى تزوير الحقائق في نتائجها:
قالوا: نزلت للانتخاب مجرداً
لامال تنفقه ولا اجراء
وزعمت ان الناس تفعل فيهم
راح المحبة واعتمدت ثناء
سميتها طيباً وسموا خبثهم
ياللخداع سياسة ودهاء
اخفقت وانتصروا فما كانوا
سوى ارض ملونة وكنت سماء
ويستغرب ، ايما استغراب ان يفوز الجهلاء في انتخاب عام 1949 للمجلس النيابي عن مدينة حماة، ويخفق وهو الطبيب المتعلم القادر على التطوير والتغيير من جهة وعلى انقاذ العامة من محنهم ومآسيهم من جهة ثانية.
واكثر ما آلمه ان من انتخب اولئك الجهلاء هم الفقراء الذين جند نفسه للدفاع عن حقوقهم ولمعالجة امراضهم...
في هذا الصدد يخاطب مدينته والألم يعتصره ويلوم نفسه لوماً شديداً على ما قدمه لأهل مدينته التي خذلته :
فلا تبديل ان القرد قرد
وان الكلب مطعمته الفتات
اسأت حين غرست طيباً...
بأرض لا يطيب بها النبات
أسأت ...أسأت حين بذلت روحي
لتضحك في جوانبك الحياة
وحاربت العلوم فإن طباً
وهندسة بعرفك ترهات
ايخفق عالم والعلم نور
وتظفر بالنيابة شعوذات؟
غواية الصورة عند البارودي
الدكتور محمود حيدر من لبنان الشقيق قال: كل ما لدى البارودي يسري على صفحة الدهشة، كأنما حين نقرؤه نسمعه ونراه، كأنما يمضي بنا إلى حقله اللامتناهي لينظرنا مالم نعد نقدر على رؤيته في عتمتنا الجارية... فقصيدته استعادة لنا من حروفنا الماضية وأيامنا المنصرمة وعهدنا الذي كناه وغاب، معه نسكن في غواية الصورة.
أما الدكتور عبد الكريم الأشتر فيقول: إن أبرز عناصر التجديد في شعر البارودي لم يقع في جانب القياس العروضي، إذ صيغ أكثرها، على مقتضيات القياس العروضي الموروث في الشطرين، على حين كانت حركة شعر التفعيلة وصلت، لدى كبار شعرائها إلى مرحلة متقدمة.
وأضاف: من هنا كان شاعرنا يحس ان الاستجابة لهذه الشهوة في اللحظات التي يجيش فيها بركانه الداخلي (وهذا تعبيره أيضاً).
يضاف إلى عنصر التجديد في الإيقاع: قرب لغته من الحياة قرباً شديداً أحياناً، والفة الوحدات والتراكيب في سياقاتها واستجابتها الحرة لخواطره.
الدكتور ياسين الأيوبي من لبنان الشقيق قال في بحثه المقدم في هذه الندوة التكريمية لشاعر حماة البارودي: يدور شعر وجيه بمعظمه حول المرأة وعلاقته العاطفية بها، منذ كان يافعاً حتى سنوات الخريف من عمره... وهو كله يقع تحت عنوان الغزل... وقد اتسمت لغته الشعرية بنسبة عالية من المباشرة والتقدير فغدا شعره في كثير من الأحيان أفكاراً وأوصافاً.
من ناحية الدكتور عمر الدقاق قال: إذا كان التفرد سمةً الفن بعامة والشعر بخاصة، فوجيه البارودي شاعر متفرد في شخصيته... متميز في شعره، وقلما نجد شاعراً سواه تتجلى منازعه وهواجسه في قصائده إلى هذا المدى من العفوية والطرافة والحرارة فهو شاعر الحب والعشق.
يهفو إلى محاسن المرأة ومفاتن الأنوثة بشغف يبلغ العشق، في حين قال الدكتور عبدالله أبو هيف: اهتم النقد الخاص بوجيه بجوانب ثلاثة، الأولى سيرته الشخصية من التنشئة إلى التكونات، والثانية القضايا الاجتماعية والانسانية والفكرية والأدبية أما الثالثة فكانت بالتحديث الشعري وتجديده في مجالات مختلفة.
وفي النهاية لابد لنا من توجيه الشكر لمن كانت له الأيادي الطولى في إقامة هذه الندوة العربية النقدية التكريمية لهذا الشاعر والطبيب المتمرد على عادات مجتمعه وتقاليده كالتزمت..
ونخص بالشكر مديرية الثقافة بحماة ووزارة الثقافة ومؤسسة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري وكافة الباحثين والمحاضرين لانجاح هذه الندوة.
محمد فرحة
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد