مصطفى محمود يختفي بعدما فقد ذاكرته
كشفت كاتبة مصرية معروفة ترتبط بصداقة قديمة مع المفكر الاسلامي د. مصطفى محمود الكثير من الأسرار حول حالته الصحية الحالية والعزلة التي يعيشها في شقته بأحد أحياء القاهرة الراقية، والتعتيم الاعلامي الذي غيبه تماما عن دائرة الضوء، حتى أن الكثيرين الذين كانوا يتابعون برنامجه التليفزيوني الشهير "العلم والايمان" يظنون أنه رحل عن الدنيا منذ سنوات.
وقالت د.لوتس عبدالكريم ناشرة مجلة "الشموع" الثقافية إن حالة د. مصطفى متدهورة جدا من آثار نزيف قديم في المخ، ومنذ عام يعاني فقدان الذاكرة حتى أنه يتذكرها بصعوبة بالغة رغم صداقتهما التي استمرت عقودا.
وأضافت أنه يعيش وحيدا في شقته، تعاوده ابنته "أمل" التي تقيم في نفس البناية لتوفر له متطلباته، ولا يستطيع الخروج حاليا حتى إلى جامع محمود الشهير ومشفاه الخيري اللذين أسسهما في شارع جامعة الدول العربية بضاحية المهندسين ويقعان على بعد أمتار قليلة من مسكنه.
وانتقدت بشدة وسائل الاعلام التي أدارت له ظهرها ولا تسأل عن أحواله مع أنه كان يشغل بقعة ضوء كبيرة طوال عشرات السنين، من خلال كتبه الكثيرة ، وبرنامجه ذائع الصيت "العلم والايمان" الذي كانت تذيعه عدة محطات تليفزيونية عربية بالاضافة إلى التليفزيون المصري، متمتعا بأكبر نسبة مشاهدة في الثمانينات من القرن الماضي.
وكانت د.لوتس عبدالكريم قد تساءلت في مقال بالعدد الأخير من مجلة "الشموع" الفصلية التي يرأس تحريرها الشاعر أحمد الشهاوي عن سر اختفاء د. مصطفى محمود، مستنكرة أن يكون هذا السؤال لم يخطر ببال أحد من رجال العلم وعلماء الدين أو من الصحافيين والاعلاميين، مع أنه حتى سنوات قليلة مضت كان يملأ الدنيا ضجيجا بمقالاته وانتاجة الأدبي والفلسفي والعلمي.
وتحدثت عن مفاجأة قالت إنه أخبرها بها شخصيا ويرى أنها سبب ما يعانيه من أمراض، وهو أنه كان على علاقة بالجن، وأقام صداقة معهم، يستدعيهم فيأتون إليه ويحتضنونه.
وأوضحت أنه لم يفقد وعيه لكنه لم يعد يتعرف كثيرا على أصدقائه " أكلمه فيرد "وحشتيني" لكن ابنته تقول لي إنه لا يتذكرني، وأن هذه الكلمة يقولها لكل من يزوره".
وتابعت: أظل اذكره طويلا باسمي، وأحيانا بأحداث مشتركة لنا مع الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب أو الكاتبين الراحلين احسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين، فيبدأ يتعرف علي بالتدريج.
وعلقت: الواضح الآن أنه في طريقه إلى الغيبوبة، وهذه الحالة يعانيها منذ سنة تقريبا، قبل ذلك كان يتحدث معي بشكل طبيعي، لكنه لم يكن يخرج أو يقابل الناس. أجريت له ثلاث عمليات جراحية في المخ بعد أن تعرض لنزيف بين الجمجمة والجزء الخارجي.
وتستطرد لوتس عبدالكريم: كان يحمد الله أن النزيف لم يتجاوز هذه المنطقة فلم يؤثر عليه في البداية، أجرى له تلاميذه في مصر العملية الأولى وانقذوه منه هذا النزيف الذي عاد ثانية فسافر الى السعودية ليخضع لعملية ثانية، ثم عملية ثالثة في لندن.
وتضيف: أعرف مصطفى محمود منذ سنوات طويلة جدا، من أيام شبابه عندما مر بمرحلة الشك والالحاد ثم الدخول في الايمان، وأيامها كان يكتب مقالا منتظما في مجلة "صباح الخير" المصرية.
وتذكر لوتس أنه يقيم معظم الوقت في غرفة فوق جامع "محمود" يسميها "التابوت" فقد كان الموت في مخيلته دائما، وبعد أن ساءت حالته كثيرا انتقل إلى شقته الحالية الواقعة في بناية أمام الجامع، وتقيم طليقته في نفس البناية مع ابنتهما "أمل" وهي أيضا أم ولده أدهم المشرف على الجامع.
تضيف: تتردد الابنة عليه باستمرار لتوفر له مستلزماته، فهو لا يحب أن يقيم معه أحد. "أمل" هي الوحيدة التي يراها الآن من عالمه الخارجي بعد أن توقف تماما عن استقبال الزوار.
وتوضح أنه كان قد تزوج من امرأة أخرى تدعى "زينب حمدي" ولم يدم الزواج سوى ثلاث أو أربع سنوات، فقد كان يصف نفسه بأنه انسان لا يحتمل، طباعه كانت صعبة ومن يعاشره لابد أن يفهمه جيدا، فهو مفكر وفيلسوف وفنان، وبالتالي فلحياته أطوار غريبة من الانطواء والعزوف والثورة أحيانا ويحتاج إلى معاملة خاصة، ولذلك لم تستمر حياته الزوجية.
وقالت إنه تعرض أيضا لعمليات جراحية في المعدة والأمعاء، مشيرة إلى أن المرض الذي يعانيه في المخ ليس خبيثا. كما كشفت عن أسرار علاقته بالجن التي سمعتها منه، وأنه لم يكن يرى شيئا يعيبه في ذلك لأن القرآن الكريم تحدث عنهم، وهم كائنات مثلنا، وأن هذه العلاقة تحققت بسبب فضوله وحبه لاستطلاع الغيبيات.
وأضافت: حسب كلامه أقام اتصالات معهم، وأن صداقته للجن في فترة من حياته، كانت سببا فيما بعد في الأمراض التي عانى منها حيث أجرى عمليات مختلفة فى جميع أجهزة جسمه العليل دائماً، وأن الجن عندما كانوا يقتربون منه أو يحتضونه يسببون له آلاما انعكست على صحته.
وتوضح لوتس: اخبرني بأنه كان يستعين بهم فى قضاء حاجات أصدقائه من أصحاب المشكلات، ووصف لي كيف كان الجان حين يستدعيه يأتى إليه مسرعاً فيبدو الممر المفضى إلى غرفته مشتعلا بالنيران، وحين يدخل إليه يحتضنه بشدة فيغمى عليه فترة غير قصيرة. فى البداية كان الألم هائلاً، ثم اعتاده فلم يعد يعانى من شيء لأن الجان أصبح صديقه يفضى إليه بكل ما يريد ويحقق له ولأصحابه المعجزات.
تقول إنه كانت تدهش من هذا الكلام فيرد عليها "بأن الله ذكر الجان فى القرآن وهم مخلوقات مثلنا، وأنه فعل ذلك مدفوعا بحب الاستطلاع فى مرحلته بين الشك واليقين وأنه نجم عن لقاءاته المتعددة بالجان ما اعتراه من أمراض عديدة تعب فى علاجها بعد أن أقلع عما كان يفعل".
وتكذب تماما اشاعة كانت قد انتشرت عنه قبل عدة سنوات بأنه اعتنق الديانة "المسيحية" قائلة: أنا لم اسمع بهذه الاشاعة الكاذبة، لكن هذا لا يمكن أبدا فهو مسلم ملتزم متمسك باسلامه ومؤدٍ فرائضه، ورغم مرضه وما يعانيه من آلام الجسد لم يتوقف عن أداء تلك الفروض، وعن التوجه المستمر بالدعاء الى الله سبحانه وتعالي، وسماع القرآن الكريم.
وعن حالته المادية تقول إنها "ميسورة، علما بأن متطلباته بسيطة فهو لا يأكل سوى الجبن الأبيض والخبز، ولا يبالغ في شراء الملابس، وهناك عائد من المستشفى يصرف في الصدقات والزكاة، إضافة إلى أن أجور العلاج ليست كبيرة لأنه يستهدف الفقراء ومحدودي الدخل".
وفي الشأن نفسه تحدثت د.لوتس عبدالكريم في مقالها بمجلة "الشموع" عن كتبه الكثيرة المثيرة للجدل ومنها (محاولة لفهم عصري للقرآن) الذى أثار ضجة إعلامية كبيرة عند صدوره وحاوره فيه كبار علماء الدين، وبعض كتبه الأخرى مثل : الله والإنسان، الله، رأيت الله، من أسرار القرآن، الطريق إلى الكعبة، القرآن كائن حي، الإسلام ما هو؟، التوراة، محمد، لغز الموت، لغز الحياة.
وأحصت كتبه بـ(98) كتاباً فى شتى المجالات الروحية والدنيوية، مشيرة إلى ما تميز به من أسلوب عذب جميل في الدعوة، وقدرته على التقريب من الدين بأرق المحاولات وأرقى الكلمات، يقود إلى الايمان به من خلال العلم والمنطق وفك رموز ما غمض على الآخرين فهمه.
وعن عمله كطبيب قالت إن طبه كان مدخله العلمى والتشريحى إلى المشكلات الاجتماعية وإلى النفس الإنسانية والشخصيات التى يكتب عنها. وتقول إنه كان ناسكا زاهدا في كل متع الحياة، معتكفا في غرفة بسيطة صغيرة فى أعلى المسجد الذى شيده، جالسته فيها على مدى عشرين عاماً أغترف من فكره وعلمه وفلسفته وأتذوق متعاً لا يدركها البسطاء. الآن اختفى د. مصطفى محمود من كاميرات الإعلام ووسائل النشر ومن اهتمامات الكُتاب والصحافة والأصدقاء.
وتضيف: لم يعد يذكره أحد لأنه أيضاً فقد الذاكرة ولم يعد يذكر أحداً. متساءلة: هل بالضرورة يجب أن يأتى الموت ليذكرنا بقيمة أحبائنا؟.. لقد اختفى لأنه اختار الموت فى الحياة. توارى عن الأنظار، لأن ذهنه الجبار رفض استيعاب ما يحدث بالساحة من نفاق ومهازل وسخافات.
اعتنق د.مصطفى محمود الماركسية فى شبابه وكتب (الله والإنسان) ، أى الإنسان الذى اختار الشك والإلحاد طريقا، ثم كتب (الماركسية والإسلام) لكنه لم يستطع نشره فى عصر عبد الناصر، وفى الوقت ذاته كتب (الشيطان يحكم) ، ثم (الشيطان يسكن فى بيتنا) و(الطوفان).
وتقول لوتس: كان مصطفى محمود يكره عبد الناصر، ويحب السادات ويسميه (صديقى..) وجرت بينهما لقاءات عديدة . تتحدث عن علاقتها الشخصية به فتقول: كنت أعتبره صديقى وطبيبى النفسى لكثرة ما كتب عن النفس.
تستطرد لوتس: فى أخريات أيام الصديق العزيز والكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، فى الأسبوع الأخير من حياته بالتحديد، وكان يعانى من اضطراب فى المخ عقبه نزيف إثر جرح قديم غائر فى رأسه، وقد عاد من علاجه بأمريكا دون أن يتحسن. قال لى : "أريدك أن تأخذينى إلى مصطفى محمود أشوف الرجل ده عمل معجزات فى حياته بالتغلب على كل مشكلاته إزاي .. ده أصابته أمراض كثيرة وخطيرة تغلب عليها، وساءت علاقته بزوجته إلى حد العذاب لكنه نجح فى النهاية فى بلوغ الهدوء النفسى والراحة وانتصر على كل آلامه وشفى.. أود معرفة أسراره".
تستطرد: ذهبنا وكان إحسان يكاد يسير على قدميه ويبدو بوجهه الشلل يؤثر على نطقه ونظراته.. استقبلنا د.مصطفى محمود ببشاشة ورحب بصديقه إحسان وحادثه كثيراً.. بعد أسبوع توفى إحسان.. وكان عيد ميلاد د.مصطفى محمود يوم وفاته واحتفل به.
تواصل لوتس: قال لى يومها ما تألمت لسماعه : "إحسان استعمل مخه فى أشياء كثيرة تبعده عن الله ولم يُصل ويقترب من الله إلا بعد أن مرض، وما من مفكر استعمل مخه كأداة ضد الخالق إلا أصابه الله فيه". وهنا تستدرك بحزن: ها هو مصطفى محمود يرقد مصاباً فى مخه الذى امتلأ طيلة حياته بالتفكير فى الخالق وعبادته.
وتذكر أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان يبكى بين يديه فى أمسيات كثيرة معترفا بذنوبه ويسأله النصيحة ليغفر الله له، فكان يقول له إن كل ذنب ارتكبه رده الله إليه مضاعفا بالعقاب.
وتضيف: كانت الملكة فريدة ملكة مصر السابقة تتابع باهتمام بالغ برنامجه التليفزيونى (العلم والإيمان) وبعدها تتصل به تليفونيا لتستفسر منه عما غمض عليها فهمه أو عن حشرة غريبة أو حيوان أو قطعة من الخشب، وكانت تلجأ إليه فى أيامها الأخيرة لتسأله شرحاً لبعض ما ورد بالقرآن الكريم، وذات يوم استيقظت صباحا مذعورة تقول لى إنها وجدت خاتمها مكسورا وكان عليه صورة الملك فاروق ولم تكن تخلعه أبداً من أصبعها، وطلبت منى الاتصال بالدكتور مصطفى لسؤاله إذا كان هذا من تأثير السحر، فأجابها ضاحكاً بأن الكسر ليس بسبب السحر وأن من الخير لها أن تخلعه وتتبرع به ولم تقبل.
فراج اسماعيل
المصدر: العربية نت
إضافة تعليق جديد