إدارة أوباما محبطة من نتنياهو: الاستيطان والجولان.. وحلّ الدولتين
وجّه نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، انتقادات حادّة للسياسة الاستيطانيّة الإسرائيليّة، محذّراً من أنَّها تقضي على حلّ الدولتين. كما ردّت واشنطن على إعلان رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو أنَّ هضبة الجولان السوريّة المحتلة أرض إسرائيليّة للأبد، بتأكيدها أنَّ هذه أرض محتلّة، وأنَّها لا تعترف بغير ذلك. وفي هذه الأثناء، كشف نتنياهو النقاب عن أنَّ الخلافات مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن المساعدات العسكريّة السنوية للعقد المقبل، لا تزال تواجه «ثغرات كبيرة».
وفي إشارة واضحة إلى تردّي مكانة حكومة نتنياهو لدى الإدارة الأميركيّة، شنّ بايدن حملةً شديدة على السياسة الإسرائيليّة. وقال إنَّ لدى إدارته «إحباطاً هائلاً» من هذه السياسة. وبعبارات بدت استثنائيّة وشديدة، تحدّث بايدن، أمام مأدبة عشاء احتفالية للوبي اليهودي ـ الليبرالي في أميركا، «جي سـتريــت»، ضـدّ حكومـة نتنـياهـو وسياستها الاستيطانيّة. وقال إنَّ «السياسة المنهجيّة والمتواصلة لتوسيع الاستيطان، وتسويغ المواقع الاستيطانيّة ومصادرة الأراضي، تدفع إسرائيل نحو الاتّجاه غير الصحيح لواقع دولة واحدة، وهذا اتّجاه خطير».
ولا تنظر إسرائيل بخطورة فقط إلى ما قاله بايدن في تلك المأدبة، وإنَّما ترى الخطر أيضاً في مجرّد احتضان إدارة أوباما لهذا اللوبي اليهودي - الليبرالي الذي نشأ مناهضاً للوبي الصهيوني «إيباك»، الداعم، بلا تحفّظ، لسياسات اليمين الإسرائيلي. وكثيراً ما أبدت حكومة إسرائيل الحاليّة تحفّظاتها من منظمة «جي ستريت»، واتهمتها باليساريّة. وازداد عداء حكومة نتنياهو لـ «جي ستريت» بسبب دعوتها لسلام عادل مع الفلسطينيّين يقوم على حلّ الدولتين، ثمّ وقوفها إلى جانب إدارة أوباما لتمرير الاتّفاق النووي مع إيران. وقد شكرت إدارة أوباما قيادة هذه المنظّمة وفرعها الطلّابي على جهودهم. واستقبل أوباما، يوم الجمعة الماضي، وفداً منهم في البيت الأبيض. واعترف بايدن في مأدبة العشاء، بأنَّ «جي ستريت تستحقّ تسجيل الكثير من الفضل لها في تمرير الاتفاق في الكونغرس»، مضيفاً «لقد أحلتم العالم الى مكان أكثر أمناً».
وفي العشاء أيضاً، امتدح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، منظومة «جي ستريت» ودورها في تمرير الاتّفاق النووي مع إيران في الكونغرس. وقال إنّه خلافاً للمزاعم التي تحدّثت عن أنَّ رفع العقوبات سيضخّ على إيران 150 مليار دولار، فإنَّ التقديرات الأميركيّة تشير إلى حوالي 55 مليار دولار، لم تحصل إيران سوى على ثلاثة مليارات منها، حتى الآن.
وأيضاً خلافاً لما تريده حكومة نتنياهو، أكَّد كيري استمرار تعهّد إدارته بمواصلة العمل من أجل حلّ الدولتين خلال الأشهر التسعة المتبقية من ولايتها. وقال إنَّ «أيّ حل آخر، لن تبقى فيه إسرائيل لا دولة ديموقراطية ولا دولة يهوديّة. وهذا واضح لنا». وكان بايدن قد ذهب في هذه النقطة أبعد من ذلك بتأكيده أنَّ غياب حلّ الدولتين سيعرّض وجود إسرائيل ذاته للخطر.
وأشار بايدن إلى المساعدة التي لم يسبق لها مثيل التي تقدّمها أميركا لإسرائيل، موضحاً أنَّه منذ العام 2009، أعطت إدارته إسرائيل ثلاثة مليارات دولار «زيادة على المساعدة الاعتيادية»، من أجل تحسين قدرات الدفاع الصاروخي في إسرائيل. وتحدّث عن المفاوضات الجارية حالياً من أجل التوقيع على مذكّرة تفاهم جديدة بشأن المساعدة الأمنيّة لإسرائيل، وقال إنَّ إسرائيل قد لا تنال كلّ ما تطلب، لكنّها تنال كل ما تحتاج إليه.
وفي مقابلة مع المراسلين السياسيين في وسائل الإعلام الإسرائيليّة، أقرّ نتنياهو بوجود خلافات جوهريّة مع إدارة أوباما في المفاوضات من أجل الاتّفاق على المساعدة العسكريّة السنوية للعقد المقبل. ومعروف أنَّ نتنياهو طالب بأن لا تقلّ المساعدة عن خمسة مليارات دولار سنوياً، فيما لا تقبل إدارة أوباما سوى بزيادة بسيطة على مبلغ الثلاثة مليارات دولار الذي كان مقرّراً طوال العقد الفائت. وقال نتنياهو إنّه «بقيت ثغرات كبيرة» في المفاوضات بين إسرائيل وأميركا بشأن اتّفاقية المساعدات الأمنيّة. وأضاف: «نحن في داخل سيرورة وآمل أن تنتهي. لقد أدرت عدة مفاوضات كوزير للمالية، والأمر يتطلّب الصبر. وسأفرح جداً إذا توصّلت لاتّفاق مع الرئيس أوباما، وآمل أن تتقلّص الفجوات من أجل السماح بذلك».
ومعروف أنَّ المفاوضات حول المساعدات العسكريّة لإسرائيل، تصطدم بدرجات من انعدام الثقة التي تراكمت على مرّ السنين بين نتنياهو وإدارة أوباما. وقد خاض نتنياهو معارك ضارية في الحلبة الداخليّة الأميركيّة ضدّ أوباما، سواء من أجل منع انتخابه أو لمعارضة سياساته، خصوصاً بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وفي سياق معارضته للاتّفاق مع إيران، رفض نتنياهو عروضاً للتفاوض على رزمة مساعدات سخيّة حتى لا يقال إنَّ العلاقات جيدة مع إدارة أوباما. وبعدما أفلحت الإدارة الأميركيّة في تمرير الاتّفاق في الكونغرس، برغم جهود نتنياهو وأنصاره الجمهوريّين، رفضت العودة إلى عروضها السخية السابقة، ليبقى نتنياهو عالقاً على شجرة مطالباته بمبالغ كبيرة.
وكانت الإدارة الأميركيّة قد وجّهت صفعة قويّة لنتنياهو إثر الاستعراض الذي قام به بعقد اجتماع لحكومته في هضبة الجولان السوريّة المحتلّة وإعلانه أنَّ إسرائيل لن تعيدها أبداً لسوريا. وبدا من كلام المسؤولين الأميركيّين أنَّ رسالة نتنياهو ومطالبته العالم بالاعتراف بذلك، لا تجد آذاناً صاغية ولا متفهّمة. وقد سارع المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركيّة، جون كيربي، لتوضيح أنَّ الولايات المتحدة ليست بصدد تغيير موقفها بشأن الجولان. كما أوضح أنَّ أميركا حدّدت منذ العام 1981، حينما أعلنت إسرائيل رسمياً ضمّ الهضبة إلى أراضيها، موقفها المعارض بشدّة لذلك، وأنّها وافقت في مجلس الأمن الدولي على قرار ضدّ ذلك. وظلّت الإدارة الأميركيّة تعلن طوال الوقت أنَّ الهضبة السورية أرض محتلّة، وأنّها لا تختلف في ذلك عن باقي الأراضي التي احتلتها إسرائيل العام 1967.
تجدر الإشارة إلى أن الصديقة الكبرى الثانية لإسرائيل، ألمانيا، كانت بين أوّل من أوضحت أنّها ترى في الجولان أرضاً محتلّة، وأنَّ كلام نتنياهو لن يغيّر موقفها من ذلك.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد