عام على نكبة الموصل: كيف يعيش أهلها؟
بالرغم من اعتياد العراقيين على مشهد معارك الكر والفر والخضات الأمنية، عقب الاحتلال الأميركي للبلاد في العام 2003، إلا أن خبر سقوط الموصل في أيدي مقاتلي تنظيم «داعش»، كان ولا يزال أكثر المحطات المدوية والمفجعة، ليس للعراقيين فحسب، بل لكل شعوب الوطن العربي، فقد كان واضحاً، بما لا يقبل الشك، أن سقوط المدينة، وتحولها إلى عاصمة لـ «دولة الخلافة» سيشكل مشهداً يغير وجه المنطقة بكاملها.
وبعد عام على السقوط المدوّي لأعرق مدينة عراقية، تبقى الأحداث التي واكبت تلك المرحلة، قبيل دخول «داعش» إليها وحتى يومنا هذا، من أكبر الألغاز التي لم يتم التوصل إلى تفكيكها.
وبالرغم من بدء عمل لجنة التحقيق البرلمانية التي تكفلت منذ أشهر بالعمل على تقديم إجابات واضحة للعراقيين، حول الأطراف التي ساهمت «عن علم وعمد» في حصول هذه الكارثة، وتبيان المكاسب والصفقات التي عقدت في هذا المجال، إلا أن التقرير البرلماني لم يبصر النور حتى الآن.
سياق الأحداث السياسية منذ عام يظهر محاولة من أطراف عدة لاستثمار سقوط الموصل، التي تعد العاصمة الثانية للعراق، بما تحمل من وزن سياسي وشعبي بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المميز.
هذه الأطراف ذاتها تظهر كذلك سعيا لاستثمار عملية «تحريرها» مع اقتراب الاستعدادات في المعسكرات المحيطة بها، والتي سيضطلع «الحشد الوطني» بالدور الرئيسي فيها، بحسب ما يؤكد القائمون عليه.
وفي غمرة الحديث عن الاستعدادات لـ «تحرير» المدينة، والظروف التي يمر بها سكانها في الداخل والخارج، حاولنا استخلاص مجموعة من الشهادات والصور الحية التي قد تلخص المشهد الموصلي بدقة، بعد عام كامل على خضوع المدينة لسطوة مسلحي «داعش».
ويصف خالد الجبوري، وهو أحد شيوخ العشائر في الموصل وأحد وجهائها، احتلال «داعش» للمدينة بـ «اليوم الأسود»، مستذكرا المشهد الذي لا يزال محفورا في عقول العراقيين وذاكرتهم.
يقول الجبوري إن «احتلال داعش للموصل في هذا اليوم الأسود لم يؤدّ إلا إلى معاناة الموصليين الأمرّين من هذا الاحتلال الذي فرضه التنظيم الإجرامي (داعش)، الذي لا يمت إلى الاسلام بأي صلة».
ويستذكر الجبوري كيف قام «داعش» بقتل وإعدام وتهجير الآلاف من أهالي الموصل، وكيف تعمّد تهجير أبناء «المكونات الاخرى كالمسيحيين والايزديين والشبك والتركمان، وهم من أبناء المدينة الذين تعايشوا مع بعضهم البعض لسنوات طويلة».
بعض هؤلاء، بحسب الجبوري، اختاروا البقاء في الموصل، لكنهم «نسبة بسيطة جدا تكاد لا تذكر.. ومعظمهم ممن يملكون ارتباطات قوية بحزب البعث السابق المنحل، وهم من العوائل البعثية ولديهم تعاون مع الدواعش منذ البداية».
ويشرح الجبوري أن «داعش بات ينتهج خطة أخرى الآن، وهي القيام بتصفية أهالي مدينة الموصل، وإعدام وتهجير كل من ساهم وتضامن ودعم التغيير (الاحتلال) في العراق بعد العام 2003»، مشيراً الى انه «لم يبق في مدينة الموصل سوى الناس البسطاء والمستضعفين».
ويوضح الجبوري، في معرض وصفه لأحوال أبناء الموصل، أن «لا قيمة للعيش والحياة في الموصل، فداعش يتعامل مع أهلها على أنهم أسرى»، مبينا أن «هناك حالة من الرفض القاطع للعيش في ظل حكم التنظيم باستثناء المجرمين الذين أيدوا وساهموا بدعمه منذ البداية».
التضييق على حياة الموصليين بات أمراً يومياً وأشبه بالروتين الذي يفرض عناصر «الحسبة» (شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عليهم. ويتحدث الجبوري عن التفاصيل الحياتية اليومية لأبناء المدينة، فالتنظيم المتشدد فرض على أبنائها مثلا «المنع التام لاستخدام أجهزة الاتصالات مثل جهاز الخلوي وغيره»، لا بل حدث أن توارت عائلات بكاملها عن الأنظار بسبب استخدامها للهاتف الخلوي، خوفا من «داعش».
وبالإضافة إلى ذلك، يقول الجبوري، «يمنع التنظيم التدخين ويفرض إطلاق اللحية على الرجال، كما يمنع خروج المرأة وحدها، ولا يسمح لها بممارسة المهن باستثناء ما تدعو إليه الحاجة، مثل التدريس والتعليم والصحة، وضمن لباس موحد هو النقاب».
ويلفت شيخ العشيرة الموصلي إلى أن العائلات في المدينة تعاني من وضع اقتصادي ومعيشي صعب للغاية، الأمر الذي دفع بعضهم إلى التعاون مع «داعش»، كما دخل بعضهم ضمن صفوف التنظيم «بسبب الظرف المعيشي المأساوي الذي يعيشونه».
بدورها وصفت النائبة عن محافظة الموصل جميلة العبيدي، الوضع في مدينة الموصل بـ «المتردي»، مؤكدة أن أبناء المدينة يعانون من انخفاض كبير في المستوى المعيشي، وذلك بسبب انقطاع الرواتب عن معظم الموظفين، كما أن الشاحنات التي كانت تدخل إلى الموصل والتي تحمل المواد الغذائية باتت ممنوعة لأسباب أمنية، ما ولد ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الغذائية.
وتصف العبيدي الوضع في الموصل بانتشار «حالات الفقر وتفشي الامراض والأوبئة»، بسبب شح المياه بالدرجة الأولى.
وبحسب مصدر من أبناء المدينة ، فإن تنظيم «داعش» يمنع قطعا خروج المواطنين من الموصل، وهو ينشر الكثير من الحواجز التي تقوم بإعدام أي فرد حاول التسلل إلى الخارج، حتى في أغلب الطرق التي تعد طرقاً «غير رسمية»، ولكنه أوضح أن «بعض العائلات تخرج وتتسلل من المدينة عن طريق الشاحانات الكبيرة المحملة بالأغراض، وهي تقوم بالتخفي داخل البضائع التي تحملها الشاحنات الكبيرة».
ويصف المصدر التدابير التي يسعى تنظيم «داعش» إلى اعتمادها في حال بدء عملية عسكرية من القوات العراقية على المدينة، مشيراً إلى أن التنظيم «يعتقد باستحالة تحرير الموصل»، معولا في ذلك على «استخدام المواطنين العزل كدروع بشرية، وهي الورقة الأخيرة التي يقوم بالضغط فيها على القوات الامنية وعلى الحكومة».
من جهته، يؤكد الجبوري أن أهالي الموصل يتواصلون مع قائد عمليات نينوى المعين حديثا اللواء الركن نجم الجبوري، ويصف الاستعدادات لتحرير المدينة بـ «الجيدة»، لا سيما أن قوات «التحالف الدولي» أبدت رغبتها بالتعاون المباشر في إسناد القطعات الأمنية من خلال الطيران، وتكثيف الضربات الجوية على مواقع التنظيم قبل الدخول في معركة مباشرة معه، وهو ما بات يتكرر مؤخراً.
ويلفت الجبوري إلى أن عدداً كبيرا من أبناء الموصل انضموا إلى الفصائل التي ستعمل على «تحرير المدينة»، ويشير إلى وجود تعاون كبير من أبناء محافظة نينوى مع «الحشد الشعبي»، ويقول إن «هناك عددا كبيرا من أبناء محافظة نينوى انضموا إلى الحشد الشعبي، فبعضهم انضم إلى منظمة بدر وهم يقاتلون منذ أشهر ويتراوح عددهم بحوالي 700 مقاتل، كما أن هناك ما يقارب 300 مقاتل يقاتلون ضمن العصائب (عصائب أهل الحق)، بالإضافة إلى 500 مقاتل انخرطوا ضمن كتائب الامام علي».
ويضيف الجبوري أن «هناك لواءً كاملا من أبناء نينوى يقاتل مع كتائب سيد الشهداء، وهم من أبناء الشبك والتركمان وأهالي سهل نينوى، إضافة إلى 500 مقاتل من المسيحيين ضمن كتائب الكلدان الاشوريين، يقاتلون ضمن كتائب الامام علي، وجميع هولاء المقاتلين يقاتلون مع الحشد الشعبي».
من جانب آخر، تواصل معسكرات «الحشد الوطني» التي أسسها نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وأخوه أثيل بدعم من أنقرة عمليات التدريب لمقاتلين من أبناء المدينة، ويلفت الجبوري إلى أن «هناك تنسيقا عاليا وتعاونا بين عائلة النجيفي (أسامة وأثيل) والاتراك، حيث بعثت الحكومة التركية أربع ناقلات مدرعة لنقل الاشخاص إلى هذه المعسكرات» (معسكر الحشد الوطني).
يوم غيّر وجه العراق
في مثل هذه الأيام، سيطر «داعش» على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، واستتبعت هذه المحطة بسلسلة محطات سياسية وأمنية، بات ما بعدها مختلفا تماماً عما سيلي، خصوصاً أن التنظيم المتشدد تمكن من خلال سيطرته على المدينة المفصلية شمال العراق، من مدّ سيطرته إلى مدن ومحافظات أخرى بالتدرج خلال شهري حزيران وتموز العام الماضي، بالإضافة إلى دخوله مدينة الرمادي، الشهر الماضي.
في ما يأتي بعض المحطات الاساسية على مدى العام الماضي:
في العام 2014:
9 حزيران: بدء هجوم التنظيم على الموصل.
10 حزيران: سقوط الموصل تليها المناطق الاخرى في المحافظة، وتراجع الجيش العراقي فيها. وإعلان رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي التعبئة وتسليح الحكومة للمتطوعين الراغبين بالقتال.
11 حزيران: سقوط مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين.
13 حزيران: المرجع الديني السيد علي السيستاني يصدر فتوى «الجهاد الكفائي» ويدعو العراقيين لحمل السلاح والقتال.
29 حزيران: «داعش» يعلن إقامة «الخلافة الاسلامية» في مناطق سيطرته في سوريا والعراق، وينصب أبو بكر البغدادي «خليفة».
2 آب: «داعش» يشن هجوما جديدا في شمال العراق، ويحاصر الآلاف من ابناء الاقلية الايزيدية في جبل سنجار.
8 آب: الولايات المتحدة تبدأ شن غارات جوية ضد التنظيم، قبل تشكيل «تحالف دولي» لهذا الغرض.
14 آب: تنحي نوري المالكي، وتسمية حيدر العبادي بديلا عنه.
25 تشرين الاول: العبادي يعلن تحقيق أول تقدم للقوات العراقية على حساب «داعش»، باستعادة منطقة جرف الصخر جنوب بغداد.
29 تشرين الأول: «داعش» يعدم المئات من ابناء عشيرة البونمر.
14 تشرين الثاني: القوات العراقية تستعيد السيطرة على مدينة بيجي شمال بغداد وتفك الحصار عن مصفاتها النفطية الاكبر في البلاد.
العام 2015:
25 كانون الثاني: تحرير محافظة ديالى.
2 آذار: القوات العراقية تشن عملية واسعة لاستعادة تكريت.
31 آذار: العبادي يعلن استعادة مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين.
17 نيسان: «داعش» يسيطر على مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار.
سعاد الراشد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد