«القاعدة»: «شارلي إيبدو» نقطة تحول في الصراع

15-01-2015

«القاعدة»: «شارلي إيبدو» نقطة تحول في الصراع

بعد تردد وتخبط ساد بين أفرع تنظيم «القاعدة»، حسم «فرع القاعدة في جزيرة العرب» الأمر، وتبنى في بيان رسمي لا لبس فيه، ما أسماها «غزوة باريس المباركة»، التي استهدفت مقر صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة في العاصمة الفرنسية، معتبراً أنها نقطة تحول في تاريخ الصراع بينه وبين الغرب.
وجاء التبني الرسمي للعملية بعد بيان ضعيف ألقاه «المسؤول الشرعي» للتنظيم الشيخ حارث النظاري، وقد بارك فيه العملية، لكنه لم يعلن صراحة تبنيه لها، كما لم يتطرق إلى ذكر أسماء منفذيها.
وحدث تخبط بين فروع «القاعدة» إزاء مشاركة أحمدي كوليبالي، الذي نسب نفسه إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، خصم «القاعدة» اللدود، بتنفيذ العملية والتنسيق مع الأخوين كواشي، حيث امتنعت «إمارة القوقاز» عن الإشارة في بيانها الصادر لمباركة العملية إلى كوليبالي ودوره في العملية، بينما أشاد بيان «قاعدة المغرب الإسلامي» بمن أسماهم «الفرسان الثلاثة» من دون تسميتهم.عبارة على أحد جدران العاصمة اليمنية صنعاء تقول «القاعدة.. صناعة أميركية» (رويترز)
لكن البيان الجديد الذي صدر عن «قاعدة جزيرة العرب» أمس، وتولى إلقاءه الشيخ علي بن نصر الآنسي، أكد صراحة تبني تنظيمه للعملية، منوهاً بالمنفذين الثلاثة بأسمائهم. وقال الآنسي «إننا في قاعدة الجهاد في جزيرة العرب نتبنى هذه العملية ثأراً للرسول». وأضاف «نوضح للأمة أن الذي اختار الهدف ورسم الخطة وموّل العملية، هي قيادة التنظيم»، مؤكداً أن العملية جاءت تنفيذاً «لأمر أميرنا العام الشيخ أيمن الظواهري» وكذلك «لوصية أسامة بن لادن»، لافتاً إلى أن التنسيق مع قائد العملية كان يتم عبر الشيخ أنور العولقي الذي قُتل في غارة أميركية في العام 2011.
وكان لافتاً أن البيان تحدث عن مرحلة جديدة، وأن العملية هي «نقطة تحول في تاريخ الصراع لها ما بعدها»، داعياً «المسلمين إلى التكاتف والتعاضد لنصرة الدين»، متوعداً الغرب بأنه «ما لكم منا غير الفجائع والأهوال حتى تبحثوا عن الأمن والاستقرار فلا تجدوه، بفعل الانغماسيين وأبطال الجهاد الفردي».
وبدا واضحاً أن مشاركة كوليبالي وتنسيقه مع الأخوين سعيد وشريف كواشي شكلا مفاجأة غير سارة لتنظيم «القاعدة»، الذي كان يفضّل أن تنسب له العملية بأكملها، من دون أن يتمكن خصمه اللدود «داعش» من مشاركته في قطف ثمارها. فرغم أن البيان ذكر كوليبالي، المتهم بقتل شرطي فرنسي ومحتجز الرهائن في المتجر، وأشاد به، واصفاً إياه بـ «الأخ المجاهد»، إلا أنه حرص على وضع مسافة بين عمليته والهجوم على «شارلي إيبدو»، حيث نفى البيان ضمناً وجود تنسيق مسبق، معتبراً الأمر مجرد تزامن.
ويناقض ذلك التصريحات التي أدلى بها أحمدي كوليبالي، في مقطع فيديو بث على شبكة الانترنت بعد ساعات من مقتله، حيث شدد على وجود تنسيق بينه وبين الأخوين كواشي، مؤكداً أنه ساهم في تمويل عملية الأخوين عبر إعطائهما مبلغاً يقدر بآلاف اليوروهات ليستكملا العدة التي تلزمهما لتنفيذ العملية، وهو الأمر الذي يزيد من اللبس حول حقيقة العلاقة بين كوليبالي والأخوين كواشي، خصوصاً أن «الدولة الإسلامية»، الذي أعلن كوليبالي انتسابه إليه، لم يصدر حتى الساعة أي بيان نفي أو تأكيد حول ما ورد في مقطع الفيديو.
لكن «داعش» نشر عبر مكتبه الإعلامي في الرقة لقاءات مع بعض عناصره من حملة الجنسية الفرنسية، أو الناطقين بلغتها، علّقوا خلالها على ما أسماه «عمليات فرنسا المباركة». وقال أحدهم «كان ينبغي أن يحدث هذا منذ طويل، لأن الطواغيت في فرنسا وأوروبا يريدون تدمير الاسلام الصحيح وتدمير الخلافة»، مطالباً «الإخوة في أوروبا» بأن «حاولوا أن تقوموا بكل تستطيعون.. اقتلوهم.. اذبحوهم.. أحرقوا سياراتهم ومنازلهم». ودعا الشباب إلى «الهجرة إلى أرض الخلافة»، مشيراً إلى أن تنظيمه سيصل قريباً إلى فرنسا وأوروبا. وطالب المتحدث الثاني «مؤيدي التنظيم» بإثارة أعمال الشغب والإرهاب، بينما اختتم المتحدث الثالث بالمطالبة باستهداف الشرطة لأنهم «كفار».
هذا وبقيت ثغرات لم يتمكن البيان الصادر عن «قاعدة الجزيرة» من ردمها، خاصةً لجهة الفترة الزمنية الطويلة، وهي حوالي ثلاث سنوات بين تنفيذ العملية ومقتل العولقي، الذي قال البيان إنه تولى التنسيق مع قائد العملية، فهل يعني هذا أن التنسيق انقطع بعد مقتله، وأن الأخوين كواشي عملا بعد ذلك من دون تنسيق مع قيادي آخر؟ وبما أن الظواهري هو الذي أصدر شخصياً الأمر بتنفيذ العملية، فلماذا لم يصدر بيان التبني عن القيادة العامة في أفغانستان، أم أن هذا يخالف توجهات حركة «طالبان» التي سعت خلال الفترة الماضية إلى طمأنة الغرب بأنها لا تسمح بأي عمليات ضده انطلاقاً من أراضيها؟
 وبكل الأحوال، فإن تبني «القاعدة» للعملية يعتبر انطلاقة جديدة له بعد سنوات طويلة، لم يقدم فيها على تنفيذ أي عملية ضد المصالح الغربية، بغض النظر عن سبب ذلك، أهو العجز أم عدم وجود قرار.
ودفع شحّ العمليات بالمحللين إلى الحديث عن تراجع دور «القاعدة»، وانزواء قادتها في جبال تورا بورا، بعيداً عن التطورات. وعزز من ذلك أن «القاعدة» تلقى قبل حوالي شهر ونصف الشهر صفعة موجعة، عندما نجحت الغارات الأميركية بقتل مسؤوله عن العمليات الخارجية عدنان شكري جمعة، حيث اعتبر مقتله مؤشراً على انتهاء فاعلية التنظيم خارجياً، علاوة على اغتيال العديد من أبرز قادته خلال الأعوام القليلة الماضية، وعلى رأسهم مؤسسه أسامة بن لادن ومفتيه العام عطية الله الليبي.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...