رسائل بوتين الدبلوماسية

19-05-2014

رسائل بوتين الدبلوماسية

خلال الأسابيع القليلة الماضية أثبتت موسكو امتلاكها القدرة على التمييز ما بين الواقعية و الهستيريا التي ترغب نسبة كبيرة من المراقبين رؤية الكرملين ينجرف نحوها. راهن الكثيرون على انجرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وراء غرائزيته, لكنّه فاجأ الجميع بتمتعه بقدر كبير من العقلانية ظهرت في صياغته لمجموعة من "الرسائل" الهامة. سياسياً, لم يحتضن بوتين "الاستفتاء" الذي نظمه الأوكرانيون - ذوو الأصول الروسية - في دونتسك و لوهانسك, بل طالب بتأجيله؛ بعد التصويت لم تهرول حكومته لقبول الانضمام هاتين المقاطعتين إلى روسيا بل قالت موسكو إنها تحترم نتيجة الاستفتاء و دعت إلى حل المسألة عبر التفاوض مع حكومة كييف. عسكرياً, على الرغم من تواجد القوات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا و قيامها بالعديد من الأعمال العسكرية في المنطقة هناك, إلا أنّ بوتين لم يُصدر أوامره أبداً باقتحام شرق أوكرانيا المضطرب, بل طلب من الأوكرانيين هناك الموافقة على سحب القوات الروسية من الحدود, بالإضافة إلى أنّ الجيش الروسي استثنى في عرضه العسكري الأخير صواريخ /إس500/ و دبابات /تي 102/ و اكتفى بإبراز الصواريخ الفضائية ذات المدى /400 كم/ المخصصة لإسقاط الأقمار الصناعية.
تخضع جملة الرسائل الروسية هذه إلى تفسيرات متباينة. هذا ما بدا واضحاً في البيت الأبيض. هناك تبدو حرارة المشهد مرتفعة. الكثير من الشواهد تدعو للاعتقاد بوجود صراع الأجهزة ضمن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. صراع ما بين المحافظين الجدد المولعين بالحروب المهيمنين على وزارة الخارجية من جهة و المحللين السياسيين و خبراء الاستخبارات العسكرية و السي آي ايه المخلصين لأوباما من جهة أخرى. حتى الآن حقق الجناح العقلاني عدة انتصارات؛ مغادرة كلينتون منصب وزارة الخارجية في الولاية الثانية لأوباما و التراجع عن توجيه الضربة الصاروخية لسورية و إنجاز الاتفاق النووي الإيراني. في الشأن الروسي لم تُحسم نتيجة الصراع بعد. يضغط الصقور في واشنطن نحو تجاهل النبرة اللطيفة التي باتت تنتهجها موسكو حول أوكرانيا و عدم التعاطي مع رسائل الرئيس بوتين. بينما يرى العقلاء بأنّه من الأفضل للإدارة الأمريكية أن تنظر لإجراءات الحكومة الروسية على أنّها جزء من مبادرة يحاول بوتين طرحها على أوباما لمنع الأزمة الأوكرانية من التدحرج أكثر خارج السيطرة. و في حين تتضمن مقترحات الصقور توليفةً من فرض المزيد من العقوبات على روسيا مع نشر قوات عسكرية تثير قلق روسيا و تقديم مساعدة عسكرية حاسمة للأوكرانيين, يدفع العقلاء بأنّ الطريقة المثلى لمنع المزيد من التصرفات الروسية الغير مرغوبة هي عدم البدء بفرض المزيد من العقوبات, و أنّ الأعمال العسكرية المثيرة لغضب الدب الروسي ليست بالضرورة أفضل طريقة للحصول على نتائج عندما يكون ما تهدد به الولايات المتحدة هو حربٌ الكل يعلم بأنّها غالباً لن تخوضها.
لن يكون مفاجئاً عدم اتخاذ الإدارة الأمريكية أيّة خطوات و أن تختار "الانتظار" الذي من الممكن أن يمثّل قراراً و أن يكون هاماً بمثابة القيام بشيء. فإدارة الأزمات لا إيجاد الحلول لها هو ما تتقنه الحكومة الأمريكية. يبالغ البعض بإيمانهم بقدرة الحكومة الأمريكية على تشكيل الأحداث في أي مكان في العالم, و تسيير مجريات الأمور وفقاً لهواها و مصالحها. هنا يجب التنبيه إلى عدم صوابية نسب كل ما يحدث في العالم إلى تأثير و نفوذ سياسة الحكومة الأمريكية, فمعظم الأحداث - خصوصاً في الشرق - تتجاوز تأثير الولايات المتحدة و هذا يتضمن العديد من الأحداث الجيدة و السيئة في المنطقة. ليس من المستبعد أن تتخذ الإدارة الأمريكية قراراً بعدم اتخاذ قرار.
ربما كان من الممكن لسيد الكرملين أن يضغط على دعاة الاستفتاء في شرق أوكرانيا و يمنعهم من عقد الاستفتاء, و أن يسحب قواته من الحدود دون استئذان أحد. مهما يكن, فإنّ بوتين يستمتع بملاعبة الغرب بالعصا و الجزرة. على الرغم من إدراك الرئيس بوتين بأنّ جزرةً واحدةً تكفي, إلا أنّه كان سخيّاً جداً. لا أحد يعرف حقيقة ما ينتويه بوتين, و ما هو مبتغاه من حشد قواته المسلحة و إجراء المناورات قرب الحدود. ربما هو نفسه لا يعرف! كل ما يمكن أن يحدث سوف يحدث، والمسألة كلها مسألة وقت فحسب. هناك قصة خلاصتها: "إنّ ما يجعل الرجل رجلاً هو الطريقة التي يُنهي بها الأمور"... تحرير حمص خير دليل على صوابية القصة.
- ملحق من وحي الانتخابات الرئاسية السورية: يربت على خد أوباما ضاحكاً: قلت لي أيام معدودة يا حبيب الماما...


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...