دين الدولة ودين الرئيس
الجمل ـ عبد الله علي: الدولة كشخص معنوي، لا يمكن أن يكون لها دين. لأن فكرة الشخص المعنوي المفترضة قانوناً، لا تقبل إلا الخصائص التي ينبغي توافرها لتحقيق الهدف العملي الكامن وراء تأسيسها. والدين لا يمكن أن يكون من بين هذه الخصائص، لأن هدف الدولة ببساطة هو هدف سياسي وليس ديني، وبالتالي فإن الدساتير التي تنص على أن "دين الدولة الاسلام" هي دساتير قادمة إلينا من عصور الدولة الدينية عندما كان الحاكم يمثل ظل الله على الأرض، وهي الفكرة التي لم تعد مقبولة في عصرنا الحديث الذي يجاهد لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية.
وإذا كان الدستور المصري منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى التعديل الأخير الذي أحدثه المجلس العسكري مؤخراً، بقي محافظاً على نص دين الدولة، فإن الدستور السوري لم يتضمن مثل هذا النص على الإطلاق، وهذا الاختلاف بين الدستورين قد يؤشر على أن مصر لم تستطع الخروج بعد من تحت تأثير الاتجاه الديني الذي كان يريد لها أن تمسك بعمامة الخلافة الاسلامية بعد أن نزعها التركي عن رأسه بعد الحرب العالمية الأولى، فاستمرت منذ ذلك الحين بالإصرار على الاسلام كدين لدولتها.
وسورية رغم غياب النص السابق عن دستور استقلالها، إلا أنها لم تستطع البقاء بعيدة عن تأثيرات الاتجاه الديني في توصيف الدولة. ففي عام 1950 نشأ خلاف كبير حول هذا الموضوع بين الأحزاب السورية وبين رابطة علماء المسلمين، وللأسف انتهى الخلاف بوضع نص المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن: (دين رئيس الجمهورية الاسلام) وذلك كحل وسط بين الطرفين. إذ من ناحية تم تجنب إضفاء طابع ديني على الدولة، ومن ناحية ثانية تم إرضاء الأغلبية المسلمة من خلال حصر منصب رئاسة الجمهورية بها دون غيرها.
وقد استمرت الدساتير اللاحقة في تبني نص هذه المادة مضموناً ورقماً حتى الوقت الحاضر.
"دين رئيس الجمهورية الاسلام"!!! رغم أن صياغة المادة توحي بأن الاسلام هو مجرد شرط ينبغي توافره في المرشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن وضع هذه المادة ضمن الباب الأول "المبادئ الأساسية" وفي الفصل الأول منه "المبادئ السياسية" الذي تتحدث مواده الاثنا عشر، عن هوية الدولة السورية ونظام الحكم فيها ولغتها وعلمها، أي خصائصها كشخص معنوي، يفرض علينا أن نتساءل عن الفرق بين نص "دين رئيس الجمهورية الاسلام" ونص "دين الدولة الاسلام"، وهل أن النص السوري هو نفسه النص المصري من حيث المضمون، وأن الاختلاف في الشكل فقط؟.
يمكن الإجابة عن هذا السؤال على ضوء هاتين الملاحظتين:
1- كما قلنا سابقاً، فقد اختار واضعو الدستور أن يكون ترتيب المادة الثالثة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية ضمن الفصل الأول الخاص بالمبادئ السياسية الذي خصائص الدولة السورية، بدل أن توضع في الفصل الخاص برئيس الجمهورية وتحديداً في الجزء الذي يتحدث عن الشروط الواجب توافرها في المرشح لرئاسة الجمهورية، وهذا الاختيار لمكان المادة الثالثة لا يمكن فهمه إلا على أنه يحمل دلالات دستورية أهمها أن دين رئيس الجمهورية هو من خصائص الدولة ذاتها وليس مجرد شرط للترشح، أي أن الدستور ينظر إليه ليس على أنه شرط يجب توافره في الشخص الطبيعي المرشح للرئاسة، وإنما على أنه من خصائص مؤسسة الرئاسة التي تمثل الشخص المعنوي للدولة.
2- الآثار العملية المترتبة على كل من النص المصري والنص السوري، متطابقة دون أي اختلاف. فالدولة المصرية التي تدين بالاسلام حسب دستورها، ليست أكثر إسلامية من الدولة السورية التي يدين رئيسها بالاسلام. بمعنى أن كلاًّ من الدولتين السورية والمصرية، رغم اختلاف النصوص، تسيران في نفس المستوى من أسلمة الدولة، إن جاز التعبير، وقد يكون الانتساب إلى منظمة المؤتمر الاسلامي الخاصة بالدول المسلمة خير مثال على ذلك، إذ أن هذا الانتساب تمَّ رغم أن الدستور السوري لا يشير إلى إسلامية الدولة. ومن الممكن أن يثار في وجه هذا المثال حجج كثيرة، إلا أنه أيَّاً كانت تلك الحجج فلا يمكنها تجاهل ما يشكله هذا الانتماء من تصريح بدين الدولة. وإذا أخذنا هذا المثال بدلالته الرمزية، فإننا نتبين على وجه اليقين أن اختلاف النصوص لم يثمر اختلافاً في التطبيق، مما يثبت صحة ملاحظتنا بأنه لا فرق بين النصين إلا من حيث الشكل دون المضمون، وأن اختيار مكان المادة الثالثة في الدستور السوري كان مقصوداً وأنه يعبر كالنص المصري تماماً على أن الدين هو من خصائص الدولة، والفرق الوحيد أن الدستور المصري عبر عن مراده صراحة، بينما لجأ الدستور السوري إلى أسلوب التلميح.
مما سبق، يمكننا وضع الخلاصة التالية وهي أن من يطالب بإلغاء مادة دين الدولة، كان من الأجدر به عدم قبول مادة دين رئيس الجمهورية، لأنه كما أثبتنا أعلاه، لا فرق بين المادتين إلا من حيث الصياغة الشكلية أما الأثر العملي فهو واحد. لذلك يتوجب علينا ونحن على أبواب وضع دستور جديد أن نصحح الخطأ التاريخي الذي وقع به واضعو دستور عام 1950 وتوارثته عنهم كافة الدساتير اللاحقة، وأن نلغي المادة الثالثة من الدستور طالما نحن مقتنعون بضرورة بناء الدولة المدنية.
التعليقات
مع إحترامي لجميع الأديان في
-
دين الدولة
]دين الدولة
الاسلام
أنا مع إلغاء المادة الثالثة
سقيفة بني ساعدة
من غير الممكن بناء دولة
ولغينا المادة الثالثة
أنت تريد وأنا أريد والله يفعل مايريد
ان الحديث عن ان دين الدولة
إضافة تعليق جديد