قَهر حامد أبو زيد

يمثل تمثال أبو الهول تركيبة البشر: نصفه إنسان ونصفه حيوان, عقل وجسد يتجاذبان سلوك الإنسان.. ففي كل كائن حي شيء من الحيوان, غير أن الحيوان الموجود في النمر غير ذاك الموجود في الغزال, والحيوان الموجود في كليهما غير الحيوان الموجود في الإنسان. وإذا حذفنا الحيوان من الحمار أو الحصان فلن يبق منهما شي, ولكن إذا حذفنا الحيوان من الإنسان فسوف يبقى رأس أبو الهول, وأقصد العقل الذي هو رسول السماء المتجدد إلى كائنات الأرض (الناطقة والصائتة) بعدما اختتمت النبوة بشخص النبي الأمين وسيد المرسلين الذي قال (لانبي بعدي) لكن لم يقل (لارسول بعدي) لإدراكه أن العقل هو رسول الرب المتجدد لإصلاح العالم وتطويره, وأن البشر يكونون مسلمين بقدر عنايتهم بالعقل الذي يأنف من النقل وتقليد الآباء, الذين حطم الرسول أصنامهم وجدد كعبتهم, وبالتالي يمكن أن تكون الأمم الآنكلو ساكسونية أوالجرمانية - بالمعنى الرمزي - أكثر إسلاماً وتسليماً من المجتمعات الطالبانية، و قس على ذلك..
إذاً ماذا تفعل السلطات والمجتمعات العربية الإسلامية بعقولها المبدعة؟ هل ترعاها وتعتني بها أم تسجنها وتنفيها كما فعلت بنبيها؟
لن أجيب عن سؤال يعرف جميعكم جوابه, لكني أقترح إنشاء محميات ثقافية في الدّول العربية على غرار المناطق الحرة التجارية, فحماية العقل من التطرف والغباء والاستبداد أساس عبادة الله الذي يشكل (العقل الكلي للكون) ، وعندما نقول بسم الله فإنما نفتتح قراءة العالم بالعقل لنخرج من أُميتنا كما حصل للرسول الأكرم بعد: "اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم.." إلى آخر الآية الكريمة مع التنويه أن القراءة غير التسميع وأن النقل غير العقل الذي يستقطبنا بالإيمان, ونحن في فلكه ندور لنتحرر من الحيوان بالدوران, كراقص المولوية الذي يتّحد مع الله بالدوران حول نفسه بعدما ينعتق من جسده.. كذلك انعتق العقل الجزئي الذي كان يسكن جسد نصر حامد أبو زيد ليتحد بالعقل الكلي بعدما ساهمنا كمسلمين محافظين, ومجددين خائفين, في تراكم طبقات القهر على روح هذا النهر ومحاصرته إلى درجة اختناقه بعلمه ومائه الذي لم يجد من يستحقه أكثر من.. الهولنديين, الذين استقبلوه بعدما رفضناه ونبذناه, نحن الأمة العضوض التي مازالت تخون رسلها وأنبياءها وعقلها ونفسها كما لم يفعل أحد!

 نبيل صالح

نصر حامد أبو زيد جرأة المفكر في مواجهة الغوغاء