عن كرة القدم وروح الشعب
تختزل لعبة كرة القدم حركة التاريخ المعاصر أكثر من أي شيء آخر.. فهي تمثل حروب الأمم غير الدموية ضمن قواعد وشروط وتقاليد متفق عليها ولا يسمح لأحد بخرقها حتى ولو كانت إسرائيل.. أرض المعركة محددة بينما الحكام يراقبون الفرق والمدربون يخترعون الخطط واللاعبون يبدعون في تمرير الكرات وتحقيق الأهداف وكتابة التاريخ الشعبي لمؤيديهم بواسطة كرات جلدية ممتلئة بالهواء وروح الجمهور المتحفز..
فمنذ أول مونديال عالمي, بدأت عموم الناس تستبدل تاريخ النخب السياسية والعسكرية بتاريخها الشخصي, فحولت الحروب التدميرية إلى معارك رمزية, والمآسي الإنسانية إلى متعة رياضية, وقضاة القسوة والسجون إلى حكام للفرح, والقادة العسكريين إلى مدربين, والأبطال التاريخيين إلى لاعبين أسطوريين, كما جعلوا الأقدام تفكر وتعمل بسلاسة ومهارة ضمن قوانين وقواعد كما لم يستطع الزعماء أن يفعلوا بالرؤوس منذ بداية التاريخ السياسي إلى اليوم, ولهذا نلاحظ كيف أن السياسيين يهتمون بلعبة كرة القدم أكثر مما تهتم شعوبهم بألعابهم السياسية.. فكرة القدم هي أهم اكتشاف اجتماعي على الإطلاق, ولم يستطع دين أو قومية أو حزب أن يجمع الناس ويفرقهم أكثر مما تفعل هذه الكرة الجلدية التي استبدلت العصبيات القديمة بأخرى جديدة أشد وأقوى, والخلاف العربي المصري-الجزائري أكبر شاهد على تغيّر نظرية ابن خلدون التي أوردها في مقدمته الاجتماعية الشهيرة.. ذلك أن الحياة نكتة, مضحكة ومؤلمة, ولكنها ممتعة عندما تفوز فيها..
ويبقى السؤال: ما الذي يدفع بفرق بعض الأمم إلى المقدمة دون غيرها, ولماذا لم يصل أي فريق عربي إلى النهائيات منذ أول مونديال إلى اليوم؟
الأمر ليس متعلقا بالتطور التكنولوجي والرخاء الاقتصادي دونما شك, وإنما قد يكون مرتبطا بالتكوين النفسي والروحي لأفراد الشعب.. فنحن العرب مازالت روح البداوة والنزعة الفردية متأصلة فينا, وليس لدينا ما يسمى بروح الفريق, بدءا بالمجالس البلدية ومرورا بالمؤسسات الدينية وانتهاء بالأحزاب والفرق الكروية والجمعيات الخيرية.. وهذا أمر ليس جيدا ولا سيئا ولكنة واقع, وهو واقع غير مساعد لنجاح أي فريق في غياب روح التعاون التي نلاحظها عند أمم متخلفة أكثر منا, كشعوب أميركا اللاتينية، ولكنها تتميز عنا بتوفر مكونات اجتماعية وثقافية تمهد الأرض المناسبة لبذرة التعاون, هذا إن صحت قراءتنا لرواياتهم المترجمة ورؤيتنا لكرنفالاتهم المنظمة, إذ نلاحظ شيئا سحريا وغامضا وشديد الترابط في علاقات الأفراد ببعضهم, بينما في مجتمعاتنا ما يزال جينوم البدوي يتلجلج في شيفرتنا, حيث في لاشعور كل فرد بيننا فارس بدوي يمتطي حصانه متشوقا لإنجاز بطولة ما تحقق له وجوده الفردي عبر إلغاء الآخر.. ولهذا يتوفر لدينا لاعب ماهر ولكن ليس لدينا فرق كروية ماهرة.. ويظهر هذا اللاعب الماهر أكثر عندما يلعب لصالح فرق كروية أجنبية تعمل بمبدأ: (الواحد للجميع والجميع للواحد).. وهذي ثقافة الفرسان الأوربيين الأربعة الذين يغيرون النظام السياسي وليست ثقافة البطل العربي الواحد الذي يقوم بالانقلاب على الجميع.. ويمكن تعميم ذلك على عمل الشركات والمؤسسات والجماعات والأحزاب والوزارات العربية التي لا تتقن إنتاج الشريك بقدر ما تنتج منافسا ينازع الآخرين ويخرب العمل الذي جاء به المؤسس الأول, والتاريخ يشهد منذ الانقسام الكبير تحت سقيفة بني سعد وحتى الانقسامات تحت سقيفة الجامعة العربية, ليبقى شعار الوحدة مجرد كلمة نحلم بها وتحققها غيرنا من الأمم (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).. وسيبقى الاتحاد العربي والفريق العربي مجرد حلم طالما أن روح التعاون والتشاركية ميتة ولا أحد يشتغل على بعثها, وطالما أن مربينا لا يعلموننا أن قدم المرء ورأسه لن يوصلا الكرة إلى المرمى إلا بالتعاون مع رؤوس وأقدام باقي الفريق.. إنه شيء مفقود في التربية وليس في الوعظ الأخلاقي, حيث المعلم يعظ لأجل الأستذة وإثارة الاحترام أكثر مما يعمل لمد الجسور بين النفوس على ملعب الوطن والحارة والأسرة..
نبيل صالح
نكتة: كان الفلاح حميدان القط يحتضر عندما جمع أولاده الثلاثة ليعطيهم حكمته الأخيرة حول التعاون.. أعطى كل ولد من أولاده عصا وطلب منه أن يكسرها منفردة ففعلوا.. بعد ذلك أعطى ابنه علوش حزمة من العصي وطلب منه كسرها معا, فكسرها علوش وزحنها ودمرها تدميرا, فقال الأب حانقا: وهلق يا حيوان كيف بدي أشرحلكن حكمة التعاون والتعاضد!؟
التعليقات
معلم
دمشق
وفي رواية أخرى
مدري ليش ذكرني
زدنا
وفي رواية اخرى 2
طرطوس
نحن بحاجة تربية من جديد
ليش هالخاطرة مسموح عليها التعليق
كلامك زينة العقل
إضافة تعليق جديد