طلاب سوريون «يخجلون» من الابداع
كان يزن لا يزال طالباً في المرحلة الإعدادية عندما شهدت دقائق الامتحان الأخير القليلة، على إبداعه في تطوير طريقة جديدة لحل مسألة الرياضيات المطلوبة، طريقة بعيدة من الأسلوب التقليدي ومختزَلة جداً!
سارع الصبي بعد انتهاء الامتحان إلى إبلاغ مدرسيه وزملائه بالنتيجة التي حققها. رسم إبداعه على ورقة بيضاء صغيرة، وابتسامة النصر تكاد لا تفارق وجهه. «أذكر كيف كانت عينا أستاذ الرياضيات تتسعان، بينما أشرح له المعادلات المتلاحقة التي استخدمتها»، يروي يزن متذكراً بفخر واعتزاز. «قرأ طريقتي مرات، وفي كل مرة كانت دهشته تكبر. ثم صمت برهة، قبل أن يقول إن هذه الطريقة قد تكون منطقية، لكنها ليست ضمن المنهاج، وبالتالي، لا يمكن اعتبارها».
«ليست صحيحة؟!» صرخ الصبي الذكي خائباً، «ولكني توصلت إلى النتيجة المطلوبة...». ولم تنفع استجداءات يزن في تغيير سلّم التصحيح المحدد مسبقاً.خسر العلامات العشر الخاصة بهذه المسألة، وخسر معها حماسته للإبداع، بل وأصبح محط سخرية زملاء وزميلات كثر. ويضيف يزن باستهزاء: «لن أنسى كيف لامني أستاذي مستنكراً رغبتي في اختراع طريقة جديدة، بدل الطرق المعهودة في الكتاب، جاعلاً من حكايتي هذه تسلية لكثيرين من زملائي، طوال العام الدراسي. حتى أنهم أطلقوا عليّ لقب «أينشتاين العرب»«.
تابع يزن دراسته في الرياضيات نتيجة إصرار أهله الذين ثابروا على تشجيعه وتطوير قدراته. وبعد أن تخرج متفوقاً، نال منحة تقدمها جامعة أوروبية كبيرة للطلاب المبدعين. وهو اليوم على وشك نيل درجة الدكتوراه. ولا يفكر أبداً بالعودة إلى «هذا البلد الذي لا مكان فيه للمبدعين»، كما يقول.
حكاية يزن تشبه حكايات كثير من الطلاب الأذكياء الذين أجبروا على دفن بذرة إبداعهم، تحت وطأة النظام التعليمي الأحادي الجانب، الذي لا يترك مجالاً لحرية التفكير.
«البصم (الحفظ عن ظهر قلب) هو مفتاح النجاح»، يؤكد سامر، وهو طالب في المرحلة الثانوية، «لماذا أهدر وقتي في التفكير، طالما أني لن آخذ ولا علامة زيادة إذا فكرت. بالعكس يمكن أن تؤدي أفكاري العظيمة إلى تدهور علاماتي». وتعقب زميلته سمر: «سأترك الإبداع والاختراع لأصحابهما، للطلاب فئران الدراسة الذين يحتلون دائماً المقاعد الأولى في الصف، ويحرصون على أن لا يفوتوا كلمة من شرح الأستاذ. أنا حقاً أخجل أن أكون واحدة منهم. وحتى لو أمتلكت القدرة، لن أسمح لقدرتي بأن تجعلني محط سخرية صديقاتي. الكل ينظر إلى الطالب المتفوق على أنه غبي اجتماعياً. ثم أني لن أكسب من الدراسة الزائدة في النهاية، سوى نظّارات سميكة ومضحكة!».
والحق أن الفرق شاسع بين أولئك الشطار، أصحاب المقاعد الأولى، وبين الأطفال المبدعين، إذ أن التصنيف هنا ليس قابلاً للمقارنة، خصوصاً أن الطالب الأول والمتفوق في مدارسنا هو القادر على الحفظ أكثر، وعلى «نقش» إجابات الكتاب نفسها على ورقة الامتحان فيجمع بالتالي علامات كاملة.
«طلاب كثر كانوا مشاغبين في صفي، هم اليوم ناجحون جداً في حياتهم المهنية»، تؤكد إحدى مدرّسات المرحلة الثانوية: «انتهى الأمر بكثير من المتفوقين في السلك التعليمي. وهذا يدل على أننا نحرم الطلاب الأذكياء حقهم في التميز، من خلال معايير قاسية صارمة تعتمد على الحفظ ولو من دون فهم».
يوافق بعضهم هذا الرأي، بينما يجد مدرسون آخرون أن المشكلة ليست في النظام التعليمي وحسب، بل «في قلة الحوافز التي تدفع الطالب لتشغيل عقله، وتحثّه على التميز، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواد علمية، أصبحت بالية منسية»، كما يقول أستاذ في المرحلة الإعدادية، ليشير إلى النزعة العامة الجديدة نحو علوم الكومبيوتر والإنترنت، «في حين تُهمل الرياضيات وغيرها من العلوم. الوضع الاقتصادي هو السبب، وسوق العمل اليوم تتحكّم في خيارات الطلاب وتحد من إبداعهم».
وفي الواقع، تتناقص أعداد الطلاب في كليات العلوم والرياضيات في شكل لافت، بينما تتزايد في كليات الكومبيوتر والاقتصاد وغيرهما من الاختصاصات المطلوبة في السوق. ويبقى أصحاب الحالات الخاصة، مثل يزن، من الذين يختارون المخاطرة في الانتساب إلى اختصاصات علمية بحتة.
بيسان البني
المصدر: الحياة
التعليقات
mafia laws
أعتقد أن مسألة
إضافة تعليق جديد