18 أغنية للفرقة السورية تتهكّم على الهمّ السياسي ببصيص أمل
في اليوم ذاته الذي لم يعد لفرقة «كلنا سوا» ما تفعله، بعدما صار ألبومها الثالث في عهدة النسخ والطباعة، حدث أمر استنفر الجميع. ففي منتصف كانون الاول (ديسمبر) الماضي، دخل حذاء منتظر الزيدي «التاريخ»! عملها مكتمل، وهو ألبومها الاضخم الذي يضم 18 أغنية. أوقفت الفرقة كل شيء، كما يروي أحد أعضائها أياد الريماوي، «لأن الحدث جاء كأنه مفصل للالبوم الجديد»، ليدخل على شكل فاصل إذاعي تهكمي يسبق أغنية، بعد تعليق لمراسلة «سي ان ان» وهي تقول: «احد الصحافيين انتفض ورمى حذاءه على الرئيس».
تقدّم فرقة «كلنا سوا» ألبومها الجديد بإخراج مبتكر. الاعلان عنه كان ملعوباً ليحدث التباساً، إذ تعلن اللوحة الإعلانية في الشوارع عن «اذاعة كلنا سوا (بدون تردد)»، الى جانب رجل مبهم الهيئة يجلس على كرسي، والراديو على طاولة بجانبه. عند سماع الالبوم يتضح ان هذا اللعب لم يكن لمجرد الاعلان اللافت. العمل الجديد مشغول ليبدو كفترة مقتطعة من بث إذاعي. يبدأ بالاعلان عن بدء البث، والتجهيز له، وتليه شارة الاذاعة، «اذاعة كلنا سوا... بدون تردد»، وهي الاغنية الاولى.
وهكذا، هناك فواصل اذاعية بين الاغاني، تمهد للاغاني التي تليها وتربطها بموضوع. وتأتي فواصل إذاعية أخرى من أجواء البث الحي، لتقدم دراما تتخلله.
ترتيب أغاني الالبوم بحد ذاته، يخدم طريقة إخراجه. تبدو مواضيع الاغاني متسلسلة زمنياً وموضوعياً. الى حد ما هو رصد لقصة واحدة تتطور. ويذكر هنا أن الهمّ السياسي، بخصوصية كلمات الفرقة وأسلوبها، يطغى على معظم الاغاني. البداية من أحداث 11 ايلول (سبتمبر) مع أغنية «يوم اللي تغير العالم»، إذ يسخر المغني من انه لم يفهم عندما كان يحلم في سريره، أن العالم يتغير.
وبعدما تغير العالم، تأخذ الاغاني في رصد هذا التغير، والتعليق عليه بين أفعال الحرب والاقوال الوردية التي استهلتها. أما معلن هذه الحرب، ومن لا يزال يقودها، فله «حصة الاسد» من السخرية. ولذلك بدا «الحذاء التاريخي» مفصلاً للألبوم.
تحضر أغان عن غير موضوع الحرب. اغان عن الحب والانتظار، وعن تقاسيم شاعر شاب على العيش في دمشق. واما المبرر لحضور هذه الاغاني الاخيرة في الاذاعة، فيأتي من الفواصل الاذاعية، مثل المستمعة التي تتصل بالاذاعة لتطلب إهداء أغنية لحبيبها. وهناك مستمع يتصل، ولكن ينقطع الخط، فتقول المذيعة انه من «غزة». يتبع هذا الفاصل أغنية مكتوبة ومهداة الى «اهلنا في قطاع غزة». انها أغنية «كل يوم بقول» التي تتمنى ان يكون الغد أفضل قليلاً، ولو قليلاً جداً، لكن وسط كل الخيبات، يصبح كل التمني أن يكون هذا الغد أقل سوءاً. لو أقل بقليل، مما سبقه.
ووسط سخرية واسعة الطيف، تقدم الفرقة أغنية «نشرة الاخبار» عن الاعلام «اللي عنده مية طريقة/ لحتى يخبي النص الثاني من الحقيقية».
بكثير من المتعة، والحيوية، تعيد «كلنا سوا» تشكيل الهمّ السياسي، الحاضر الابرز في ألبومها الجديد. ولا تترك الباب مغلقاً، فهي الى جانب الاغاني الساخرة والساخطة، تتبنى في الاغنية الاخيرة «رايح ع الجنوب» خلاصة ان «المقاومة هي بصيص الأمل في هذا النفق الطويل» على حد تعبير أياد الريماوي.
الانماط الموسيقية التي اختارتها الفرقة لألحانها متنوعة. من الروك وتدرجاته، الى أجواء الجاز، وصولاً الى التخت الشرقي. انها أغان يجد سامعها نفسه يتمتم كلمات ولحن أكثر من أغنية، بعد سماع الالبوم للمرة الاولى. ومن الاغاني اللافتة الجديدة للفرقة، وتستقيها من مثال واقعي، أغنية «أنا إرهابي». يقول الريماوي ان هذه الاغنية تأتي ترجمة فنية لقصة حصلت فعلاً مع الفرقة، قبل جولتها على 20 ولاية أميركية عام 2004، وعلى خلفية مقال لصحافيّة أميركية عن عازفين عرب كانوا معها على متن الطائرة ذاتها، سرت اشاعة قوية هناك بأن الفرقة كانت «تخطط لخطف طائرة أميركية متجهة الى لاس فيغاس». وفي الاغنية تتهكم الفرقة من تلك الاشاعة: «انا ارهابي لكن طيب بعزفلك قبل ما تموت/ سماع آخر لحن بحياتك وحتسافر معنا مبسوط»!
كتابة كلمات الاغاني (وهي تجربة مضيئة في التأليف المعاصر) والتلحين الذي يجعل الاذن تستمتع بأغان هامسة على أهمية ما تقوله، فضلاً عن العزف والغناء، كل ذلك يقوم به اعضاء الفرقة: اياد الريماوي وأيهم العاني (غيتار، غناء)، بشار موسى وسونيا بيطار (غناء)، حازم العاني ومروان نخلة (بيانو - كيبوورد)، رافل حفار (باص، غيتار)، نزار عمران ونادر عيسى (نحاسيات)، اضافة الى سيمون مريش وناصر حمدي (ايقاع).
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد