هيثم حقي:محمود درويش صديقي وأنا معني بالمسلسل الذي سيتناول حياته
أكد المخرج هيثم حقي أنه معني بالمسلسل الذي سيتناول سيرة حياة الشاعر الراحل محمود درويش وكشف أنه قد جرت بالفعل نقاشات مبدئية مع صاحب المشروع الفنان والمنتج فراس إبراهيم، واشترط حقي أن يكون له علاقة بالإنتاج لكي يقدم على إخراجه. واعتبر حقي مسألة عمل المخرجين السوريين في مصر «ظاهرة إيجابية جداً..» وأكد أن مشروعه الإخراجي لم يتوقف يوماً كما تحدث عن مشروعه الجديد «حي الورد» وهو فيلم سينمائي يرصد مشاركة المرأة السورية في المحاولة النهضوية التي جرت في بداية القرن العشرين، كما تطرق الحوار مع هيثم حقي لقضايا أخرى تخص الدراما السورية وهو أقدر من يتحدث عنها وخاصة أنه من أوائل الذين نهضوا بها في عقد الثمانينيات من القرن الماضي منتجاً ومخرجاً، وقدم عشرات المسلسلات التي تعد اليوم منارات في طريق هذه الدراما ومثلما كانت له اليد الطولى في ازدهار الدراما التلفزيونية السورية فإن المخرج هيثم حقي قد بدأ الخطوات الأولى للتأسيس لنهضة سينمائية يراها ممكنة في سورية.
بدأت التحضير لفيلم جديد عنوانه «حي الورد» يأتي ضمن مشروع بدأته ويبحث في النقاط المضيئة بمسيرة التجديد في سورية، ما المحاور الرئيسية في الفيلم؟.
مشروعي الذي عملت عليه كثيراً هو ما سميته النهضة المجهضة. أي محاولة السوريين وأبناء منطقة بلاد الشام عموماً النهوض ثم تلقي ضربة تجهض هذا النهوض. وقد حققت ذلك عبر أعمال تلفزيونية عديدة مثل «عز الدين القسام»، «هجرة القلوب إلى القلوب» «خان الحرير»، «الثريا»، «الأيام المتمردة».. إلخ. وقد حاولت في مسلسل بيئي دمشقي تجري أحداثه نهاية القرن التاسع عشر مطلع القرن العشرين، عرض عليّ إخراجه، أن أدخل خطاً نهضوياً اجتهدت أن تكون له حكاية إنسانية جميلة تتناسب مع الجو الحكائي لأعمال البيئة الشامية. لكن الكاتب والجهة المنتجة لم يوافقا على ذلك. فانسحبت من العمل، واستفدت من الحكاية التي أضفتها لكتابة سيناريو لفيلم سينمائي طويل يتناول هذه المرحلة، مع تقديم شخصية نهضوية نسائية استطاعت أن يكون لها حضور مؤثر في الصحافة بداية القرن العشرين. وأحاول في السيناريو أن أرصد مشاركة المرأة في المحاولة النهضوية الهامة التي جرت نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين بمساعدة رجال كانوا يؤمنون بقضية تحرر المرأة في وقت مبكر. وتمثّلت في المشروع شخصيات كان لها أثر كبير في تلك المحاولة مثل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر وماري عجمي. الفيلم هو ضمن مشروعي السينمائي الذي بدأته، من خلال شركة Reelfilms التي أديرها لمصلحة أوربت، بفيلمي «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» وأتبعته بأفلام «بصرة»، «الليل الطويل»، «رقصة النسر». وأنا كما تعلم أعوّل على هذا المشروع لبدء نهضة سينمائية ممكنة في سورية.
إلى أي درجة تستطيع السينما أن تكون أداة تجديد؟
تستطيع السينما التجديد بسبب إمكانياتها الإنتاجية التي تفوق إمكانيات الدراما التلفزيونية بأضعاف مضاعفة. ويكفي أن تعلم أن ساعة ونصف الساعة التي هي مدة الفيلم السينمائي، يستغرق تصويرها 6 أيام في الإنتاج التلفزيوني، في حين يستغرق تصويرها في السينما 36 يوماً على الأقل. وبالتالي فإن سعينا نحو اللغة السينمائية الراقية، أي التجديد والتطوير، لديه حظوظ أكبر في الفيلم السينمائي منه في العمل الدرامي التلفزيوني. رغم كل ما وصلنا إليه من مستوى عالٍ للغة السينمائية في الدراما التلفزيونية السورية. وهناك نقطة هامة تشكل حافزاً لتطوير صناعة الفيلم السينمائي في بلدنا، هي أن الفيلم السينمائي يستطيع الخروج إلى السوق العالمية، الأمر الذي فعلته الدراما التلفزيونية بشكل ضئيل وفي حالات خاصة جداً، لكن التجديد في السينما والتلفزيون يحتاج إلى حرية تعبير، وتغيير في العقلية الرقابية. وهذا الموضوع له أهمية خاصة في الفيلم السينمائي الذي لا يمكن أن يكون تجديده شكلياً «أي بالمستوى الفني فقط»، فلكي تصل إلى أكبر عدد من المشاهدين الذين عليك أن تجذبهم ليأتوا إليك إلى الصالة السينمائية، عليك أن تقدم موضوعات جديدة وجريئة وتدخل في صلب الحوار المجتمعي الهادف إلى التغيير نحو الأفضل.
كنت مقرباً من الشاعر الراحل محمود درويش، ألا تعتقد أنك معني بالمسلسل المنتظر عن حياته؟
أكثر من معني. أنا مهتم جداً لعدة أسباب: حبي لشعر محمود درويش الذي سبق تعرفي إليه وإعجابي بشخصه والحصول على شرف صداقته. فمحمود كان واحداً من كبار الكبار في العالم. كان شاعراً مجيداً ومجدداً في شعرنا العربي ولا أبالغ إذا وصفته بمتنبي عصرنا. وأنا من عشاق المتنبي وتقديم فيلم عن حياته حلم لا زال يراودني، رغم رحيل شريكي في الحلم الصديق الشاعر المبدع ممدوح عدوان.
إن مسلسلاً عن محمود درويش الشاعر والإنسان يجب أن يكون على مستوى هذه القامة. ولدي كل الثقة بالصديق حسن م. يوسف بأنه أهل لهذه المهمة، وحين يكتمل المشروع يمكن نقاشه. وقد جرت نقاشات مبدئية مع صاحب المشروع الفنان والمنتج فراس إبراهيم. على أن يكون لنا كشركة علاقة بالإنتاج وتقرير كل الأمور المتعلقة بالعمل. وأعتقد أن هذا سيأخذ وقتاً، بالطبع أقل من الوقت الذي أخذه مسلسل «أسمهان» الذي أعجبت بنصه كثيراً، وأعجبت به أكثر بعد تنفيذه. لذا لا أرى مانعاً سواء كنت في المشروع أم لم أكن في إنتاجه، وكلي ثقة بالجهات التي تعمل عليه.
من الجميل أن تفسح المجال للمخرجين الشباب لكي يأخذوا فرصهم، ولكن ألا تعتقد أن العمليات الجراحية الكبرى تحتاج طبيباً مجرباً؟ وأقصد أين المخرج هيثم حقي، وهل طغى عليه المنتج؟
أولا أنا منتج منذ عام 1987، أي منذ أنتجت مسلسل «دائرة النار» وكل الأعمال التي تلت كنت فيها إما منتجاً أو منتجاً منفذا أو على الأقل مشرفاً على الإنتاج. وقد أنتجت لآخرين منذ بداية التسعينيات أي منذ «شبكة العنكبوت» الذي أخرجه مأمون البني. وقد ترافق مشروعي الإنتاجي مع مشروعي الإخراجي وأعتقد أن الأعمال التي أنتجتها خلال العامين الأخيرين تشير إلى استمرار المشروع على الوتيرة نفسها. وسعادتي بوجود المخرجين الشباب «وخاصة أن بعضهم من تلاميذي» هي سعادة كبيرة. فنحن، أقصد جيلنا، قد اجتزنا الطريق الوعر فكيف وقد أصبح ممهداً لا يسير عليه جيل آخر يثبت كل يوم أنه خير خلف؟!. أما عن مشروعي الإخراجي فلم يتوقف يوماً. وكما قلت لك سابقاً فقد كتبت وأخرجت فيلم «التجلي الأخير لغيلان الدمشقي» وكتبت سيناريو فيلم «الليل الطويل» وأحضّر لفيلم «حي الورد» في النصف الثاني من العام الحالي، عدا عن إدارتي لواحدة من أكبر الشركات المنتجة محلياً وعربياً.
كيف ينظر هيثم حقي إلى مسألة عمل المخرجين السوريين في مصر؟
ظاهرة إيجابية جداً، وخاصة إذا أثمرت أعمالاً بمستوى «فاروق»، و«أسمهان» و«شرف فتح الباب».. وغيرها. ولقد كنت أول المخرجين السوريين الذين عملوا في مصر في مسلسل «أحلام في البوابة» الذي كتبه الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة وقامت ببطولته النجمة الكبيرة سميرة أحمد. وقد عانيت كثيراً من صعوبة التجربة القائمة على طريقتين مختلفتين في العمل التلفزيوني. لكن مع دخول بقية المخرجين التجربة أصبح لدينا اليوم اعتراف كامل بأفضلية طريقتنا في التصوير «بكاميرا واحدة وبلغة سينمائية أعلى». حتى إننا شهدنا في الفترة الأخيرة حضوراً ملحوظاً للمخرجين السينمائيين المصريين في الدراما التلفزيونية.
هل صحيح أن المنتج السوري يتحمل أكثر من اللازم من الضرائب ولعدة جهات؟
نعم، والسبب وجود عدة جهات لها علاقة بإقرار العمل التلفزيوني في القطاع الخاص. كما أن المنتج يتحمل عندنا الضرائب المفروضة على الفنانين. ورغم أن هناك نقاشات كثيرة حصلت مع الجهات المعنية. تم فيها تأكيد أهمية هذه الصناعة وأهمية دعمها، وخاصة أنها تقوم بأغلبيتها على الاستثمار الخارجي الذي يدخل للبلد مالاً يصرف في صناعة مشرفة يعمل فيها الآلاف، فإنه لا يزال هناك الكثير من العوائق أمام تقنينها بشكل صحيح. ويحتاج الأمر لدراسة متأنية تفيدنا جميعاً تستفيد من بعض القوانين وتطورها. مثل مرسوم ضريبة الدخل للمبدعين المعمول به منذ عام 1958 والذي يعفي الكاتب والرسام والموسيقي من ضريبة الدخل. ولأن بقية المهن الإبداعية السينمائية والتلفزيونية لم تكن موجودة حينها يمكن القياس على هذا المرسوم مثلاً لرفع كاهل ضريبي عن المنتج. لكن أهم نقطة هي فك اشتباك العلاقة بين نقابة الفنانين ولجنة صناعة السينما. فقد حاولنا جاهدين في اللجنة الوصول إلى صيغ مرضية للجميع وكلما اتفقنا على شيء جاءت إدارة جديدة للنقابة وأعادت فتح الموضوع من جديد وبطريقة مختلفة. وأعتقد أن أهم الحلول هو العمل على إصدار مرسوم بتأسيس اتحاد المنتجين السوريين وهو مشروع قديم عمره سنوات، ويحتاج إلى تفعيل سريع.
هل ترى أن المد المعرفي تراجع في الدراما السورية؟
لم يكن لدي يوماً وهم بإمكانية طغيان الجانب المعرفي على الجانب التجاري من الدراما التلفزيونية أو أي نوع فني أو أدبي. وقد كتبت كثيراً عن هذا الموضوع وتستطيع أن تجد في كتابي «بين السينما والتلفزيون» الكثير من التفاصيل التي تفرق بين ما أعتبره فناً حقيقياً فيه المتعة والمعرفة، فناً يفتح حواراً ويحمل هموم الوطن والمواطن بطريقة فنية عالية، وبين ما أسميه فنا تسلوياً، يبنى على التشويق والتسلية، وينساه المرء بسرعة، ويغيب تأثيره فوراً. لكن رغم أني من أشد المؤيدين للنوع الأول لا أنكر أن النوع الثاني هو السائد في العالم. ولأني بالأصل أهتم بوجود الصناعة الدرامية التلفزيونية أولاً، لا أرى مانعاً من إنتاج هذا النوع التسلوي. فهو يقوّي الصناعة ويحشد لها الجمهور الواسع. وهذا ينطبق على السينما مثلما ينطبق على التلفزيون. وعلى الكتاب مثلما ينطبق على الصحافة وهكذا..
أطلق التلفزيون قناة للدراما، هل ترى أنها ستخدم الدراما السورية؟
بالطبع، فهي ستكون قناة ترويجية لدرامانا. لكنني أتمنى أن تكون أكثر من ذلك، أي أن تكون مساهمة في تطوير الدراما التلفزيونية السورية، وأن تكون فاعلة في مجال الإنتاج غير الخاضع للسوق، وهذا يتطلب ميزانية كبيرة لها، وما أراه الآن أنها لن تستطيع فعل ذلك بسبب ضعف إمكانياتها. حتى إنها لا تستطيع أن تحصل على عرض أول لأي مسلسل لأنها لا تملك مالا للمنافسة في ذلك.
هل تعتقد أن الأزمة المالية العالمية سوف تؤثر في الدراما السورية؟
بالنسبة للتمويل الخارجي، ستنعكس الأزمة العالمية بشكل واضح. فالمحطات والشركات المنتجة الخارجية تلقت ضربة مالية كبيرة. لكن في الوقت نفسه لا تزال المحطات بحاجة إلى إنتاجنا، ولم ينقص عدد المحطات، بل هو في ازدياد. وعلينا أن نراقب لنرى إذا حصل تقليص للقدرة الشرائية للمحطات. وهذا سيظهر بوضوح في موسم رمضان القادم.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد