هكذا بدأت حكاية تغريبة الوعر.. وهكذا تنتهي
«تعبنا والله تعبنا يا أمي.. الأولاد جاعوا والشتوية ع البواب وما ضلّ شي نحرقه لنطبخ عليه أو نطحنه لناكله». هكذا يأتي صوت الحاجّة أم محمد (62 عاماً) من سكان حي الوعر المحاصر في مدينة حمص مهيناً لعناد هذه الحرب بعدما شارفت حكاية الحصار على الانتهاء.
يسكن الحي حالياً ما يقارب الخمسين ألف نسمة، نصفُهم تقريباً من الوافدين، ويعامل موظفو الحي ونساؤه وطلابه معاملةً استثنائية، حيث يُسمح لهم بالدخول والخروج بشكل عادي، كما يُسمح لهم بإدخال كميات قليلة من الخضار، إلّا أنه يمكن الجزم بأن المزاج العام في الوعر اليوم قد تغيّر، وبدأت أصوات العالقين في الداخل تعلو، مطالبةً بإتمام هذه التسوية، لا سيما ان الوضع الإنساني في الداخل آخذٌ بالتدهور المستمر، ولا يقبل التأجيل إلى ما بعد دخول شتاءٍ جديد من دون تدفئة أو غاز أو وقود، وبعد خروج معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة ونفاد كميات الأدوية التي يحتاجها المدنيون والمرضى والأطفال.
وأم محمد هي جدةٌ لـ11 طفلاً، نزحت مع أولادها الخمسة وأحفادها إلى الوعر من منطقة كرم الزيتون أوائل العام 2013 لتعلق داخل الحي بعد حصاره، وهي تترقب اليوم إتمام التسوية وخروج المسلحين من الوعر، مؤكدةً أن «الناس هنا مستضعفون ولا حول لهم ولا قوة، نريد لهذه المأساة أن تنتهي لكنّ سلاحهم كان اقوى من ضعفنا».
مع نهاية العام 2011، شهد الحي نشاطاً في حركة الهجرة والسفر إلى خارج الوعر مع هجرة عكسية للعديد من العائلات المدنية الهاربة من مناطق الاشتباكات في الريف الحمصي أو الأحياء القديمة في المدينة، وبقي الوعر خارج إطار النشاط المسلح العلني حتى نهاية العام 2013 بعدما دفعت حوادث الخطف والاعتداء المتكرر على المنشآت الحكومية والأمنية من قبل مسلحي الحي إلى سحب العناصر الأمنية كافة بعد تأزم الوضع الأمني بشكل متكرر، ما دفع قوات الجيش السوري إلى فرض طوق أمني كامل على الوعر.
ولا تقلّ لهفة العالقين في الداخل للخروج من هذا السجن عن أولئك الذين ينتظرون فتح الطريق للعودة وتفقد منازلهم.
ويروي س. دروبي من أهالي حي الوعر ذكرياته عن يوم مغادرة الوعر قبل أربع سنوات تقريباً. يقول إنه «في نهايات خريف العام 2012، كنت وأخي جالسين نشاهد التلفاز في بيتنا الكائن في الجزيرة الثانية، شارع المعهد الصحيّ، حين سمعنا دويّ انفجارٍ عنيف تلاه إطلاق رصاصٍ مجنون. اعتقدنا لوهلةٍ أنّ القتال يدورُ في بيت الدرج، فالصوتُ كان قريباً للغاية. حدّة ذلك الاشتباك لم تكن مسبوقة، تبادلُ إطلاق النار استمرّ قرابة ربع الساعة، زحفتُ خلالها مع شقيقي باتجاه نقطةٍ بعيدة عن النوافذ التي يُمكن أن يخترقها الموت. اختبأنا في المرحاض، وصرنا نتناقشُ بصوتٍ خفيض محاولين تخمين ما يجري في الخارج. كان المشهدُ سوريالياً للغاية، إذ كدنا نتشاجر ونحنُ نحاول تحديد مُنطلق الرصاص ومُستقرّه. هدأت الأصواتُ فجأة، عدنا باتجاه غرفة الجلوس، لكنّنا لم نجرؤ على رفع رأسينا عن الأرض، وظللنا نشاهد التلفاز ممدّدين على بلاطِ الأرض حتّى غفونا خوفاً وسخرية».
ويتابع دروبي «صباحاً، تبيّن لنا أنّ دويّ الانفجار كان ناتجاً عن قذيفة آر بي جي أطلقها أحدُ مسلّحي الحي باتجاه سطح المستشفى الوطنيّ الجديد، قاصداً النيل من قنّاص المُستشفى. بدا الأمر في غاية السذاجة، فالقذيفة لم تُسقط سوى واحدةٍ من قطعِ سيراميك الواجهة، والمُهاجمون قُتل منهم قرابة ستّة. يومها قرّرنا أن نهجر الحيّ بصورةٍ مؤقّتة، معتقدين أنّ الأمور ستذهب، قريباً، نحو تسويةٍ تُجنّب حيّاً بمواصفات حي الوعر الخرابَ الّذي حلّ بحمص القديمة. نحنُ اليوم في أيلول 2016، بُعيد شهرين اثنين، نكون قد أكملنا أربعة أعوامٍ التغريبة. الأكيد أنّ معالم الوعر قد تبدّلت، والأكيدُ أنّ الحرب لم تكن رؤوفةً بمن لجأ إلى الحيّ وبمن بقي منه من سكّانه الأصليين، لكنّ الأكيد، أيضاً، أنّ ابن الوعر ما زال يرى في حيّه، على الرغم من كل الخراب المُحتمل، وطناً لا يُوازيه سكنٌ بديلٌ في طولِ البلاد وعرضها».
يقع حي الوعر، أو ما كان يُعرف بحمص الجديدة، غربي مدينة حمص السورية، ويعتبر الحيَّ الوحيد في مدينة حمص الذي لم يشهد أي معارك أو اشتباكات مباشرة داخله، لذا تُشكل نسبة الدمار فيه بين خمسة إلى عشرة في المئة فقط، متركزةً على الأطراف في الجزيرة السابعة إلى جانب بعض الأضرار الداخلية في الأبنية.
ويذكر أنه تمّت في الوعر عملية إخلاء سابقة شملت خروج حوالي 300 مسلح في كانون الأول 2015 بعد تنفيذ البند الأول من التسوية التي تقضي بإدخال مساعدات إنسانية وغذائية إلى الحي.
سناء علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد