نمو الاقتصاد لا يكفي لتحسين وضع المواطن المعيشي
في أحد تصريحاته الصحفية, يطمئننا الدكتور ابراهيم العلي مدير المكتب المركزي للإحصاء, أنه يتوقع أن يزيد معدل نمو الاقتصاد السوري في العام 2006 على الرقم الذي تم إعلانه تقديرياً مطلع العام الجاري وكان 5.1 بالمئة, والنمو غير النفطي 6.7%
مع توقعات رسمية أن يصل معدل النمو الاقتصادي في سورية إلى 5.6 بالمئة عام .2007 وهنا نطرح تساؤلاً, هل النمو الاقتصادي سيسهم في تحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري? أم ان الأمر ليس له علاقة بنمو الاقتصاد أو عجزه? وبالمقابل هل نمو القطاع الخاص, يعكس صورة حقيقية لنمو الاقتصاد السوري? أم ان ما يحدث هو تمركز رؤوس الأموال بيد فئة قليلة? من أين تأتي هذه الزيادة المتوقعة في نمو الاقتصاد السوري? مع أن مكاتب الاحصاء الدولية أكدت أن نمو الاقتصاد السوري لا يزيد على 3.1% والتي شكك الدكتور ابراهيم العلي مدير المكتب المركزي للاحصاء بمصداقية هذه الاحصاءات وقال إنها ليست دقيقة, وإن تقارير الخبراء الدوليين قد تكون قريبة من الواقع, وأحياناً بعيدة.
برأي الدكتور الياس نجمة أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق أنه بالإمكان أن نحقق أرقاماً مرتفعة بالنمو, لكنها ستؤدي إلى إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء, لأن المسألة تحتاج إلى شرطين (الشرط اللازم والكافي) فنحن بحاجة إلى النمو ولكن هذا لا يكفي, لعدم وجود توزيع عادل لهذا النمو فعندما يتضاعف الدخل القومي في ظل عدم العدالة في التوزيع يصبح من كان لديه سيارة على سبيل المثال يمتلك سيارتين ومن لا يملك سيارة سيبقى على ما هو عليه.
ومن أجل إعادة توزيع الدخل القومي يؤكد نجمة أنه لابد من اتخاذ سياسات ضريبية تصحيحية, وهذا ما لم نلمسه بل على العكس وجدنا تخفيضات على الدخول الكبيرة من الشركات والعقارات ما أدى إلى لهيب بأسعار العقارات.
معدلات النمو التي تطرح بتلك الأرقام لا يمكن تسميتها حسب الباحث الاقتصادي قدري جميل إلا فقاعات النمو, فمعدل النمو مؤشر له دلالة واحدة, ويشتق في محل واحد هو نمو الدخل الوطني, والنمو يجري فعلياً في القطاعات الاقتصادية الحقيقية كالزراعة - ا لصناعة - النقل - البناء وهي قطاعات الإنتاج المادي, بالإضافة إلى جزء من التجارة الداخلية الذي يخدم الإنتاج. وما يجري هنا إنتاج سلعي, لذلك عندما يقاس النمو الحقيقي يجب أن يقاس بتلك القطاعات ويضيف بأن النمو بحد ذاته في ظل عدم عدالة التوزيع لن يعني اتوماتيكياً تحسن معيشة الناس لأن النمو بهذه الآلية يمكن أن يعني بكل بساطة زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقراً, فهكذا نمو ليس له مستقبل.
بعض الآراء الاقتصادية تقول إن تدني مستوى الدخل ونصيب الفرد فيه يفرض مواجهة معضلة, الاختيار بين تشجيع الاستثمار وإشباع الحاجات الاستهلاكية بالحد الأدنى المقبول لكل أفراد المجتمع, فزيادة الادخار على حساب الاستهلاك تقود إلى الركود وزيادة الاستهلاك على حساب الادخار تؤدي إلى تخفيض القدرة على الاستثمار, وبالتالي تخفيض الإنتاج ما يقود إلى زيادة الاستيراد وهروب القوة الشرائية, أو اللجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل الاستثمارات ما يوقع في فخ المديونية, أو يضطر البلد إلى فتح اقتصاده أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة, وما يترتب على ذلك من تصدير الأرباح إلى الخارج. هذا الكلام ألا يدعو إلى الوقوف والتأمل, بمعدلات النمو الاقتصادي?
الدكتور عامر حسني لطفي وزير الاقتصاد والتجارة قال: إن معدلات النمو علاقتها بإعادة توزيع ا لأرباح أو ما يسمى توزيع الثروة العادلة. وترك لكل باحث اقتصادي أن يقول ما يشاء عن تحليله لتلك الأرقام سلباً أم إيجاباً. وذكر أنه في أكثر البلدان رأسمالية كالولايات المتحدة الأميركية عندما يزداد معدل النمو الاقتصادي, الأغنياء يزدادون غنى والفقراء على ما هم عليه, بل ربما يصلون إلى تحت سقف العوز, فالمسألة ليست بحاجة إلى تنظير.
بالمقابل ما رأي القطاع الخاص, وخاصة أنه يقال إن نموه يعكس صورة حقيقية لنمو الاقتصاد السوري?
غسان القلاع نائب رئيس غرفة التجارة بدمشق يعتبر أن كل عملية تنمية هدفها تحسين الواقع المعيشي للمواطن وبالتالي فإن العلاقة حتمية بين نمو الاقتصاد وتحسين الواقع المعيشي والاجتماعي للمواطن, وإذا لمن يتحقق ذلك فعملية التنمية تكون عاجزة, ويجب أن نعيد قراءة وتحليل مواطن التعثر والفشل, والتنمية الاقتصادية هدفها دفع عملية الإنتاج المادي والخدمي في كافة المجالات بهدف تحقيق نسبة زيادة انتفاعه بالخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبنية التحتية لأنها تشكل جزءاً أساسياً من نفقات معيشته, كما أنه يجب أن ينعكس في تحقيق هذه التنمية نتائج إيجابية على دخل المواطن, إن لم يكن زيادة في الدخل بصورة مباشرة, فعلى الأقل زيادة في كمية السلع التي يمكن الحصول عليها بمتوسط دخله, أي أن حالة تحسن العرض السلعي والخدمي مع وجود طلب متنامٍ يقود لانتعاش وازدهار في الأعمال يشعر به جميع الأفراد بدون استثناء ويتجلى ذلك بتوافر فرص العمل وتنامي الأجور ومواكبتها لاحتياجات المعيشة.
ويقترح القلاع مجموعة من الحلول حتى نجعل هذا التحسن ملموساً من خلال تحقيق نسبة زيادة حقيقية في النمو تغطي نسبة النمو السكاني, ونسبة التضخم, ونسبة تغير الأسعار مع إمكانية وجود فائض للادخار, وهكذا يشعر المواطن أنه انتقل فعلاً إلى وضع أفضل.
ومن وجهة نظر القلاع أن نمو القطاع الخاص الوطني يعكس صورة لنمو الاقتصاد السوري, مع ضرورة إحياء الطبقة الوسطى ودعم القطاع الخاص الوطني لأنه بغيابهما يحصل تمركز رؤوس الأموال بيد فئة قليلة, ويزداد غنى الأغنياء, كما يزداد فقر الفقراء, ويزيد عددهم.
ويحمل الحكومة الدور الأكبر والفاعل في هذا الاتجاه, لأنه يقع العبء عليها في اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع ولها دور قيادي وهام في عملية التنمية.
ميساء العلي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد