نجم في جمهورية رابعة العدوية

20-07-2013

نجم في جمهورية رابعة العدوية

المدهش أنه لم يكن غريباً في ظهوره.
احمد الفيشاوي في اعتصام "رابعة العدوية". اكملت الصور حكاية قديمة (عام 2004).
قلبت في اوراقها واكتشفت مع إعادة النظر خيطاً في تفصيل المشهد الذي نعيشه.
التفاصيل ليست هي الحكاية الآن (قصة زواج عرفي/علاقة جنسية/حمل/رغبة في التخلص من الجنين/فتوى تحل الاجهاض/معركة حول الاحتفاظ بالجنين/شجاعة الفتاة وإصرارها على الدفاع عن حقها وحق ابنتها في مواجهة إنكار بنوة/جولات في المحاكم يحسمها الحمض النووي/انتصار وثورة في عالم العلاقات السرية الذي كان يظلم المرأة فقط/انتهت الحكاية باعتراف الفيشاوي (النجم والعائلة) بالبنت).
كانت القصة محور نميمة أولاً ثم أصبحت صدمة بعد ذلك. فالبطل (أحمد الفيشاوي) نجم شاب من عائلة فنية، تنسج حوله القصص مرة كـ"دون جوان" يتنقل بين العشيقات، ومرة كشيخ تربى في حضرة عمرو خالد الاسم الشهير في عالم "الدعاة الجدد". هذا التنقل دليل ارتباك وربما اضطراب واضح يعرفه كل من يقترب منه. وفي نفس الوقت هو دليل صعود سريع للنجومية وتعبير عن محبة الجمهور لفنان يوصف بأنه "متدين"، خاصة انه وريث عائلة تنفجر من بين جدرانها قصص من نوع آخر. طلاق الأم والأب. إدمان الأب للهيروين واللهاث وراء المغامرات العاطفية. وقلق الأم في علاقاتها الزوجية. نماذج من حكايات تقليدية عن نجوم لم يقعوا في تناقض بين الفن والدين كما يحدث الآن.
منطق النميمة يسير غالباً في طريق البحث عن مجرم وضحية. وهو منطق يتطهر فيه المجتمع من خطاياه بالكلام الفارغ والمجاني حولها وليس بمواجهتها. يشعر محترف النميمة بالسعادة البالغة وهو يقطع في سيرة أصحاب الحكاية، وينام مرتاح البال باعتبار ان الفضيحة لم تمس بيته. ولكي يكتمل المنطق فإنه يتطرف ويصل في تطرفه إلى حدود ذبح المجرم والضحية من دون التفكير لماذا.. وكيف.. انفجرت الحكاية بهذه الطريقة المربكة؟
من اللحظة الأولى يمكن اكتشاف ان الصراع في الحكاية تتحكم فيها طريقة تربية/وبناء نفسي لطرفيها.
هند وأحمد، كلٌ منهما يعتمد على عائلته. تسانده وتدعمه. وتخوض حرباً كلامية وقانونية بحثاً عن انتصار وحقوق في مجملها معنوية. كان من الممكن ان تنتهي الحكاية اذاً باتفاق سري على التسوية، وهذا ما رفضته عائلة الفتاة كما يبدو من سير الأحداث، وهو ما لفت النظر لأنه من المعتاد ان "تداري" عائلة البنت على فضيحتها وتبحث عن أي طريقة للستر.
عائلة الحناوي اختارت الطريق الصعب. واكتفت عائلة الفيشاوي بالمألوف والعادي. أنكرت. واعتبرت القضية مؤامرة على نجومية الإبن المحبوب من الناس وأشارت التفسيرات الواردة على لسان فاروق الفيشاوي الأب ومن بعده الإبن إلى توقيت تفجير الفضيحة مع بداية تصوير مسلسل جديد هو بطله الأول. نظرية المؤامرة كانت هي الأسلوب الوحيد للدفاع عن النجم الشاب كما لاحظنا في تعليقات الأب فاروق الفيشاوي. في البداية قال: "هذه الفتاة دسيسة على أحمد وسوف يثبت الطب الشرعي ذلك.. إبني مهتم بعمله في المقام الأول ولا وقت لديه للنظر إلى أي أمور جانبية (عبيطة)". وأكد :"البنت دي وراها ناس تانية إنهم يرغبون في تحطيم إبني خصوصاً أنه حقق نجاحاً يحسد عليه في الفترة الماضية ومتوقع له أن يصبح نجم المرحلة القادمة بلا منازع". وقال ايضاً: "كل المقربين من أحمد وكل جمهوره متعجب من الشوشرة المثارة حوله خاصة انه شخص ملتزم ومتدين".
في المرحلة الثانية كان أكثر ثقة: "الحقيقة ستظهر خلال يومين أو ثلاثة على الأكثر". وأكد بانفعال انه لن يتحدث هو وابنه لأي صحيفة أخرى ولن يفعل مثلما يفعل أهل الفتاة الذين يتحدثون في كل الصحف.
لا يمكن فهم موقف فاروق الفيشاوي إلا باعتباره "أباً عادياً يدافع عن ابنه مستخدماً النظرية الجاهزة المستهلكة"، وهي نظرية تكشف عن طريقة في التفكير. أضف إليها ان كل القصص والحكايات الواردة حول أحمد (الإبن) ترسم صورة مضطربة لشاب في مهب عواصف متناقضة. نجومية باهرة. وهوس ديني يصل أحياناً إلى حد الهستيريا.
حكت لنا حنان ترك، صديقة أحمد الفيشاوي المقربة في الوسط الفني، حكاية عنه لتؤكد انه "متدين" و"قدوة لجميع الشباب". واعتبرت الحكاية دليلاً على كذب وافتراء حكاية "الزواج العرفي". تحكي حنان: "كنت في المدينة المنورة اؤدي عمرة العشر الأواخر من شهر رمضان الماضي. اتصل بي أحمد على الموبايل وسألني عن أخباري. قلت له إنني في المدينة المنورة. وبعد 40 ثانية وجدت أحمد منهاراً في بكاء ويقول لي بصوت كله خشوع: وحشني قوي خليه يدعيلي. قلت له سأذهب إلى الحرم وأفتح لك التلفون لتتحدث مباشرة إلى رسول الله وبالفعل فتحت التلفون وإذا بي اجد شخصاً منهاراً في بكاء حار".
الحكاية لا تعبر عن تدين بالمعنى العادي بل عن اضطراب نفسي يرى في التدين فرصة ما للتطهر. هذا النوع من التدين شائع الآن ويربط بين التوغل في الدين والبكاء الحار. كلما بكيت كنت أكثر تديناً. وهناك الآن شيوخ جدد بنوا نجوميتهم على تقديم ادعية دينية يبكي هو في منتصفها. وهو "ستايل" في الدعوة مشحون بعواطف الندم الجماعي. وتدين بلا هموم اجتماعية. "ستايل" يشبه مسرحيات التطهر الكنسي. أو حفلات لطم الخدود لكن أقل عنفاً وأكثر ميلاً لأزمة فردية خاصة. وهذا ربما تفسير لصورة أحمد الفيشاوي المضطربة بين نجومية سريعة عبر الفن والحرية التى يمنحها وبين هجومه على الفن والفنانين باسم الدين. يهاجم القبلات في الأفلام. ويعرب عن رفضه أعمالاً فنية مهمة لأنها تتضمن مشاهد ساخنة تجمع بين رجل وامرأة... وإلى آخر هذه الأفكار بشكل غوغائي وتروجها تيارات تتوتر من حرية الفن (وأي حرية).
هذه التيارات جعلت من أحمد الفيشاوي رمزاً روجت له عبر مواقعها على الانترنت، كما فعل موقع "اخوان أونلاين" (نذكر ان ذلك حدث في العام 2004) حين استضافه في حوار طويل قدم فيه تنظيراته عن الفن "الملتزم" باعتباره شخصاً "ملتزماً". ويمكن ان نقارن بين مفهوم الالتزام الآن ومفهومه في الستينيات مثلاً. كان الفنان ملتزماً في الستينيات اذ كان مرتبطاً بأفكار يسارية ترى الفن في خدمة المجتمع وقضاياه... والآن الفنان ملتزم اذا امتنع عن التقبيل في الأفلام ونشر اخباراً عن رحلاته للحج والعمرة وجلسات الدروس الدينية.
هذا هو التزام أحمد الفيشاوي. موديل النجم الوسيم الذى يتحدث عن الدين بلكنة عصرية تتناثر بينها كلمات انكليزية، يبرر عودته إلى التمثيل بعد اكتفاء بإذاعة البرامج الدينية على فضائية الشيخ صالح كامل الدينية ("إقرأ") بأنه يريد استخدام الفن كما فعلت "الصهيونية العالمية".
كيف؟
يقول إن الصهيونية استخدمته لخدمة أغراض اليهود... وهو يريد ان يستخدمه لخدمة أهداف المسلمين.
يردد الكلام بشكل آلي. لا يفكر في ان المرفوض ليس استخدام الصهيونية، بل فكرة الاستخدام نفسها. لكنه التشوش الذى وضع ممثلاً موهبته ملحوظة منذ اول أعماله مع فاتن حمامة (وجه القمر) في مهب رياح عنيفة. وهو اضطراب معتاد يحدث للممثل في بداية نجوميته. تأتيه الشهرة الواسعة وهو غير مكتمل البناء النفسي فيفقد الاتزان (في مذكرات نور الشريف تفاصيل كاملة عن رد فعله على صدمة النجومية بسهرات حمراء في بيروت وانغماس كبير في عالم الليل).
كان النجم يعترف بعد استعادة الاتزان بالانفلات الاخلاقي، لكن الآن النجم يراوغ انفلاته ويخفيه بستار خادع من هوس ديني، يصدقه هو بعد فترة ويبدأ في توظيفه، واستثمار إعجاب الناس بالنجم الورع. هكذا تتسع المسافة بين السري والمعلن، ومن بينها تنتشر فضائح من نوع غريب.
وفي هذا المناخ المرتبك يبدو منطق الفضيحة رائجاً وشعبياً، فكل شخص مهم يرفع حوله سياجاً كبيراً يقيم خلفه حياة كاملة بعيداً عن الأنظار. والمسافة بين المعلن والسري توازيها المسافة بين مستوى معيشة "الشريحة الرقيقة" من "كريمة" المجتمع وباقي الشعب. أصبحت الثروة حجاباً يستر صاحبها من أعين المتلصصين. يحميها بعلاقاته وحراسه. ولأنها ثروة مشكوك في مصدرها أو في شرعيتها، فإنها تعتبر من وجهة نظر العامة خارج الأسوار العالية "حرام". وهو ما تجسده المخيلة الشعبية في سهرات ماجنة ونساء عاريات ومتع لا حدود لها.
لهذا يتشفى الناس في صاحب الفضيحة تعويضاً عن موقف سياسي غير مسموح بالتعبير عنه. فالكلام في الفضيحة الجنسية لا يدخل في قائمة الممنوعات بينما الاقتراب من حقائق الفساد السياسي والاقتصادي يجلب على صاحبه المتاعب (وربما المصائب). وهكذا مع كل فضيحة كان المجتمع يزداد تعلقاً بالجانب الاخلاقي المحافظ كرد فعل على فساد النخبة.
يقتات المجتمع المحروم من التعبير عن نفسه على الفضائح. وتتداخل الأخلاق مع السياسة إلى درجة يعتبر فيها التزمت والانغلاق هو قمة التعبير عن المعارضة السياسية. فلا نختلف مع الوزير أو المسؤول أو الكبير لأنه فاسد سياسياً أو نختلف مع سياساته بل لأنه "بطل" في المغامرات الجنسية. أو بمعنى اشمل لا تهم الأخطاء السياسية، بل الشائعات عن العلاقة مع راقصة أو ممثلة باعتبار ان الراقصة في المخيلة الشعبية تتمتع بالجرأة والتحرر والابتذال، وهي الطرف الآخر من السلطة بما تعنيه من بطش وصراعات قوى عنيفة وقتال من اجل السيطرة، والمال بما يعنيه من قدرة على شراء الأجساد والأرواح. رجل السلطة أو المال يجد عند الراقصة "حريته" وهي تعثر فيه على "نفوذها" و"رصيدها".
هكذا انتشر الزواج العرفي في الوقت نفسه الذى لمعت فيه نجومية الشيوخ الجدد، الذين أصبحوا أساطير تمنع العقل عن التفكير، ومن بينهم بحث أحمد الفيشاوي عن أب روحي، وحارس أخلاقي، فلم يجد سوى صفوت حجازي، الداعية التلفزيوني وقتها، الذي افتى له بجواز الإجهاض في مقابل ثمن خمس نوق بيض، والآن هو صفوت حجازي رئيس الحكومة التي اعلنتها منصة رابعة العدوية.
"فاروق الفيشاوي هو مثلي الأعلى". هذه حقيقة اكدها أحمد أكثر من مرة. ومعها كان يشير إلى محبته القصوى لأمه سميّة الألفي "أفضل ام". مشاعر لطيفة لابن يريد الاتساق مع عائلته التى شهدت عواصف عنيفة، من انفصال بين الأب والام في اول سنوات المراهقة، ثم اعتراف فاروق الفيشاوي في بداية التسعينيات ببعض قصصه الغرامية (آخرها شائعة زواجه من دنيا النجمة الشابة). هذه ربما بعض تجليات قلق النجم. اضطرابه. خاصة ان فاروق الفيشاوي احد المواهب المهمة في التمثيل، لكنه من نوع تتسرب موهبته مع مشاكله الشخصية.
ولد فاروق في عام "ثورة الضباط الأحرار" (1952) ومثل غيره من ابناء الطبقة الوسطى. أكمل تعليمه حتى تخرج في آداب عين شمس لكنه أكمل في معهد الفنون المسرحية. اصبح نجماً عبر التلفزيون. وفي السينما حافظ على موقع بين عادل امام وأحمد زكي من جهة ونور الشريف ومحمود عبد العزيز من ناحية أخرى.
سمية الألفي مولودة بعده بسنة واحدة. وهي خريجة آداب اجتماع. شهرتها جاءت من التلفزيون. وعلى طريقة الأسر الحديثة لم ينجب فاروق وسمية سوى أحمد وعمر.
تزوج فاروق بعد سمية مرتين واحدة من سهير رمزي والأخرى من خارج الوسط الفني. بعدها هو يعيش بمفرده في شقة بشارع الرفاعي في الدقي. هي التي تقول هند بأنها موقع مقابلتها كزوجة عرفية مع أحمد. تحكي: "كنت أراه ولم نتبادل الحوار سوى على طريقة هاي هاي". .ولم تخرج معه سوى مرة أو مرتين.
سمية الألفي تعيش في شقتها في شارع مراد في الجيزة بعد زيجتين هي الأخرى: المخرج جمال عبد الحميد والمطرب مدحت صالح. هي الآن وحيدة مع ابنها عمر. أحمد يعيش مع ابيه والمدهش انني قرأت حواراً مع سمية الألفي تقول فيه: "ابني يريد ويحب دائماً ان يراني الأم... فعندما يكون في الجامعة ويشاهد مع أصدقائه فيلماً سينمائياً وأمه تقوم بالبطوله مع بطل آخر اعتقد انه لن يكون سعيداً وأسمح لي التأكيد على انه لن يفكر بأن ما يراه تمثيلاً وإنما سيرى امه ولهذا انا حسمت اختياراتي لانه لا شيء اهم من الامومه في نظر الأبناء والأهل بعيداً عن النجومية التي يتحدثون عنها".
هذه تقريبا فكرة معادلة لجموح الأب في القلق الشخصي الذي وصل به إلى حدود الاعتراف بفترة الإدمان. وهو تصرف ايجابي لافت للنظر خاصة انه يدور حول منطقة شائكة وهي المخدرات.
في هذا المناخ (زواج متعدد للأب والام، ومتع إلى حدودها القصوى، واعترافات. وأفكار محافظة عن الفن) تربى أحمد. مثل ابيه (يناديه باسمه من دون لقب كعلاقة ابن عصري بأب لا يحب المؤسسات التقليدية). والذي لم يكمل دراسته في معهد المسرح بعد فصله بسبب تكرار الغياب من زملاء دفعته لمعة منة شلبي (فصلت هي الأخرى) وأحمد صلاح السعدني وهم جيل تربى في مناخ عائلات فنية ومن أموال الفن لكن المجتمع اصبح أكثر ارتباكاً ودفعهم جميعاً إلى مزيد من الارتباك.
اكثرهم وضوحاً هو أحمد الفيشاوي الذى يردد ان عمرو خالد طلب منه "ان يكون اهم ممثل في مصر". وهذا كان مبرره للعودة إلى عالم النجومية مسبوقاً بقصة عن حبيبته المسيحية التي اصر ان تتحجب، وهنا وجد حرباً عنيفة من عائلتها المعروفة. وبعدها ربطت الشائعات بينه وبين أكثر من نجمة شابة حتى جاءت الحكاية التي اكتملت الآن بصورته في "جمهورية" رابعة العدوية.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...