موسكو تواصل مد اليد لواشنطن من أجل إجراء مباحثات رفيعة بشأن سورية
لا تزال اليد الروسية ممدودة تجاه الولايات المتحدة من أجل إجراء حوار رفيع بشأن سورية، على الرغم من تأكيد موسكو أن التحالف الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب «معدوم الجدوى»، وتشديدها على أن العملية الجوية التي أطلقتها قبل أكثر من أسبوعين «بدلت الأوضاع» هناك.
وأقرت موسكو أن تفاهمها مع واشنطن محصور في قضية سلامة الطيران، عازيةً ذلك إلى اختلاف البلدين حول أولوياتهما في سورية، بين إصرار الولايات المتحدة على إسقاط الرئيس بشار الأسد، ورغبة روسيا في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. وشددت على أن الفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط هي نتيجة مباشرة للتدخلات الخارجية في شؤون دولها من خلال «الثورات الملونة»، محذرةً من أن «الفراغ الذي تخلقه الإطاحة بالسلطة الشرعية في أي بلد يملؤه المتطرفون والإرهابيون»، ونبهت إلى أن «الإرهاب يجذب جميع أنواع المسلحين كالمغناطيس».
وفي التفاصيل أكد رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف أن التحالف الغربي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش الإرهابي لم يحرز أي نتائج تذكر على الأرض في سورية، لافتاً إلى أن «العمليات العسكرية الروسية في سورية هي التي بدلت الأوضاع» مؤكداً أن تلك العمليات تستهدف داعش كي لا يسيطر على السلطة في دمشق، لا دعم النظام. وفي حديث تلفزيوني نقل موقع «روسيا اليوم» مقتطفات منه، أوضح مدفيديف أن جميع الدول «على يقين من أن الجدوى من أداء الأميركيين في مكافحة تنظيم داعش في هذه المنطقة من العالم تحديداً شبه معدومة».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت موسكو تعول على أن تبدل واشنطن موقفها المتحفظ على الحوار مع موسكو على صعيد مكافحة الإرهاب، قال مدفيديف «سنرى ماذا سيأتي به قادم الأيام وسنرى القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة في هذا الاتجاه»، مشيراً بهذا الصدد إلى أن روسيا هي التي تخطو الخطوة الأولى على مسار الحوار وأنها منفتحة على الولايات المتحدة بما يخدم مكافحة الإرهاب في سورية».
وقبل أيام، وصف ميدفيديف رفض الإدارة الأميركية استقبال وفد روسي لتنسيق أعمال مكافحة الإرهاب بـ«التصرف الأحمق».
من جهة أخرى جدد رئيس الوزراء الروسي في حديثه التلفزيوني السبت موقف بلاده بأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده وقيادتها بنفسه، موضحاً أن «روسيا تدافع عن مصالحها في سورية لا عن أشخاص محددين».
وفي التعليق على سبل التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سورية، قال ميدفيدف: «لابد من مناقشة القضايا السياسية بين روسيا والولايات المتحدة تحديداً، وبين جميع الدول المعنية بإحلال السلام في المنطقة وفي سورية، بما يخدم بروز سلطة طبيعية هناك.. ليس من الأهمية من سيكون على رأس هذه السلطة»، مبيناً أن روسيا لا تريد أن يحكم تنظيم داعش سورية بل يجب أن تكون السلطة هناك حضارية وشرعية.
وأجاب على سؤال حول ما إذا كانت سورية يجب أن يحكمها الرئيس بشار الأسد، بقوله: «لا بالطبع لا. الأمر يرجع إلى الشعب السوري لتقرير من يكون رئيساً لسورية… في الوقت الحالي نعمل على أساس أن (الرئيس) الأسد هو الرئيس الشرعي».
واستذكر أنه زار سورية خلال شهر أيار 2010 عندما كان رئيساً لروسيا، وقال: «لقد رأيت سورية قبل الحرب، وأود أن أؤكد لكم أنها كانت دولة عصرية يعمها السلام لا تتعرض فيه الآثار للدمار واقتصادها يعمل بشكل طبيعي».
في الغضون، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الدوما (مجلس النواب الروسي) أليكسي بوشكوف انعدام التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سورية.
وغرد بوشكوف عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قائلاً: «لا تتفاهم الولايات المتحدة وروسيا حول سورية إلا بشأن سلامة الطيران وفقاً لما قاله (الرئيس الأميركي باراك) أوباما»، وأضاف: «صحيح أن التفاهم معدوم، إذ إن هدف الولايات المتحدة هو (الرئيس) الأسد. أما بالنسبة لنا فتنظيم داعش هو الهدف».
في بكين أوضح نائب وزير الدفاع الروسي أناتولي أنطونوف، أن بلاده والولايات المتحدة بصدد إعداد وثيقة الاتفاق الخاص بتأمين سلامة الطيران وتفادي الحوادث الجوية في سماء سورية، وتوقع أن تكون الوثيقة «نقطة انطلاق لتوسيع تعاوننا».
وتتوقع روسيا أيضاً أن تلتزم الدول الأخرى أعضاء التحالف الذي تقوده واشنطن، بالاتفاقية الروسية الأميركية المرتقبة أثناء قيام طائراتها الحربية بالطلعات في السماء فوق سورية.
وفي كلمة ألقاها أمس أمام منتدى «سيانشان» الخاص بالأمن المنعقد في العاصمة الصينية، أوضح أنطونوف أن التعامل بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بسورية، يقتصر على اتصالات وزارتي دفاع البلدين في مجال أمن الطلعات، وامتنع عن وصف هذا التعامل بـ«التعاون»، كاشفاً عن رفض واشنطن التعاون حتى في مجال إنقاذ الطيارين. وقال: «نواجه اليوم الشر المشترك وهو الإرهاب، حيث يعد تنظيم داعش أهم مظاهر هذا الشر.. فاقترحنا على الولايات المتحدة برنامجاً كبيراً للتعامل بما في ذلك الشأن السوري»، لكنه أضاف قائلاً: «للأسف، تبين أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لذلك بعد».
ولفت المسؤول الروسي العسكري الرفيع إلى أن روسيا عرضت على الأميركيين التعاون في إنقاذ طيارين في حال أسقط عناصر داعش طائراتهم أثناء تنفيذهم غارات على مواقع التنظيم الإرهابي في سورية، متسائلاً عما سيحدث في حال تعرض طائرة تابعة للتحالف بقيادة واشنطن أو طائرة روسية لسوء خلال الغارات على «داعش»، فسقطت ووجد الطيار نفسه على أراض واقعة تحت سيطرة داعش. وأضاف: «للأسف، الأميركيون لا ينصتون لدعواتنا حتى الآن».
وشدد أنطونوف على أن جميع الضربات الجوية الروسية في سورية دقيقة وجميعها تتركز فقط على مواقع وأماكن البنية التحتية لتنظيم داعش، ولم يتم ضرب أي مواقع أخرى عسكرية كانت أو مدنية. كما أشار إلى أن وزارة الدفاع الروسية نسقت عملياتها مع جميع دول المنطقة، وأنشأت في بغداد، مركزاً معلوماتياً مشتركاً للتنسيق بين هيئات القيادات العامة للقوات المسلحة في إيران وسورية والعراق وروسيا.
وأكد أن الفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط هي نتيجة مباشرة للتدخلات الخارجية في شؤون الدول ذات السيادة من خلال «الثورات الملونة» ومحاولات دول معينة إملاء إرادتها على دول في المنطقة.
ولفت نائب وزير الدفاع الروسي إلى تأكيد الرئيس بوتين موقف موسكو «الحازم»، القائم على رفض «معالجة المشكلات السياسية الداخلية للدول من خلال التدخل الخارجي وما يتضمنه ذلك من دعم لمحاولات غير دستورية للانقلاب على السلطات في البلدان، والإطاحة بالسلطات الشرعية فيها، ومثل هذه الأفعال ستحمل عاقبة مأساوية».
وأشار إلى أن «التدخل الخارجي يأتي كذلك عن طريق التغاضي والتستر على القوى المتطرفة، وهو ما يتسبب ليس فقط بزعزعة استقرار دول منفردة أو مناطق محددة، بل يجر العالم كله إلى الصراع ويسهم في تقوية التنظيمات الإرهابية الدولية ويجعلها أكثر نشاطاً وفاعلية». وأوضح أن «الفراغ الذي تخلقه الإطاحة بالسلطة الشرعية في أي بلد يملؤه المتطرفون والإرهابيون بشكل تدريجي، فالإرهاب يستقطب ويجذب جميع أنواع المسلحين تماماً كالمغناطيس، ليتنقلوا بالتالي بحرية من بلد إلى آخر فهم ليس لهم وطن خاص بهم وليس لديهم الكرامة».
وحذر نائب وزير الدفاع الروسي من أنه «ليس هناك من دولة محصنة ضد هذا الشر العالمي»، ونبه إلى مخاطر «سقوط ملايين الأبرياء ضحايا لهذا الثوران الإرهابي» ودعا إلى «الاتحاد» من أجل «هزيمته».
في سياق متصل، أكدت وزارة الخارجية الروسية استمرار روسيا في تقديم المساعدات الإنسانية لسورية وإجلاء المواطنين الروس وغيرهم من الراغبين بمغادرة البلاد مؤقتاً.
يأتي تأكيد الخارجية الروسية عقب منع السلطات البلغارية طائرة روسية تابعة لوزارة الطوارئ من عبور مجالها الجوي، ما اضطرها إلى تغيير مسارها بالتوافق بين وزارتي الطوارئ والخارجية الروسيتين، والحط مع ذلك في مطار اللاذقية مع تأخير بسيط.
ونقلت الطائرة مساء أمس الأول الجمعة إلى سورية مساعدات إنسانية، وعادت إلى مطار دوموديدوفو بموسكو، بـ56 مواطناً روسياً وغيرهم من أبناء الجنسيات الأخرى.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد