من يكتب السيرة الذاتية الموثقة لنزار قباني؟
عد ثماني سنوات على رحيله، نُسي فيها نزار قباني في مدينته الأحب، سوى من مسلسل عُرض العام الفائت، وبدا كما لو أنه يسخر من موضوعه. هي ذي دمشق تبدو كما لو أنها تشمت بشاعرها هذه المرة. ففي ندة أقيمت أخيراً في دمشق بالتعاون بين وزارة الثقافة ومؤسسة سعود البابطين، بدا كأن الندوة اختارت أن تنأى بنفسها عن جمهور الشاعر، بدعاية محدودة، وبجمهور لم يتجاوز عدد أصابع اليدين، إذا استثنينا المشاركين المدعوين. أول الاعتراضات جاء على أسماء المشاركين الذين لا يمثل معظمهم شيئاً في التجربة النقدية الموازية والمواكبة لمسيرة الشاعر، بل إن بعضها قد يكون على التضاد من مسيرته. فها هو علي عقلة عرسان يقفز، بعد أن أقصي عن رئاسة اتحاد الكتاب العرب، من طرف آخر، ليلقي كلمة مطولة ممثلاً مؤسسة البابطين، ليقول: لقد اعترض معترضون على بعض شعر نزار، ونهض مدافعون ضد الاعتراض والمعترضين، والحياة تتسع لمليار زهرة وزهرة.. . قلنا يا سبحان الله، لماذا لم يأت الرجل على سيرة الاتساع حين كان رئيساً للاتحاد! لقد أقسم العديد هنا إن عرسان كان فَصَلَ نزار قباني لو كان الأخير عضواً في اتحاد الكتاب العرب.
لا نعرف مثلاً من اختار باحثاً قدم محاضرة في تجربة اللون عند نزار، فما قدّمه السوري فاخر ميّا في مداخلته هو محض تجن، إذ يقول: القصيدة عند نزار قباني ذات طموح محدود، لأنه حوّل الحب إلى عمل بيولوجي، ونزع منه المشاعر الإنسانية والتضحية واستخدم خليطاً لونياً عجيباً لا يدل على حس فني، وقد سوّغ عمله لأنه كان في حالة عدم الوعي . ويضيف: كانت الغاية من إضفاء الألوان للإيقاع بالمرأة عن طريق الكلام المعسول الذي يدور في مجالس المراهقين .
من بين المداخلات نزار في سيرته الذاتية لأحمد حيدوش، التي يحاول فيها الباحث الجزائري توثيق سيرة الشاعر مستنبطاً إياها من قصائده. غير أن الناقد المصري صلاح فضل اعتبر أن السيرة الذاتية تؤخذ من مصدر وحيد، هو السيرة الذاتية، وما نلحظه من عناصر سيروية في الشعر قد يظهر محاطاً بالخيال والوهم. ودعا الناقد الباحثين الشوام إلى توثيق سيرة قباني، لما لذلك من ضرورة للتأسيس لأبحاث أكثر أهمية حول الشاعر.
محور أثار جدلاً هو الآخر يتعلق بمداخلتين، الأولى للجزائري عمر عيلان تحت عنوان خمسون عاماً في مديح النساء: مقاربة أسلوبية يشرح فيها الباحث بإسهاب الأساليب التي استخدمها قباني في هذا الديوان، وتوظيفاتها؛ كأساليب التوكيد والنفي والاستفهام، والشرط والنداء وغيرها. والثانية لرضوان قضماني عن التوليد الدلالي في المتن اللغوي عند نزار ، قال إن الغرض منها دراسة واقع اللغة في الخطاب السوري المعاصر، معتبراً أن نزاراً خزان هام للمتن اللغوي في هذا الخطاب.
العراقي صابر عبيد علّق بالقول إن الدرس اللساني هو، كالدرس الأسلوبي، درس وصفي، لكنه أساسي وضروري. أما علاء عبد المولى فقال إننا مع الدرس الأسلوبي واللساني أمام درسين متقني الصنع، وخلاصة الفائدة منهما أنهما يوجهان المتلقي إلى التعامل مع النص النقدي بحرفية واضحة ومنهجية صارمة، لكن ماذا بإمكانهما أن يقدما في النهاية من أجل القراءة الجمالية للتجربة الشعرية لهذا الشاعر أو ذاك؟ أين خصوصية الدرس الأسلوبي أو الألسني أو البنيوي؟
إلى جانب المداخلات أقيمت أمسيات شعرية لأحمد الشهاوي، وعبد الرزاق عبد الواحد، وساجدة الموسوي، وغيرهم. ومن المؤسف أن بعض معتلي المنابر من هؤلاء، والذي يستفيد اليوم من منبر نزار قباني، أظهر فكراً أصولياً في قراءة تجربة الشاعر، كالشاعرة طلعت الرفاعي، التي راحت تعترض، بخطابات صاعقة ومدوية، تسخر مثلاً من قول نزار بأنه صنع المرأة بالقول إن ذلك شيء معيب وخطير، فالصناعة للخالق، قالت، وما نحن إلا قصائد الله وإبداعه، ولا يجوز للشاعر أن يقول أنا أصنع. ثم عرجت على استخدام نزار لشخصية عنترة وتصويره كرمز للذكورة والاستبداد، فقالت إن عنترة من القيم العظيمة التي تربت عليها الأجيال، فمن يستطيع أن ينكر شهامته!
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد