من يدفع الضرائب في سورية؟
(70% من ايرادات الضرائب في سورية,تأتي من 30% من ذوي الدخل العادي,فضريبة الراتب والأجور لا تشكل سوى سبعة مليارات ليرة سورية في السنة)هذا ما أكده السيد عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية رداً على سؤال لوكالة الأنباء الألمانية مفاده (هل هناك مشكلة في التعامل الضريبي مع الأثرياء وكبار الممولين,وليس مع الصغار؟ فحجم الذين يدفعون الضرائب من مرتباتهم أكثر بكثير من كبار المكلفين ضريبياً..
النائب الاقتصادي يقول :إن هناك مشكلة بين الانطباع والواقع وهذا انطباع عام وليس حقيقة.. ودور الدولة هو توسيع القاعدة والنشاط الاقتصادي,وهذا يتطلب مزيداً من التخصيص الاقتصادي حتى نحصل على عائدات ضريبية أكثر,لتزيد رواتب العاملين من الدولة فالعملية مرتبطة ببعضها.. ويشير الى مسألة معالجة قضية الدعم,فلكي نصحح العجز المالي الذي بدأ يظهر في موازنة عام ,2008والذي بلغ 200 مليار ليرة سورية من أصل موازنة 600 مليار ليرة سورية,عندما يصحح العجز سيكون هناك ايرادات للخزانة,وهذا سيعود للمواطنين ...
وفي تصريح لوزير المالية حول الموضوع,ذاته يقول: يتم تحصيل 70% من ايرادات ضريبة الدخل في سورية من الطبقة العليا والشركات في حين يتم تحصيل ال30 % المتبقية من الوسطى والفقيرة.. ويبلغ عدد دافعي الضرائب في سورية 5,7 ملايين,في حين يقدر التهرب الضريبي نحو 4% من الناتج المحلي الاجمالي...
وفي لقاء ليس بالبعيد مع جريدة البعث يقول وزير المالية: إن نسبة التحصيل من الطبقة العليا والوسطى 90% ..؟!..
مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم يقول: إن 30% من المكلفين يدفعون حوالي 70% من كتلة الضرائب والرسوم,وهؤلاء هم كبار المكلفين,وكتخطيط استراتيجي,يجب النظر الى متوسطي الممولين فإذا دفعوا 20% يصبح لدينا 90% من كتلة الضرائب والرسوم مدفوعة من قبل كبار متوسطي المكلفين,ويبقى صغار المكلفين يدفعون ما نسبته 10% من الواردات..
تضاربت التصاريح ولا توجد أية أدلة فعلية لنسبة التحصيل الحقيقية,بالرغم من أن الضريبة هي أداة من أدوات التنمية ومعروف أن معدلات الضريبة العالية تؤدي الى الانكماش وهروب رؤوس الأموال,ومعدلات الضريبة المعتدلة التي تميل للانخفاض تعد من أهم عوامل جذب الاستثمارات,وتعمل على جذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية.
على ما يبدو وبالرغم من أهمية الاصلاحات المالية التي أجرتها وزارة المالية خلال السنوات الثلاث الماضية والصدى الطيب الذي لقيته حصراً من رجال الأعمال و الوسط الاقتصادي,إلا أن هذه الاصلاحات لم تكن لدى المواطن سوى تبويب جديد للرسوم والضرائب المبعثرة تشريعياً وقانونياً خلال العقود الماضية مع اشارات أخرى لا يمكن تجاهلها من باب الموضوعية كإلغاء الازدواج الضريبي مثلاً..
وعلى الرغم من أن جزءاً من هذه المطارح الضريبية تفرض على الوسط التجاري والصناعي والسياحي.. وغيرها من الأنشطة مع بعض الاعفاءات ,إلا أن المواطن أو المستهلك يدفع ثمنها دوماً ويتحمل ما أصبح يسمى ب(آلام الاصلاح) التي لا مفر منها..
يقول فؤاد بازرباشي المستشار القانوني أن عدد الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن السوري نحو 70 ضريبة ورسماً,واذا ما أضيفت على رسوم الوحدات الادارية فالعدد يصل الى نحو 100 ضريبة ورسم.
الباحث الاقتصادي حسين العماش يرى أن الذين يدفعون الضرائب هم ذوي الدخول الثابتة بالدرجة الأولى.. وأن القانون بوزارة المالية غير قادر على فرض ضريبة حقيقية على مجتمع الأعمال في سورية,بالاضافة الى أن مؤسسات الأعمال تستطيع التهرب ضريبياً,وهذا عائد لعدم وجود عدالة ضريبية.
بينما ذوي الدخول الثابتة يدفعون حصتهم كاملة من الضرائب والرسوم ويضيف أن من 70-80% من الضرائب المتحصلة هي لذوي الدخل المحدود بينما الشركات تدفع من 10-15% وفعلياً 10% .. فالتركيبة الضريبية في سورية تعاني من خلل وهي تنحاز مع الأغنياء ضد الفقراء..
المختصون بالشؤون الضريبية يشيرون الى أن الضرائب تقسم الى قسمين لجهة تأثيرها على المواطن:الشريحة الأولى: تضم الرسوم والضرائب التي تفرض بشكل مباشر على المواطن المنتمي لمختلف الطبقات والتي تترك انعكاسات على حياة المواطن صاحب الدخل المحدود وأبرز هذه الضرائب ضريبة الدخل على الرواتب والأجور,ضريبة الأرباح الصافية الناتجة عن ممارسة المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية ورسم الانفاق الاستهلاكي المفروض على نحو خمس خدمات وحوالي 31 مادة تباع له.
هذا فضلاً عن الرسم الخاص بالطابع على العقود والطلبات التي يقدمها ويجريها المواطن في حياته اليومية,كعقد الاشتراك في شركات ومؤسسات المياه - الكهرباء-الهاتف-الاستدعاءات. والعرائض المقدمة الى الجهات العامة بقطاعيها الاداري و الاقتصادي والشهادات الرسمية للتعليم الثانوي,والصادرة عن مؤسسات التعليم الخاصة والعقود بجميع أنواعها. بينما الشريحة الثانية فهي متعلقة بالرسوم والضرائب التي تفرض على المكلفين من أصحاب الشخصيات الاعتبارية كمؤسسات القطاع العام وشركاته ومنشآته,المؤسسات المالية..... وكذلك رجال الوسط الاقتصادي ..الخ
واللافت ..مع أن المكلفين هم الذين يدفعون الضريبة أو الرسم إلا أن المواطن والمستهلك لخدماتهم والمتعامل معهم هو من يسددها في النهاية,فالضريبة تدخل في بند (نفقات التكلفة) وفي غالب الأحيان هذه الضريبة تذهب للجيوب الخاصة نتيجة التهرب الضريبي.
أحد الباحثين الاقتصاديين قال :نعلم جميعاً أن الضريبة هي أداة تنموية وهي مورد أساسي من موارد الخزينة العامة لا سيما بعد الانفتاح والتخفيضات الجمركية,لسنا ضد الضريبة ولا هدفها التنموي ولكن يجب أن يكون الدخل بمستوى جيد حتى يمكننا من دفع الضريبة.
ويقترح أن تعمل وزارة المالية جاهدة للحد من عمليات التهرب الضريبي التي يقدرها الخبراء بنحو 200 مليار ليرة سورية,بالاضافة الى توسيع قائمة التكليف الضريبي لتشمل الأنشطة الاقتصادية الكبيرة غير المنظورة,وهذا سيعطي المجال واسعاً أمام الحكومة للاتجاه نحو تخفيض والغاء بعض الضرائب والرسوم التي تمس بشكل مباشر المواطن وحياته,فمن غير المعقول أن تعفى المشاريع الاستثمارية من الضرائب والرسوم تبعاً للشرائح,فيما على المواطن أن يدفع رسم انفاق استهلاكي على السكر والشاي..
يرى الدكتور سمير سعيفان الباحث الاقتصادي أن النسب المئوية هي جزء من الحقيقة,وأن الجزء الأكبر من الضرائب تدفع من قبل أصحاب الدخول الثابتة,بينما أصحاب الدخل الأعلى لا يدفعون مايترتب عليهم وفق القوانين بل ربما ربع ذلك فقط, ولفت الى أن قيمة الضرائب في سورية منخفضة مقارنة ببعض الدول المتقدمة مثل أميركا وبريطانيا..
وأن حجة ارتفاع الضرائب سقطت بالتقادم من خلال القوانين وبالرغم من ذلك مازال التهرب الضريبي كبيرا جداً.
ويأتي القطاع الخاص المتعاقد مع الدولة بالمرتبة الثانية بدفع الضرائب فهي تشكل نحو 4-10% حسب نوع العقد.
وأشار الى أن ايرادات قطاع النفط ليست ضرائب بل ريع وهي تدخل ضمن تمويل الخزينة العامة. ونوه الى أن الاجراءات المتبعة حتى الآن ما زالت ناعمة وليست فاعلة وتوجهنا نحو اقتصاد السوق يرافقه تمويل الخزينة عبر الضرائب والضريبة هدف لتحقيق ايرادات للخزينة العامة لتقوم بواجباتها.. وبشكل عام السياسة الضريبية في سورية أجريت عليها تعديلات لكن لا بد من اعادة صياغتها وفق دراسة عميقة لتلك التشريعات بكل نقاط ضعفها وقوتها..
ما المطلوب ؟! أو بصيغة أخرى ما الحل؟ هل الحل يكمن في أن يتم الغاء كثير من هذه الضرائب والرسوم بشكل مباشر وسريع؟
أم على الحكومة أن تعيد دراسة كل منها وتأثيراتها على حياة المواطنين والمطارح الضريبية الأخرى التي يمكن أن تحل مكانها؟
ميساء العلي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد