مطاعم الحسكة: خدمة سيئة وأسعار زائدة و تسيب واضح
همام موظف بسيط في مديرية التجارة الداخلية بالحسكة، سوّلت له نفسه (والنفس يا إخوان أمّارة بالسوء) أن يفتتح شهر رمضان المبارك بإفطار شهي في أحد المطاعم.
ولاسيما أنه في أول يوم من شهر أيلول والجيب عمران بالراتب، وبالتالي لا ضير من كسر الجرة هذه المرة. استعد هشام لهذه الوليمة استعداداً ما بعده استعداد، لمّع الحذاء ولبس الذي على الحبل. ولم يبق إلا أن يعقد مؤتمراً صحفياً من أجل ذلك، أو أن يدعو وسائل الإعلام العربية والأجنبية لتصويره وهو يلج باب المطعم، ويجلس على الطاولة ويهرع صاحبه وعماله نحوه قبل أن يرتد كفه على الآخر. هذا يمسح الطاولة وذاك يحضر المحارم و والثالث يصب الماء، وصاحب المطعم ينحني أمامه وهو يشعل له السيكارة التي قدمها له بمنتهى اللطف والتواضع.
وهو يهم بالخروج من باب بيته تذكر همام أحد أصدقائه، وفجأة نزل عليه الكرم الحاتمي كالمطر. فعزمه وأصر على العزيمة. أمسك كل منهما بيد الآخر ونزلا إلى السوق. في الطريق تذكّر همام أنه لم يختر لا المطعم الذي سيأكلان فيه ولا نوع الطعام الذي سيتناولانه. فكّر بينه وبين نفسه أنه وصديقه لا يأكلان في الأحوال العادية إلا الفلافل. لكن هذه المرة ليست عادية، إنها عزيمة ولابد أن تكون غير شكل. وما يعرفه أن العزائم والولائم يقدم فيها اللحم. ولهذا لا مفر من أن يقدم لصديقه شيئاً من اللحوم. فاختار شيئاً أعلى مستوىً من الفلافل وأقل من الكباب، ليس الكبافل وإنما اختار الشاورما. ولكي يظهر لصديقه أنه يحتفي به أصر ألا يتناولا إلا الشاورما العربي. لأنهما بهذه الطريقة سيجلسان على الكراسي وأمامهما طاولة عليها ماء وصحون وكاسات وملاعق، وهناك من سيقدم لهما الشاورما، أي أن المنظر سيكون منظر عزيمة من العيار الثقيل فعلاً.
عند ساحة الرئيس، دخلا إلى مطعم يسمى مطعم الحمرا، جلسا على أقرب طاولة، نظر همام خلسة إلى لائحة الأسعار، وما إن وجد سعر وجبة الشاورما العربي 60 ل.س حتى انفرجت أساريره. فقرر أن يضيف إلى الوجبتين كأسين من اللبن العيران زيادة في الكرم، ولكي تكون العزيمة طابشة. وبعد أن فرغا من تناول الطعام توجه همام إلى المحاسب وناوله 500 ل.س . عدّ همام النقود التي أعادها إليه المحاسب فوجدها 330 ل.س، ليكتشف أن المحاسب أخذ منه 170 ل.س. 150 للوجبتين و عشرين للبن. ولأن النقاش مع المحاسب بأن التسعيرة المعلقة في المطعم تقول غير ذلك لم يؤدِّ إلى نتيجة، سوى قول المحاسب بلا تسعيرة بلا بطيخ. تذكّر همام أنه موظف تموين، فطلب من المحاسب فاتورة. وعلى الفور تمت تلبية طلبه وبمنتهى الثقة بالنفس.
في صبيحة اليوم التالي قدم الفاتورة لزملائه في الرقابة وقص عليهم الحكاية. لكنهم أجابوه بأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا له شيئاً لأن هذا المطعم مصنف سياحياً. وعمل بنصيحة زملائه وتوجه إلى مديرية السياحة وتقدم بشكوى نظامية. وبمجرد أن قرأ الموظفون الشكوى حتى أخذوه إلى الشط وأعادوه عطشاناً. وأدخلوه في حيص بيص. هذا يقول له (إن الشكوى خيطي بيطي ولن يطلع منها شيء). وذاك يحلف له بأغلظ الأيمان أن الشاورما العربي تكلّف أكثر من ذلك، وأن التسعيرة ما توفي. واستمر العاملون في المديرية في دفاعهم عن هذا المطعم حتى ظن همام (وبعض الظن إثم) أنه ملك لهم أو شركاء فيه، و كاد أن يدفع لهم 150 ل.س أخرى.
وقبل أن يأكل همام هذا الكُم. أكل مواطن آخر كُماً أكبر منه. حين عزم أحد أصدقائه عزيمة عائلية في مطعم يدعى مطعم المحبة في مدينة تشرين الرياضية. ليكتشف أن هذا المطعم لا يحمل من المحبة إلا الاسم. إذ فوق الخدمة السيئة الموجودة فيه، كانت الفاتورة التي تحمل الرقم 990 مرتفعة عن قيمتها الحقيقية بمقدار الثلث على الأقل. وهناك طلبات لم يطلبوها دوِّنت فيها. ما اضطره في اليوم التالي للاتصال بمدير السياحة وأخبره بما حصل، لأن وجود رسم الإنفاق الاستهلاكي على الفاتورة يعني أن المطعم مصنف سياحياً. وبناء على ذلك وعده المدير بإعادة حقه ومحاسبة صاحب المطعم. لكنه فوجئ في اليوم التالي بالمدير يتنصل من وعده وراح يراوغ في كلامه، بذريعة أن المواطن لم يتقدم بشكوى نظامية للمديرية.
ولأن هذا المواطن أخبر مدير السياحة بأنه سيتوجه في هذه الحالة إلى الجهات الأخرى ومنها مديرية التجارة الداخلية (التموين) لعلّها توصله إلى حقه. فوجئ (إلى حد الصدمة) بمدير السياحة يتصل برئيس دائرة الرقابة التموينية، ويحاول ثنيه عن اتخاذ أي إجراء بحق ذلك المطعم. ولأن مدير السياحة عجز عن تقديم ما يثبت أن مطعم المحبة مصنف سياحياً، اعتبر رئيس دائرة الرقابة التموينية أن مطعم المحبة يقع ضمن دائرة اختصاصاته، وقام باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المطعم، ونظم بحقه الضبط رقم 645074 تاريخ 19/8/2008 لتقاضيه أجراً زائداً استناداً إلى قرار بدل الخدمات رقم 6 تاريخ 4/4/2008 والمادة الرابعة من القانون 22 لعام 2000.
وبالتدقيق بوضع هذا المطعم ماذا وجدنا؟.
وجدنا العجب العجاب. إذ يبدو أن الفوضى والتلاعب بالأسعار ديدن هذا المطعم. والعاملون فيه يفعلون ذلك على عينك يا تاجر بلا خوف أو وجل. ربما (نقول ربما) لأنهم مطمئنون إلى أن هناك من يستندون إليه، ويدافع عنهم ويمنع عنهم الجهات الرقابية الأخرى، كما حاول مدير السياحة مع رئيس دائرة الرقابة التموينية.
ووجدنا المخالفات بالجملة لا بالمفرق في هذا المطعم. بدليل أن دائرة الشؤون الصحية في مجلس مدينة الحسكة تمكنت في غفلة من مديرية السياحة من زيارة هذا المطعم. وخلال هذه الزيارة القصيرة اكتشفت أربع مخالفات دفعة واحدة. المخالفة الأولى هي الذبح خارج المسلخ البلدي. ونظمت بحقه الضبط رقم 1210. وهذا يعني أن مصدر اللحوم في هذا المطعم مشكوك فيه مادام مصدرها غير معروف وغير واضح. والمخالفة الثانية هي عدم الاعتناء بالنظافة ومن أجل ذلك تم تنظيم الضبط رقم 1208. وغياب النظافة ليس له سوى معنى واحد معروف ولا نريد أن نذكره. أما المخالفة الثالثة فهي عدم تأشير البطاقات الصحية للعمال ولهذا تم تنظيم الضبط رقم 1207. والمخالفة الرابعة هي عدم ارتداء العمال للقميص الخاص بالعمل ودونت هذه المخالفة في الضبط رقم 1209.
وهنا نتساءل: مطعم يتقاضى أسعاراً زائدة من الزبائن، ومصدر لحومه غير معروف، والنظافة غائبة عنه، وعماله ليست لهم بطاقات صحية ولا يرتدون القمصان النظامية، ماذا بقي فيه من أخلاقيات المطاعم، وأخلاقيات السياحة، إذا كان مصنفاً سياحياً كما يدعي مدير السياحة؟ وبالتالي هناك سؤال يفرض نفسه بشكل صارخ وهو: أين مديرية السياحة عنه؟ وإذا كانت لا تسمح للآخرين بمراقبة عمله هلا فعلت مديرية السياحة ذلك؟ . الجواب لا بالثلث. بدليل أننا دققنا في ( التتبع الربعي على المنشآت السياحية في المحافظة خلال الربع الأول والربع الثاني من العام الحالي 2008 ) ولم نجد أية زيارة لمديرية السياحة لهذا المطعم، فلماذا؟ وما هو السبب الذي يدفع مديرية السياحة لزيارة 30 منشأة سياحية خلال الربع الأول، و 35 منشأة سياحية أخرى خلال الربع الثاني من عام 2006 في مختلف أنحاء المحافظة، ليس من بينها مطعم المحبة؟.
سؤال آخر: هل هذا المطعم مصنف سياحياً أو مؤهل تأهيلاً سياحياً كما ادعى مدير السياحة في كتابه رقم 740/ص تاريخ 19/8/2008 الموجه إلى مديرية التجارة الداخلية؟.
الجواب لا للأسف. وكل ما وجدناه القرار رقم 6659 تاريخ 2/8/2005 الصادر عن وزارة السياحة مديرية التشغيل السياحي، والذي يتضمن في مادته الأولى شمول مطعم أو منشأة المحبة (بالتأهيل السياحي المؤقت بالمستوى الرابع (نجمتان)، ويعتبر هذا التأهيل السياحي المؤقت سارياً لمدة ستة أشهر من تاريخه..) وهذا يعني أن الأشهر الستة انتهت من تاريخ 2/2/2006. أي منذ سنتين ونصف بالتمام والكمال. إلا إذا كان مدير السياحة يرى أن الستة أشهر تلد، أو أن مدة الستة أشهر حسب تقويم مديرية السياحة بالحسكة تعادل أكثر من سنتين ونصف، أو لانهاية لها. وهذا القرار ممنوح باسم مستثمر آخر غير المستثمر الحالي. وهذا يدل دلالة واضحة أن هذا المطعم غير مشمول بأي شيء له علاقة بالسياحة حالياً.
علماً أن التصنيف السياحي له أصوله. ويصدر به قرار عن وزير السياحة ويقول في مادته الأولى يصنف مطعم أو فندق كذا الكائن في كذا في عداد المطاعم أو الفنادق أو غير ذلك السياحية من الدرجة كذا المستوى كذا. كما يتضمن القرار اسم المستثمر والمدير المسؤول والعنوان ورقم الترخيص الإداري والصحي ورقم الهاتف وعدد العمال.. إلى ما هنالك. فهل يوجد قرار من هذا القبيل بخصوص هذا المطعم؟.
ونسأل: هل هذان المطعمان هما المخالفان الوحيدان في محافظة الحسكة؟.
من جدول التتبع الربعي على المنشآت السياحية في المحافظة خلال الربع الأول من هذا العام، والذي تضمن زيارة 30 منشأة، تبين أن هناك 14 منشأة مخالفة. أي بنسبة 50%. وخلال الربع الثاني تكررت المخالفات في بعض المنشآت.
وبتاريخ 24/8/2008 نظمت مديرية التجارة الداخلية الضبط رقم 645334 بحق مطعم الجزيرة والفرات لاستخدامه مواد غير صالحة للاستخدامات الغذائية وضارة بالصحة، أدت إلى تسمم بعض زبائن المطعم. وبتاريخ 17/7/2008 زارت دورية من الرقابة التموينية مطعم عالبال في مدينة تشرين الرياضية ووجدت كمية 20 كغ من لحم الغنم. فأخذت منها عينة وقامت بتحليلها في مخبر المديرية، فتبين أن ( التعداد العام للجراثيم الهوائية مرتفع فيها ). كما زارت دورية أخرى بتاريخ 29/4/2008 كافتيريا الأصدقاء ووجدت فيها 15 قطعة همبرغر، وأخذت منها عينة لتحليلها فتبين أنها تحمل جراثيم الكوليفورم والجراثيم العنقودية الذهبية عن الحد المسموح به.
وبتاريخ 17/7/2008 نظمت دورية تموينية الضبط رقم 645656 بحق صاحب مطعم فينوس السياحي لقيامه بشطب التسعيرة القديمة ووضع بدلاً عنها تسعيرة جديدة زائدة عن المقرر. مخالفاً بذلك أحكام المادة 21 من القرار رقم 1641 تاريخ 8/6/2008. وبنفس التاريخ تم تنظيم الضبط رقم 645657 بحق صاحب مطعم لايف ستون بسبب عدم إعلانه عن الأسعار. مخالفاً بذلك أحكام المادة 21 من القرار رقم 1641 تاريخ 8/6/2008 المتضمن وجوب الإعلان عن الأسعار. وعلى ذكر مطعم لايف ستون هذا علمنا بوجود مخالفات عديدة فيه منها مخالفات إدارية وغير إدارية ولهذا تم اتخاذ بعض الإجراءات بحقه.
وأخبرنا الدكتور كبرئيل كورية ـ مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة الحسكة ان عدد الضبوط المنظمة خلال النصف الأول من العام الحالي من قبل الدوريات التابعة لدائرة الشؤون الصحية في المجلس، بلغ 612 ضبط مخالفة صحية بحق المطاعم والنوادي الليلية والسياحية، تتعلق بعدم التقيد بالشروط الصحية وعدم الاعتناء بالنظافة العامة وعدم ارتداء اللباس الموحد وعدم اقتناء بطاقات صحية. كما تم توجيه 866 إنذاراً صحياً لهذه المطاعم لعدم التقيد بالشروط الصحية والنظامية، بالإضافة إلى إغلاق 7 مطاعم لتكرار مخالفاتها.
وقال مدير المالية بالحسكة محمد علي النهار، ان المطاعم والمنشآت السياحية في المحافظة تخضع لرسم الإنفاق الاستهلاكي، بناء على كتاب من مديرية السياحة يتضمن جدولاً بتلك المطاعم والمنشآت.
- هذا هو واقع المطاعم والمنشآت السياحية في محافظة الحسكة؟ . وهو واقع لا يسر على الإطلاق. والسؤال هل تستحق تلك المطاعم والمنشآت تسمية السياحية الممنوحة لها؟. وهل هذا الواقع يشجع على السياحة في هذه المحافظة؟. وهل تساعد الإجراءات التي تقوم بها مديرية السياحة على تطوير السياحة في محافظة الحسكة، أو على الأقل المحافظة على الحد الأدنى من الشروط السياحية في المطاعم والمنشآت الموجودة؟.
أسئلة لا نملك إلا أن نضعها برسم المعنيين؟.
خليل اقطيني
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد