مصر تحل أزماتها بالمسكنات
لا تعرف مصر من أين تأتيها المصائب. من أزمة بنك القاهرة إلى حروب الأقباط، وتسريب أسئلة الامتحانات ومصنع «أجريوم» وقصص أحمد عزّ... لا حلول تظهر في الأفق، فالعلاجات جميعها تسير على أساس الحلّ المؤقّت بالمسكّنات، فمتى الانفجار؟
«هرب آغا»! لم تكن قصّة بيع بنك القاهرة بحاجة إلى إثارة حتّى تضاف إليها قصة هروب أكبر عميل «متعثر» لدى البنك، وهو سوري يحمل الجنسيتين المصرية والأميركية، اسمه عادل بديع الآغا. الديون المستحقّة عليه لدى المصرف تبلغ ٦٨٠ مليون جنيه (١٢٠ مليون دولار تقريباً) وعمره يفوق الثمانين. قصة هروبه تصلح مادةً لفيلم بوليسي. استعار اسماً وهمياً واستخرج أوراقاً رسمية وخرج من مطار الاسكندرية بشكل عادي، رغم أنه ممنوع من السفر منذ عامين. طريقة شهيرة في مصر لهروب «ملوك القروض» الذين يذوبون مثل الملح في الماء ويركبون طائرات، محمّلين بالمليارات من أموال المودعين.
القصّة عادية لكنّ توقيتها غريب، إذ تأتي قبل أيّام من موعد مزاد بيع البنك الذي يعتبر «المنطقة الأكثر منكوبة» بين البنوك المصرية من حيث عدد المقترضين، وتحديداً الهاربين منهم.
الهروب أضفى على أزمة البنك إحساساً بالغموض و«المؤامرة»، وأنّ هناك شيئاً في كواليس عملية البيع. فشل المزاد أحدث اضطرابات في أسواق البورصة، وأعاد المواجهة بين الحكومة والرافضين لبيع البنك. كما تعزّز اقتراح قديم بعرض البنك للاكتتاب العام وهو أحد الحلول التي قدمتها جبهة معارضة البيع للخروج من الأزمة.
ولم يظهر حتى الآن الطريق الذي قررته الحكومة المصرية للخروج من مأزق المصرف، لكن من الواضح أنّها اختارت طريقاً خاصّاً لمعالجة أزمة تسرّب أسئلة امتحان الثانويّة. فقد قرّرت عدم إعادة امتحان مادة التفاضل والتكامل التي ثبت تسربها في فضيحة هزت الرأي العام وتورط فيها ضباط ونواب، إلى جانب موظّفي التربية والتعليم.
قررت الحكومة إذاً عدم إعادة الامتحان والاقتصار على اعتبارها «جريمة جنائيّة محدودة» تسرّبت فيها أسئلة الامتحان إلى ٢٢ طالباً فقط، بينما تتزايد الأعداد بحسب تقديرات أخرى.
وجزم وزير التعليم يسري الجمل، في مؤتمر صحافي، أنّه «لن يستقيل»، قائلاً «مستحيل أن انسحب من المعركة».
وعلى هامش معركة الوزير، كشف عدد من المتهمين بتسريب الأسئلة عن تعرضهم للتعذيب طلباً لاعترافات تدين عضواً في مجلس الشعب.
فضيحة التسريب أعادت من جديد الجدل حول نظام الثانوية العامة وجدوى استمراره بالشكل التقليدي الذي يقود إلى الغشّ أو الانهيارات النفسية، ونتيجته عقيمة كما يرى خبراء التعليم.
ولا ينافس فضيحة الثانوية العامة إلا الملياردير وملك احتكارات سوق الحديد، أحمد عز، الذي يثير حوارات واسعة في الصحافة والشارع. آخر ما تسرب منها أنّ تعليمات مشدّدة أُبلغ بها لكي يكرر في حواراته ومقابلاته الإعلامية عبارة واحدة: «لا علاقة لجمال مبارك بموضوع الاحتكار». وفسرت مصادر مقربة من الحزب الوطني الحاكم، تثبيت عزّ أسعار الحديد في الأسابيع الأخيرة بأنها نتيجة «ضغوط عليا» تريد امتصاص الغضب الشعبي.
غير أنّ أسلوب المسكّنات والحلّ بالضغوط العليا التي لا تحلّ المشكلة وتؤجّلها فقط، ينذر باستمرار الأزمات وتفاقمها، وهو ما يظهر في تعثر مفاوضات الحكومة لإيجاد طريق للخروج من الأزمة مع شركة «اجريوم» الكندية التي حصلت على موافقة بإنشاء مصنع للأسمدة في جزيرة راس البر في دمياط. إلا أنّ موجة شعبية رافضة لهذا المشروع ثارت في وجه المصنع ونجحت في إيقاف العمل به. ونتيجة توقّف العمل بالمشروع، حاولت الحكومة التهرّب من دفع غرامة ٤٠٠ مليون دولار وتعويض الشركة بطريقة أخرى. لكن «اجريوم» رفضت العرض الحكومي وبعثت برسالة إلى وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد تطالبه بدفع الغرامة.
ويبدو أنّ المسكّن الحكومي لم ينجح في أزمة دير أبو فانا حيث اشتعلت حرب بين الرهبان الأقباط والبدو المسلمين. وقد استدعت النيابة أول من أمس ٨ رهبان للتحقيق معهم حول تعطيل مهمة لجنة ترسيم الحدود بين الدير والأرض المحيطة به. بيد أنّ استقبال الرهبان للجنة كان بقطع الطريق أمامها بجذوع النخيل والأشجار. وبحسب تسريبات الكنيسة، فإنّ بطريرك الأقباط شنودة أوصى أسقف ملوي (الذي يتبعه الدير) بحثّ الرهبان على عدم التنازل عن شبر واحد من أرض الدير.
في المقابل، فإنّ المسكنات الحكومية قد تشعل النار هذه المرة. فقد ورد في تقرير من مباحث أمن الدولة أنّ هناك ٢٧٠ نزاعاً على أملاك أديرة وكنائس، تهدّد بمذابح طائفية، ما دفع بوزير الداخليّة حبيب العدلي إلى زيادة الحراسات على أماكن العبادة المسيحية.
وائل عبد الفتاح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد