مشروع الوصاية الدولي ــ الإسرائيلي
ليس خافيا على أحد، إلا على بعض المهزومين نفسيا وفكريا من المثقفين الليبراليين العرب، أن العدوان الإسرائيلي على لبنان لم ينجح في تحقيق أي من أهدافه السياسية والعسكرية الأساسية. فعلى الرغم من الثمن الإنساني والمادي الباهظ الذي دفعه الشعب اللبناني من جراء هذا العدوان، خرج لبنان الوطن ومقاومته منتصرين من هذه المنازلة مع التحالف الغربي ــ الإسرائيلي، وقد اعترف عدد من قادة إسرائيل العسكريين وخبرائها المرموقين بهذه الحقيقة، فشاوول موفاز، وزير الدفاع السابق وأحد أكثر القادة الإسرائيليين تطرفا، أكد أن على إسرائيل الاعتراف بأنها هزمت في هذه الحرب. وذهب الكثير من التحليلات والتعليقات في الاتجاه نفسه. فرونين بيرغ، الخبيرالاستراتيجي، تحدث عن انهيار مفهوم «التسلط الجوي»، إحدى ركائز العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وعن فشل استخباري ذريع. وحتى تصريح عمير بيرتس، وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، الذي يرى أن على إسرائيل الاستعداد لجولة جديدة من المواجهات مع حزب الله، يعزز القناعة بالهزيمة الإسرائيلية عند الذين لم تعم ِأبصارهم وأذهانهم «أنوار» الغرب الساطعة والمبهرة.
يحاول التحالف الغربي ــ الإسرائيلي اليوم أن ينجز بوسائل سياسية وديبلوماسية وعسكرية ما عجز العدوان الإسرائيلي عن إنجازه. الهدف المركزي للتحالف هو وضع لبنان تحت وصايته. الخطوة الأولى على هذه الدرب هي اعتماد القراءة الإسرائيلية للقرار 1701 التي توصي بفرض حصار عسكري وسياسي على المقاومة الإسلامية وقطع طرق الإمداد المفترضة، البرية والبحرية، التي تعتمدها. وقد بدأت الدول الغربية التي تعتزم المشاركة في القوة الدولية بتقسيم العمل فيما بينها بين من سيتولى الحصار البحري ومن سيتولى الحصار البري. الخطوة التالية هي الفصل بين «وقف الأعمال الحربية» وبين شروع إسرائيل في القيام بسلسلة من العمليات العسكرية ضد قادة حزب الله ومواقعه «العسكرية» المفترضة هي الأخرى. يسعى التحالف عمليا لفرض «نموذج غزة» على لبنان كما سبق وأشار الباحث الفرنسي ريشار لابفيير في مقاله المنشور في الأخبار. وجاء الإنزال الإسرائيلي في بعلبك ليثبت ذلك. الخطوة الثالثة هي العمل الجدي لإثارة استقطاب سياسي داخلي حاد في لبنان حول سلاح المقاومة. وهذا ما تعمل عليه بعض رموز قوى الرابع عشر من شباط. وهو ما تسعى اليه أيضا بعض الدوائر الغربية. تأتي في هذا السياق نصائح الخبير الفرنسي في شؤون الحركات الإسلامية أوليفييه روا التي أشرنا اليها سابقا والتي توصي صنّاع القرار الغربي والإسرائيلي باعتماد استراتيجية تقسيم طائفي للفصل بين الحيويات الاجتماعية الصاعدة في المشرق العربي. نصائح روا نشرت في صحيفة «لو فيغارو» القريبة من الرئاسة الفرنسية. بعد ذلك بأيام، قام مراسل فرنسي للصحيفة نفسها، وثيق الصلة بالأجهزة الأمنية الفرنسية والغربية، بكتابة مقالة يتهم فيها حزب الله بالتورط في عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. المستشرق ذو المنظور الإسرائيلي يقدم التوصيات وأدوات الأجهزة الأمنية تنفذ، بهدف إثارة النعرات المذهبية، في سياق مشروع يهدف الى عودة الاستعمار الى لبنان والمشرق برمته.
وليد شرارة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد