مسلسلات رمضان: رنين المال أقوى من الفن والتاريخ
خلال أمسيات شهر رمضان الكريم تفضل مجموعة من الناس أداء الشعائر الدينية تقربا من الله، وتفضل مجموعة أخرى السهر في الخيمات الرمضانية على إيقاع الموسيقى والحديث مع الأصدقاء، بينما تفضل مجموعة ثالثة الجلوس أمام شاشات التلفاز لمتابعة ما تعرضه القنوات الفضائية العربية من مسلسلات وبرامج تسلية وأخرى دينية وثقافية.
وفي كل رمضان، هناك عدد من النجوم العرب الذين يحجزون موقعا لهم على الخريطة الرمضانية، كالمصرية حنان ترك التي عادت هذا العام بمسلسل جديد يحمل اسم "أطفال الشوارع" والذي يطرح قضية جديدة على الصعيد التلفزيوني وهي قضية الأطفال المشردين الذين يعملون في الشارع من دون رقيب أو حسيب.
ورغم أهمية الفكرة وقربها من شرائح واسعة من المجتمع في الدول العربية إلا أنّ المسلسل جاء، على المستوى الفني، شبيها بالبرامج الوثائقية، فضلا عن التصنّع الذي بدا واضحا على أداء أغلب الممثلين فيه.
ومن الفنانين الآخرين الذين عادوا هذا العام بمسلسلات جديدة إلى الشاشة الصغير الفنان نور الشريف، الذي يلعب دور بطولة مسلسل "حضرة المتهم أبي"، وهو العمل الذي يعود به الشريف بعد غياب دام لسنوات.
الدراما السورية كان لها نصيب الأسد، كذلك في خارطة الدراما لهذا العام، حيث تم إنتاج أكثر من ثلاثين مسلسلا هذا العام ليتم عرضه خصيصا في رمضان، وتميزت معظم هذه المسلسلات بعدم وجود البطل الواحد، أو نجم الشباك مثل الدراما المصرية، بل شملت عددا كبيرا من النجوم السوريين.
ولا يمكن أن يمر رمضان في أي عام من دون وجود المسلسلات التاريخية التي تتحدث عن فترة معينة في التاريخ الإسلامي أو غيره، ومنها "الأمين والمأمون" الذي يتحدث عن أبناء هارون الرشيد والصراع بينهما، ومسلسل "خالد بن الوليد" الذي يبحث في هذه الشخصية التاريخية لأحد أهم القادة المسلمين في التاريخ الإسلامي.
وأثار مسلسل "الأمين والمأمون" ردّة فعل غاضبة لدى بعض الأوساط التي تتهمه بكونه يقدم أفكارا مغلوطة عن عائلة هارون الرشيد.ويقول المنتقدون إنّ المسلسل يقدم الرشيد على أنّه شخصية تفضل النساء على القيام بأعباء الدولة.
كما ينحون باللائمة على المسلسل لكونه يقدّم "الأمين" ابن هارون الرشيد على أنه من مثليي الجنس، فضلا عن "العباسة" شقيقة الرشيد والتي قدمها المسلسل على أنّها حملت من سفاح.
وعادة ما تكون المسلسلات التاريخية، السورية والأردنية، التي يمولها رجال أعمال خليجيون، لاسيما من المملكة العربية السعودية، عرضة لاتقادات مؤرخين أو ناقدين يقولون إنّها (المسلسلات) تحرّف بعض الحقائق وفق رؤية دينية أو عرقية.
كما تميّز رمضان هذا العام بكمّ كبير من أعمال الدراما الخليجية.ورغم "نمطية" الرؤية الفنية والفكرية لهذه الأعمال، التي لا تخرج عن إطار الديكور البديع شكلا وأفكار عفا عنها الزمن مضمونا، إلا أنّ عملين شدّا الانتباه.
أما الأوّل فهو مسلسل" طاش ما طاش 14" السعودي الشهير، الذي ينتقد، بشكل أو بآخر، طبيعة المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمع الخليجي بشكل عام، من خلال حلقات منفصلة يقوم ببطولتها النجمان السعوديان ناصر القصبي وعبد الله السدهان.
ومثلما درجت العادة في السنوات الأخيرة، كان المسلسل هدفا لحملة انتقادات من أوساط دينية تريد فرض عدد من القيود عليه، لاسيما فيما ترى أنّه "استهزاء برجال الدين."وكان المسلسل قد خصّص عددا من حلقاته لموضوع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وناقشت برامج دينية عرضتها قنوات سعودية المسلسل وهو ما يدلّ على الصدى الذي يتمتع به.
أما المسلسل الآخر فهو "صاحبة الامتياز" الذي يناقش قضية الإعلام والفساد في المجتمع الخليجي، ولعها المرة الأولى التي يتم فيها مناقشة مثل هذه القضايا الحساسة في الدراما الخليجية.
ونجح المسلسل، رغم تقليدية الأداء والرؤية الإخراجية، في كشف المستور فيما يجري داخل أروقة مؤسسات إعلامية وفي أوساط رجال الأعمال، فضلا عن عرض الكيفية التي يمكن بها للمتسلقين والانتهازيين و"صحافيات" الوصول إلى أهدافهم.
CNN بالعربية تحدثت إلى الإعلامية هيام حموي، المقيمة في باريس، وسألتها عن رأيها في ما يعرض حاليا على شاشة التلفزيون، فقالت "لدي انطباع أن الجمهور العربي بدأ يحس بالملل حيال ما يعرض على شاشات التلفاز بسبب تكرار المسلسلات والمواضيع التي تطرحها، ولم يعد هناك أي شيء جديد يشد انتباه المتفرجين."وأضافت " أصبحنا الآن بحاجة إلى مسلسل قوي يعيد الرونق للشاشة الصغيرة مثل المسلسلات القديمة كليالي الحلمية وأم كلثوم."
الأبرز في هذا العام كان عرض مسلسلات كرتونية ثنائية وثلاثية الأبعاد على شاشات التلفزة العربية، وكان من أهمها مسلسل "فريج"، وهو مسلسل ثلاثي الأبعاد يتحدث عن أربع سيدات كبيرات في السن ينتمين إلى المجتمع الإماراتي، يناقشن قضايا الماضي وسط هيمنة التطور والتكنولوجيا التي تحيط بهن من شتى الجوانب.أما المسلسلات الكرتونية الأخرى فكانت "مناحي"، و"شعبية الكرتون"، و"يوميات أبو محجوب" المستوحى من الشخصية الكاريكاتورية أبو محجوب، لرسام الكاريكاتير الأردني عماد حجاج.
كما تمّ عرض مسلسلي "عتيج الصوف" الذي يناقش قضايا تمّت مناقشتها منذ عقود، وكذلك "غشمشم" والذي يعدّ، حسب الأخصائيين، إسفافا كبيرا على المستوى الفني.
وبما أن قضية الإرهاب باتت قضية عربية عامة أكثر منها خاصة بأي مجتمع معين، فقد تم إنتاج عدد من المسلسلات التي ناقشت هذه القضية والتي شارك فيها نجوم عرب من شتى أنحاء الدول العربية من دون تخصيص بلد دون الآخر.
ومن هذه المسلسلات "دعاة على أبواب جهنم" الذي تدور أحداثه ما بين الرياض، وعمان، ودمشق، ولندن، ومسلسل "المارقون" لمخرجه نجدت إسماعيل أنزور، وهو عبارة عن ثلاثية تناقش نفس القضية.
وعموما، وكما كلّ شيء في هذه السنوات، يبدو أنّ رنين المال أقوى من التاريخ ومن الفنّ.
ولكون المال الخليجي بات هو المسيطر على قطاعات واسعة من الفنّ، فقد كان من الطبيعي أن تتوجه أغلب المسلسلات إلى جمهور الخليج لاغير، وهو ما أثّر على شعبية تلك الأعمال لأنها لا تهمّ سوى بضعة ملايين من العرب.وحتى المسلسلات التاريخية، فقد أثّرت الإسقاطات في مضمونها، فضلا عن كون الأداء والرؤية الإخراجية باتت مستهلكة إلى حدّ بعيد.
ولعل مسلسل "العندليب" يعد من أهم المسلسلات التي تعرض في رمضان نظرا لأهمية الشخصية التي يؤديها شادي شامل، والذي تم اختياره سابقا من خلال مسابقة اعتمدت على تشابه الممثل بشخصية عبد الحليم حافظ قلبا وقالبا.
ولا ننسى بالطبع وجوها عهدنا مشاهدتها على شاشة السينما، وأتت هذا العام لتظهر للمرة الأولى على الشاشة الفضية، مثل النجمة منى زكي التي تؤدي دور سعاد حسني في مسلسل "السندريللا"، والفنانة وردة، التي تلعب دور البطولة في مسلسل "آن الأوان".
ومع تطور الحياة واختلاف الطرق التي يعيشها الناس سواء كان ذلك في رمضان أو غيره، يبقى المتفرج العربي بحاجة إلى متابعة ما يعبر عن واقعه الذي يعيشه من مرارة أو أمل.
وأمام ما تعتبره أوساط المثقفين "خطرا كبيرا" فضلا عن عدم توفّر الأموال الضرورية لتلبية تكاليف الإنتاج، فقد اختارت عدّة دول التعويل على إنتاجها المحلي، بما ضيّق أكثر فأكثر في انتشارها.وأبرز هذه الدول هي دول المغرب العربي التي عوّلت بنسبة كبيرة على أعمالها المحلية.
وفيما وكالعادة تميّزت قناة 2 أم المغربية، التي تقدّم برامج وإعلاما تلفزيونيا جيدا، ببرامج ومسلسلات مغربية نجحت إلى حد بعيد في شدّ المشاهد، في منطقة المغرب العربي.
وإذا اختارت الجزائر التركيز على أعمالها المحلية مع بثّ جزء من المسلسلات العربية الأجنبية، اختارت القناة التونسية تونس سبعة، التعويل بنسبة كلية على الأعمال التونسية رغم محدودية الإمكانات التي تمّ تخصيصها لذلك.
وسبق لرئيس التلفزيون التونسي أن أعلن أنّ مؤسسته لن تبثّ من هنا فصاعدا سوى أعمال الدول التي تقبل بثّ الأعمال التونسية، في نطاق المعاملة بالمثل.
غير أنّ مثقفين قالوا إنّه ومهما كانت الأسباب التي تقف وراء هذا القرار، إلا أنّه قرار جيّد لأن "ما يتمّ جلبه من أعمال من الخليج والشرق العربي، يعبّر عن مواضيع تجاوزها المجتمع التونسي، بل إنّ بثّها ربّما ينطوي على سلبيات."
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد