مسرحنا السوري على أعتاب مرحلة جديدة
ربما كان الشيء الوحيد الذي يصر المسرح السوري على التمسك به هو الإرادة في صنع مسرح يرضي طموحات العاملين فيه في تقديم فن راقٍ ونظيف.. والواقع أنه لولا وجود هذه الإرادة لما استمرت العديد من الظواهر المسرحية الإيجابية، بل ولما تكاثرت، وأقصد بهذا الكلام تلك المهرجانات السنوية التي تقام في بعض مدننا كمهرجانات حماة ومصياف والثورة وحمص، ومؤخراً مهرجان الرقة الذي أقام دورته الأولى في العام الماضي، بالإضافة إلى المهرجانات التي ترعاها وتحافظ عليها الجهات الرسمية التي تقيمها منذ سنوات عديدة والتي يأتي في مقدمتها مهرجان المسرح الشبيبي الذي يتطور عاماً بعد عام مفسحاً المجال أمام العديد من المواهب الهامة على صعيد التمثيل والإخراج للبروز وإثبات الوجود، ولنا أن نذكر في هذا الإطار أيضاً مهرجانَي المسرح الجامعي والعمالي.. ولكن ما يستحق بالفعل الإشارة إليه والإشادة به هو تلك الخطوات الملموسة التي بدأت بعض الجهات الخاصة أو بعض الأفراد أو المجموعات الصغيرة باتخاذها والمتمثلة بإقامة المهرجانات المسرحية خارج الإطار الرسمي، والتي كان فاتحتها في العام الماضي 2005 مهرجان المونودراما الأول الذي أقيم في مدينة اللاذقية بإشراف الفنان ياسر دريباتي وبمساعدة بعض من خيرة مسرحيي المدينة، كما كان للمساندة التي قدمها مدير المسرح القومي السابق هناك الفنان كمال قرحالي الدور المهم في إنجاح المهرجان، وقد لمست لمس اليد أثناء مشاركتي في إحدى ندوات المهرجان مدى حالة الانفراج التي شكلها وجود الفنان قرحالي على صعيد العمل المسرحي في مدينته، ومن أسف أنه لم يُعطَ الفرصة لاستكمال مشروعه بسبب حالة التخبط التي كانت سمة العمل والقرار الثقافي في الفترة الممتدة ما بين 2003-2006 والتي يتمنى كل العاملين في الوسط المسرحي خاصة والثقافي عامة أن تكون قد انتهت إلى غير رجعة.. ومن المنتظر أن يحمل العام الحالي معه ولادة مهرجان مسرحي جديد قائم على أكتاف مجموعة من محبي المسرح ورواده، حيث تجري الاستعدادات حالياً لإقامة مهرجان الهواة المسرحي الأول بإدارة الفنان زيناتي قدسية وذلك في مدينة دمشق.. إن توجه فنانينا المسرحيين نحو إقامة مهرجانات مسرحية بجهود شخصية أو شبه شخصية يأتي كخطوة في الاتجاه الصحيح والمطلوب، إذ لا يمكن أن تتحمل الجهات الرسمية وحدها عبء دفع الحركة المسرحية باتجاه الأمام على الرغم من الجهود التي تُبذَل من قِبل القائمين على الحركة المسرحية لتطويرها، لكن هذه الجهود لا يمكن لها أن تتكامل دون مساندة صادقة من مسرحيين صمموا على أن يأخذوا زمام المبادرة دون أن يعني هذا تضاؤل الدور الذي يمكن أن يقوم به المسرح الرسمي، فالمسألة هي ضرورة وجود نوع من التكامل لا التضاد .
إن المشاكل التي يعاني منها مسرحنا السوري ربما كانت هي ذاتها عبر سنوات عديدة ولم يطرأ تغير ملموس عليها، وهي التي تطرق إليها المسرحيون عشرات المرات عبر وسائل الإعلام وتتلخص بأهمية وجود خطة قابلة للتطبيق بهدف النهوض بواقع مسرحنا السوري وهذه الخطة يجب أن تضع في حسبانها أن الهدف الأول يجب أن يكون الإعلاء من شأن فناني المسرح وكتّابه والتوقف عن اعتبارهم من سقط المتاع .
إن قيام حالة تدفع إلى أن يصبح المسرح حاجة يومية لا غنى عنها يتطلب الكثير من الجهد والوقت، لذلك يجب أن يكون الهدف الأسمى لفنانينا المسرحيين هو أن يساعدوا على إيجاد وضع يساهم في تكريس الحالة المسرحية عن طريق صنع أعمال مسرحية يمكنها أن تشكل بكثافة عددها وإتقان صنعها حالة ثقافية عالية المستوى، وهذا الأمر لن يكون إلا بتوفير الأرضية المناسبة لذلك، واضعين بعين الاعتبار أن الجمهور هو صاحب القرار الأول والأخير في تحديد مدى نجاحنا أو فشلنا في إيجاد هذه الحالة، ونشير هنا إلى أن ما يُقدَّم من محاولات صادقة من قِبل مسرحيينا في سبيل إيجاد حالة مسرحية متطورة أمر يدعو للتفاؤل، وهو تفاؤل سيكون في مكانه الصحيح عندما نرى المسرح وقد أخذ دوره الحضاري والإنساني الذي لا غنى عنه .
إن عدم وجود مسرح يشكل حالة ثقافية مؤثرة أمر يجب أن يكون مؤقتاً وعابراً مهما طال، وهذه القناعة موجودة حالياً وبكثرة في أوساط المسرحيين الذين بدأت الأفكار الجديدة والمبتكرة تضطرم في رأسهم من جديد بعد تجذر مفهوم يعزز مبدأ أن العمل الثقافي عموماً والمسرحي خصوصاً نوع من أنواع العمل الخيري .
جوان جان
إضافة تعليق جديد