مخاوف إسرائيل المتزايدة من الملاحقات الدولية

22-06-2015

مخاوف إسرائيل المتزايدة من الملاحقات الدولية

تبذل إسرائيل كل جهد ممكن لاثبات أنها غير مهتمة بكل ما يقال عن ارتكابها لجرائم حرب وتواصل الادعاء بأن جيشها، حتى في الحرب الأخيرة على غزة، كان «أخلاقيا» بامتياز. ولكن «عدم الاهتمام» هذا يكشف في واقع الأمر عن إفراط في الاهتمام، إذا ما أخذنا بالحسبان ليس فقط التغطية الإعلامية، وإنما الجهد المبذول دوليا لاثبات أن إسرائيل لا تنتهك القانون الدولي. ولا يهمها في هذا السياق إن كان العالم يصدقها أو لا فعلى الأقل هي تفعل ذلك طالما يمكنها مواصلة الكذب.مايكل أورن يحرق الجسور مع أميركا «هآرتس» 21-6-2015
ومؤخرا نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تقريرا حول أداء الجيش في الحرب على غزة معتمدة أيضا على شهادات وضعها أناس كلفتهم هي بتسويق روايتها عبر تنصيب أنفسهم في موضع القضاة. وبدا التقرير أقرب إلى المثل العربي الذي يقول: «من يشهد للعروسة سوى أمها وأختها» وهو لم يكن مقنعا حتى للعاقلين في إسرائيل. ومع ذلك خرج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ليشيد بالتقرير الإسرائيلي وبشهادات «أمها وأختها» من جنرالات سابقين أجانب لهم صلات بإسرائيل.
ولكن كل ذلك لا يغير من واقع الأمر شيئا. والواقع يشهد على أن النظام العالمي الجديد صار أكثر اهتماما بالملاحقات القضائية وفق صلاحيات عالمية. وليس صدفة أنه تم، أيضا لهذا الغرض، إقرار تشكيل المحكمة الجنائية الدولية. كما ليس صدفة أن إسرائيل لم تعد تكتفي بتجاهل التقرير الذي يصدر عن المجلس العالمي لحقوق الإنسان بل تحاول تقديم رواية مضادة له إن لم يكن للإقناع فعلى الأقل للمحاججة.
ويكشف التقرير المنشور في الصفحة بقلم المعلق الأمني في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، أن السجال دائر خلف الأبواب المغلقة في المؤسسة العسكرية والقضائية الإسرائيلية بين أنصار الفصل وأنصار المساواة في المسؤولية بين المستويين العسكري والسياسي عن جرائم الحرب التي يمكن أن يجري التحقيق بشأنها. ويدل هذا السجال على مقدار ما تستشعره القيادات الإسرائيلية بشكل متزايد من خطر جراء تعاظم الجهد العالمي من أجل إقرار قواعد للحرب ومعاقبة المنتهكين.
ومن الجائز أن أنباء يوم أمس حملت في ثناياها تذكارا للإسرائيليين بوقائع يصعب نسيانها. فقد واكبت الصحافة باهتمام وصول شاؤول موفاز، وهو وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إلى لندن في ظل مخاوف من اعتقاله. وكانت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي قد أشارت إلى إخفاق وزارة الخارجية في الحصول من البريطانيين على ضمانات بمنع اعتقاله عبر منحه الحصانة بسبب أنه لم يعد مسؤولا ولا يصل بريطانيا بحكم منصبه. وكانت جهات فلسطينية ودولية قد لاحقت موفاز، بين مسؤولين إسرائيليين آخرين، على أدوارهم في ارتكاب جرائم حرب. وقد رفضت بريطانيا منحه الحصانة ما دفع دبلوماسيين إسرائيليين إلى انتظاره في المطار ومرافقته عبر إجراءات فحص الجوازات.
ومعروف أن عددا من كبار القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل عانوا في العقد الأخير من ملاحقات قضائية في العديد من دول العالم وخصوصا في بريطانيا بعد أن صدرت ضدهم أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب. ومرارا فر مسؤولون مثل تسيبي ليفني وهي وزيرة خارجية أو الجنرال دورون ألموج من بريطانيا تحسبا من أوامر اعتقال. وحدث الشيء نفسه تقريبا لجنرالات، بينهم وزير الدفاع الحالي موشي يعلون، في العديد من الدول الأجنبية. عموما تمكن موفاز من دخول بريطانيا أمس بعد تعديل أجرته بريطانيا يحظر على جهات معادية لإسرائيل أن تستصدر أوامر اعتقال فورية بحق شخصيات إسرائيلية. لكن القانون لا يمنع صدور أمر اعتقال بعد إجراءات قضائية مطولة.
في كل حال من الواضح أن الحرب لم تعد تنتهي بسكوت المدافع وأنها تتواصل بأشكال أخرى. وصارت الحلبة القانونية والديبلوماسية الدولية ميادين لاستكمال الحرب بطرق أخرى ليست أقل وقعا ولا تأثيرا. ولهذا السبب فإن المخاوف من تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان تتزايد في إسرائيل ليس لاعتقاد بأنها سوف تقود إلى شل اليد الإسرائيلية العنيفة وإنما أصلا لأنها تسهم في بلورة رأي عام معاد لإسرائيل. كما أن الخوف من المحكمة الجنائية الدولية لا يتقلص مع تزايد الاتهام لحركة حماس وفصائل المقاومة بارتكاب «جرائم حرب». فالفارق كبير بين دولة تعد نفسها ضمن دول العالم المتطور ومنظمات لا تزال تناضل من أجل نيل الحق لشعبها بامتلاك دولته الخاصة. عموما تكبر مكتبة التقارير المدينة لإسرائيل والتي تصنف أفعالها على أنها جرائم حرب. وهناك تقارير إسرائيلية متعددة تصدرها منظمات حقوق إنسان داخل الدولة العبرية تؤكد منهجية ارتكاب جرائم الحرب. ولكن أيضا تقرير دولي مثل تقرير غولدستون عن الحرب الإسرائيلية على غزة العام 2008 حيث اعتبرها سلسلة من جرائم الحرب. ومن المحتمل جدا أن يضيف التقرير الجديد للجنة التي تراسها القاضية الأميركية ماري ديفيس إلى المكتبة مجلدا جديدا يسهم في ملاحقة قادة إسرائيل في العالم. وبديهي أن هذه الإضافات تثبت بشكل متزايد للإسرائيليين أن وقت ارتكاب الجرائم وعدم التعرض للعقاب يقارب من نهايته. وأنه لا يمكن معالجة داء سرطاني بحبوب الأسبرين.


تقديم وترجمة حلمي موسى

السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...