مخالفات السكن العشوائي: فساد مستشر في البلديات ومكاتبها الفنية تغض الطرف عما يجري
ضمن كل مدينة نرى مدينة أخرى توازيها بالحجم بل هي أكبر منها في المساحة، تلك المدن هي مناطق السكن العشوائي.
إن السكن العشوائي ظاهرة موجودة في كل مدن العالم وتسمى هنالك مدن الصفيح لأن نسيجها العمراني غالبا يتكون من أعشاش من مواد محلية من صفيح أو أخشاب أو كرتون لكن تتميز المناطق العشوائية في سورية بأنها مبنية من الاسمنت المسلح وترتفع الطوابق لتصل أحيانا إلى أبراج من ثمانية أو عشرة طوابق.
وتعود أسباب ظهور المناطق العشوائية إلى عوامل عديدة حسب تصنيف الخبير العقاري الدكتور عمار يوسف:
أولاً- عدم وجود الأراضي المعدة للبناء النظامي نتيجة مجموعة من مراسيم الاستملاك التي أخرجت معظم العقارات من ملكية الأفراد وحولتها إلى ملكية الدولة على أمل أن يتم البناء عليها لحل أزمة السكن للمواطن.
ثانياً- الفساد المستشري في البلديات والمكاتب الفنية التي تجعل الإدارة تغض الطرف عن المخالفات مقابل بدلات مالية يتقاضاها المراقب ورئيس الوحدة الإدارية تتناسب مع حجم البناء ومدته فعلى الرغم من صدور القوانين المتلاحقة التي تهدف إلى قمع مخالفات البناء والبناء العشوائي كالقانون 1 لعام 2003 والقانون 59 لعام 2009 ورغم العقوبات الشديدة التي نصت عليها هذه القوانين فإلى الآن ما زلنا نشهد الكثير من مخالفات البناء والأخص منها المشيدة ما قبل الأحداث والآلاف من المخالفات التي شيدت أثناء الأحداث فإن كانت الحجة لدى الإدارة الممثلة بالبلديات أن المخالفات الأخيرة شيدت أثناء فترة الاضطرابات فما حجتها في الثلث الذي شيد قبل ذلك وكيف تم بناء خمسة أو ستة طوابق في مناطق المخالفات.وهنا لا بد من ملاحظة أن السكن العشوائي عبارة عن خسارة مزدوجة سواء للدولة أو للمواطن فلا بد أن يزال هذا السكن في يوم من الأيام فتكون له خسارتان خسارة البناء وتكاليفه وخسارة أخرى هي تكاليف إزالة هذا البناء وترحيله فهو بالمطلق حالة خاطئة ومرضية.
ثالثاً- غلاء أسعار الأراضي المعدة للبناء ما ينعكس على سعر العقار النظامي حيث يصل متر المربع إلى ثلاثة أضعاف سعر غير النظامي في المنطقة نفسها.
رابعاً- ضعف دخل المواطن ما يجعله يعزف عن السكن النظامي لقاء أسعاره إضافة إلى البيئة الاجتماعية السورية التي تجعل الشخص يفضل السكن بجوار أهله وعائلته فيقوم بالبناء بجوار أهله أو فوقهم.
خامساً- تأخر صدور المخططات التنظيمية التي تحول الأراضي إلى أراض معدة للبناء وعدم صدورها بالشكل الذي يتناسب مع الوضع العقاري المطلوب فما جعل تلك الأراضي خارج المخططات التنظيمية بؤرة مناسبة جدا للبناء العشوائي.
سادساً- عدم مسؤولية الدولة في تأمين البديل للمواطن لأن السكن حاجة أساسية كما هو الطعام والشراب ومن واجب الدولة تأمين السكن اللائق والمناسب للمواطن.
فعلى مدى سنين طويلة كانت مشاريع المؤسسة العامة للإسكان وأي جهة أخرى مسؤولة عن تأمين السكن للمواطن من الهزالة حيث أمنت 2% من حاجة سكان سورية الفعلية للمساكن فقط لا غير.
فلا بد والحالة هذه من إيجاد البديل لسد هذه الحاجة ما يلغي التوجه إلى التوسع في السكن العشوائي.
سابعاً- عدم وجود ربط بين البلديات ولجنة الهدم المركزية والمحافظات والإدارة المحلية ففي واقع الحال عندما تتم الشكوى على بناء مخالفة تتم الشكوى إلى البلدية المختصة تتذرع بأن قرار الهدم عائد للجنة الهدم المركزية وعندما تتم الشكوى إلى هذه الأخيرة يتم التذرع بعدم وجود قرار من المحافظ بالهدم حيث يتم تمييع الأمور وتصل الشكوى إلى طريق مسدود فعدم وجود الربط بين هذه الجهات يؤدي إلى بقاء المخالفة واكتسائها لتصبح أمراً واقعاً.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه وحتى في حالة الهدم فإن الهدم يتم لجزء بسيط جدا من المخالفة وذلك حسب المبلغ المدفوع كرشوة للجنة الهدم حيث يتم إصلاح ما هدم خلال ساعات من انتهاء عملية الهدم.
ثامناً- عدم وجود العقوبات الرادعة في القوانين أو عدم تفعيل هذه القوانين وخاصة فيما يتعلق بعقوبة السجن والإزالة الكاملة للمخالفة خاصة تلك المخالفات الحاصلة بعد صدور قانون 59 حيث تم إنشاء مدن كاملة بعد صدوره نتيجة عدم تفعيله بشكل حقيقي.
عندما تدخل منطقة سكن عشوائي يشير الدكتور يوسف: تحس بنفسك أنك أصبحت خارج حدود القرن الواحد والعشرين وترى نفسك عدت إلى القرن التاسع عشر إلا في بعض المظاهر من أكبال الكهرباء وتمديدات المياه الهوائية إلى ما هناك من حفر في الطرقات وضيق تلك الطرقات إضافة إلى ذلك ترى سوء البناء وعدم سلامته الإنشائية لعدم وجود التسليح المناسب والسرعة في إنجازه وعدم وجود الأساسات المتناسبة مع عدد الطوابق وعدم وجود أبسط القواعد الصحية في البناء من تهوية وصرف صحي إضافة إلى سوء منظر مناطق السكن العشوائي وما يؤثر على جمالية المدينة.
إن تلك المناطق -وحسب تصريح الحكومة- يصل عددها إلى 115 منطقة في ريف دمشق ودمشق وحلب وحمص ويشكل القاطنون فيها نسبة 30% إلى 40% من عدد السكان. ولابد لنا من التحدث هنا عن النسيج الاجتماعي للسكن العشوائي وهنا الخطورة في موضوع السكن العشوائي فنظراً لعدم قانونية البناء يؤدي إلى عدم معرفة القاطنين في هذه المناطق لجهة عدم تصديق عقود الإيجار لدى البلدية والدوائر الأمنية أو عدم معرفة من الشخص الذي يبني هذا البناء ويقطن فيه ما يجعل السكن العشوائي مقصداً لمجموعة من الخارجين عن القانون ولا يسأل أحد عنهم ولا يعرف أحد أين يقطنون ما يؤدي إلى خلل في النسيج الاجتماعي لتلك المنطقة مع ما يمكن أن يحدث فيها من أعمال شغب وإخلال بالأمن إضافة إلى التأثير على الوضع التعليمي للطلاب الذين يقطعون مسافات كبيرة للوصول إلى مدارسهم خارج المنطقة العشوائية، والسكن العشوائي هو خطر حقيقي بالنسبة للمساحات الخضراء والأراضي الزراعية لأن مناطق السكن العشوائي أغلبها يشيد في المناطق الزراعية ما يؤدي إلى تآكل المساحات الخضراء مع لما هذه المناطق الخضراء من أهمية سواء من الأمن الغذائي أو البيئة وعدم وجود البديل لهذه الأراضي الزراعية والغوطة أكبر مثال على ذلك إضافة إلى ذلك لابد من الانتباه إلى مناطق السكن العشوائي تساهم في فشل المخططات التنظيمية للمدن عندما تصدر لعدم مطابقتها للواقع الفعلي الموجود على الأرض ولوجود أعداد كبيرة من المخالفات في أماكن يخصصها المخطط التنظيمي لاستخدامات أخرى إضافة إلى إنشائها لشبكة الطرق المتحلقة خاصة حول المدن.
أسباب المشكلة
من أسباب السكن العشوائي -يرى الخبير يوسف- أن عدم وجود الأراضي الصالحة للبناء سبب أساسي والحل يكون بالنسبة للسكن العشوائي ولحل مشكلة السكن بشكل عام بتوزيع كمية كبيرة من هذه الأراضي على جهات القطاع العام وتخصيص جزء كبير من هذه الأراضي لمعالجة مشكلة السكن العشوائي حصراً فعند حل مشكلة السكن العشوائي نكون قد قطعنا ثلثي مسافة حل مشكلة السكن في سورية وأن يتم إعطاء الأولوية لموضوع السكن البديل وتمويله سواء من قبل الدولة أو القطاع الخاص وفقاً لخارطة طريق معينة تبدأ:
أولاً: أيجاد بيئة تشريعية قانونية وتجارية في الوقت نفسه تحكم الإدارة وتحكم مجموعة الشركات المتخصصة في موضوع معالجة السكن العشوائي.
ثانياً: الاعتماد على القطاع الخاص وخاصة الخارجي منه من الشركات المشهود لها بالسرعة في الانجاز والدقة في الإكساء والاكمالات ويمكن ألا تتحمل الدولة أي تكاليف في موضوع معالجة السكن العشوائي من خلال الوصول إلى اتفاقيات بين الشركات وبين الحكومة تقوم الحكومة بموجبها باستملاك أراضي المناطق العشوائية وتقوم الشركة أو المتعهد الخاص بإنشاء مساكن على جزء من هذه الأراضي بطريقة البناء الشاقولي والممتد ويتم نقل سكان العشوائية إلى هذه الأبنية بكل تدريجي.
هيئة خاصة لمعالجة العشوائيات
لابد من إيجاد هيئة خاصة تتمتع بالاستقلالية والسرعة في التصرف تملك كادراً من المتخصصين أصحاب القرار في معالجة موضوع السكن العشوائي، وأن تكون تلك الجهة تابعة لرئاسة الجمهورية لما تتطلبه هذه الهيئة من سرعة في المعاملات ومعالجة المشكلات التي تعترض طريقها وأن تملك زمام المبادرة في حل المشكلة فمن غير المقبول أن ندرس قانوناً لمدة سنتين ونصدره في سنة ثالثة ونصدر التعليمات التنفيذية في سنتين أخريين ففي هذه المدة نكون قد ساهمنا بإنشاء عشرات العشوائيات الجديدة ولم يعد القانون متوافقاً مع الوضع الحالي الجديد فلابد من السرعة في إنجاز هذه القوانين وأن تتناسب مع الواقع الاجتماعي والسكاني والتنظيمي لتلك المناطق.
لا للعشوائيات الجديدة
التشدد بشكل فعلي في قمع المخالفات الجديدة لأنه، وعلى أرض الواقع، كلما عالجنا عشوائية ظهرت مقابلها ثلاث عشوائيات، وكلما تم هدم منزل مخالف يبنى مقابله خمسة منازل فلا يمكن للمعالجة أن تتفوق على المرض ويتم ذلك من خلال التشدد في تطبيق القوانين الرادعة للمخالفات.
لم تأت بجديد
بعد أربع سنوات من إنشائها لم تأت بأي شيء جديد مع العلم أن الغاية الأساسية من إنشاء هذه الهيئة هي معالجة السكن العشوائي والمناطق العشوائية ولكن حتى الآن مازالت تلقي بالمسؤولية على غيرها بحجة أنه لا يمكن أن تقوم بأي عمل ما لم يتم توافق فيما بين المحافظة ومكتبها التنفيذي لإيجاد الصيغة العملية لمعالجة مناطق السكن العشوائي، وكان القانون رقم /15/ لعام /2008/ قد صدر غير قابل للتطبيق العملي فها نحن أمام أحد حلين إما إعادة دراسة هذا القانون وإعادة تأهيله بما يتناسب مع ما تريده الهيئة، وإما حل هذه الهيئة وإيجاد البديل عنها خاصة أنها لم تقم بأي عمل منذ إنشائها قبل سنوات عديدة.
لابد من اعتماد مجموعة من الشركات الخارجية أصحاب الخبرة في المجال العقاري وذلك لسببين:
أولاً: معالجة مناطق السكن العشوائي بسرعة وحرفية وتأمين المساكن البديلة والمناسبة والتي يتجاوز عددها مليوني مسكن إسعافي.
ثانياً: إعطاء الخبرة للشركات الوطنية للقيام بتلك الأعمال وتأمين المساكن في مرحلة لاحقة.
إن السكن العشوائي يسيء بشكل كبير إلى الاستثمار العقاري في سورية ويفقد الدولة مجموعة كبيرة من المشاريع العقارية والسياحية والاستثمارية سواء الداخلية أو الخارجية ولا بد من معالجة هذه المشكلة بشكل سريع وفعال وهذا الأمر ليس ضربا من المستحيل.
هناء غانم
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد