لبنان يجلس على الشاطئ وينتظر الريح
«سأجلس على الشاطئ وأنتظر الريح» هذا المثل الروسي القديم ينطبق تماماً على المجتمع اللبناني الذي ينتظر الخلاص والسلام الاهلي منذ عقود, حاله بذلك حال اولئك الصبية الجوعى الذين انتظروا طبخة البحص الشهيرة. لكن من ذاك الذي بمقدوره ان يطهو الصخر؟ وعلى الرغم من ذلك ثمة شريحة واسعة من اللبنانيين تؤمن انه بإمكان الحوارات والمشاورات المتقطعة التي تجري بين النائب سعد الحريري والرئيس نبيه بري ان تمهد لوليمة الوفاق الموعودة. غير ان التمزق اللبناني والتشظي الطائفي والمصالح الذاتية للزعماء اللبنانيين, اضافة الى الاملاءات الخارجية وتبعية الاطراف المتنازعة الى هذا الحلف او ذاك, كل ذلك هو من العمق, بحيث يبدو من المستحيل الاهتداء الى قواسم مشتركة تنقذ لبنان من محنته وتحرر اهله من العواصف الطائفية والمذهبية التي لا تعترف بالنيات ولا تقيم وزنا لمواثيق الشرف.
لقد كتب على لبنان ان يكون ساحة مفتوحة على الصراعات الاقليمية والدولية, مثلما كتب عليه ان يكون الملعب الذي تمرر من خلاله ضربات الجزاء والترجيح. انه اشبه بالكرة التي تتقاذفها الاقدام بالاتجاهات المختلفة, من دون ان يكون له حارس للمرمى يحميه او يرد عنه الاصابات القاتلة. ووسط هذه الدوامة من الافعال والتصريحات الحربية, يظل المواطن العادي هو الخاسر الاول. اذ ان هذا المواطن هو الوقود الجاهز لتغذية الحرائق, وهو الذي يدفع الاثمان الكبرى من قوته وأمنه واستقراره الاجتماعي والسياسي. والمتابع لمجريات التاريخ القريب والبعيد لن يعثر على شعب ترك وهمش وأهمل من قبل قياداته السياسية على النحو الذي يحدث للمجتمع اللبناني اليوم. فلا احد في صفوف المعارضة او صفوف الموالاة يكلف نفسه عناء النظر بما آل اليه واقع اللبنانيين. لقد غرقوا في الفقر الى درجة لم يعد معها بمقدورهم الدفاع عن امنهم الغذائي, وغرقوا في الاحقاد والتعصب الى درجة اصبحوا جاهزين لمباشرة حروبهم المذهبية والطائفية من دون اي تكبيت ضمير.
وغرقوا في الضياع بحيث انكروا مواطنيتهم وبات حلمهم الوحيد هو الفوز بتأشيرة تحررهم من هذا الوطن الطارد للمواطنين.
يحدث كل هذا في وقت تلعب فيه القيادات السياسية لعبة تمرير الوقت, ليس بانتظار حلول ما, تنقذ لبنان وأهله من الفتن الجاهزة, بل بانتظار الشيفرة الخارجية التي عليها وحدها يتحدد مستقبل لبنان ويتقرر مصيره. ويكفي في هذا السياق ان نتأمل في هذا التطاحن من التصريحات والتصريحات المضادة, حتى نكتشف ان ما يرى في «عين التينة» ليس اكثر من ذر رماد السياسيين في عيون المواطنين اللبنانيين.
نعم يراد لنا ان نكون العميان الذين يبصرون بعيون غيرهم, مثلما يراد لنا ان نكون الوقود لاشعال حرائق الآخرين فوق ارضنا.
نعم نحن الاستثناء الذي لا قواعد له. وعلى الرغم من ذلك هناك من لم يفقد الامل بعد, ويعد نفسه بخلاص ما يأتي من قمة او هاوية. وسواء حصل ذلك ام لم يحصل, تبقى قناعة يتيمة ماثلة في اذهان اللبنانيين, تقول: لقد مضى ذلك الوقت الذي كان بإمكان قادة البلاد ان يقرروا مصائرهم ومصير وطنهم. ذلك ان لبنان هو اليوم تماما مثلما كان بالأمس ليس سوى ورقة تحركها رياح الآخرين.
حسين نصر الله
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد