لا بحر في طرطوس لستين شهراً قادماً
الجمل - خاص : كل عام وانتم بخير، زهّر الشجر,وهطلت (آخر ريّة) مطر، عادت صوبيات المازوت إلى سباتها الشتوي في عليات المنازل،وامتدت سجاجيد البيوت على الشرفات تتشمس وتتعقم. الصيف يطرق أبواب طرطوس، المحافظة التي تعشقه وتعشق كل ما فيه حتى رطوبته وحرارته.الناس هنا متشوقين لافتراش شرفات وعتبات بيوتهم وملئها بأقداح المتة وقرقعة النراجيل، ورائحة المعسل (المهرب) الفواحة.
لكن هناك ملامح صدمة وأزمة صيفية تلوح لم يعيها أهل المدينة بعد!..سيكون صيفنا هذا العام بلا كورنيش بحري.
ستفتقد الأهالي لـ (كزدورة) الكورنيش التي نشئوا واعتادوا عليها،والمكان الوحيد الذي يسوحون فيه بالمجان وبلا عناء ومتى رغبوا.
فلقد اقتلعت أرصفة كورنيشنا وخربوا شاطئه،وأعمال الحفريات والردم وصب الباطون اجتاحت الشارع البحري بوتيرة بين بين لأن حكومتنا العتيدة السعيدة قررت الارتقاء بمستوى السياحة الوطنية! وستبني لنا على واجهتنا البحرية المتواضعة فنادق و مولات ومؤسسات سياحية تجارية فخمة؛ سياحة تتطلب إنفاق الكثير من الليرات للتمتع بها,سياحة طبقية أكثر منها شعبية. فمعلومكم أنه من الآن ولحين انجاز هذا المشروع الفتان الفتاك سيكون المكان الأنسب لـ (x ) من الناس الذين بدؤوا يعتادون على الفورسيزون.
هذا بالنسبة الى القسم الشمالي من الكورنيش الذي تستثمره شركة أوروبية "مشروع أنترادوس", أما القسم الجنوبي المتبقي فلا نعرف على وجه الدقة "ما هوية" المشاريع التي ستنفذ، رغم أن أهالي المدينة متفائلين بها كونها تابعة للدولة، فالظن مازال حسنا على أن تتناسب هذه المشاريع مع قدرات المواطن المالية وتراعي الحالة الاقتصادية للسواد الأعظم من المجتمع، وألا تنطبق على هذه المشاريع المقولة السورية):من برة رخام ومن جوة سخام).
وستحرم تلك الأعمال كثير من الناس مصدر رزق (موسمي,صيفي) مرتبط بالكورنيش: متعهدي المقاهي الشعبية, أصحاب البسطات, بائعي عرانيس الذرة – الذين تضاعف عددهم بشكل لافت في السنوات الأخيرة! – وغيرهم الكثير..
فأبو رامي يتحسس رأسه من الآن تحسرا على "رزقة" الصيفية التي تأتيه من عمله كبائع قهوة متجول يمضي الليل بطوله موصولا بساعات الصباح الأولى في "سوق الهال" يبيع القهوة بين زحمة سيارات عملاقة تنزل حمولتها من الخضار والفاكهة، وأصوات العتالين.وبعد أن يعود إلى قريته لينام قليلا يتناول عدة العمل وينزل إلى المدينة قاصدا الكورنيش المليء بالناس من أهل البلد والسائحين المحليين القادمين من محافظات الداخل بأعداد غير قليلة من الباصات والبولمانات تكثر أيام العطل الأسبوعية.
مالفت انتباهنا وجود مساحة لا بأس بها تصلح لتسوى وتنظم ليرتادها أبناء المدينة هذا الصيف، ويستطيع القائمون على أعمال المشروع الاستعاضة عن العمل في هذه البقعة بالتركيز على غيرها ريثما ينتهي موسم الاصطياف.
ومع أن مدة تنفيذ المشروع بأكمله ستون شهرا مكتوبة بالانكليزية (فقط) على اللوحة الإعلانية للمشروع التي تستقبل المشاة والسيارت في مدخل الكورنيش، الا أن الصدمة لم تبدأ بعد.
فهل ستوافق الدولة على أن نستدين منها هذه المساحة الصغيرة ومعها هذا الصيف ؟!أم أننا سنبقى أسرى القول المأثور:(مالجرح بميت ايلام)؟
حسان عمر القالش - طرطوس
إضافة تعليق جديد