كركدن سوري يعبر البحر و يحصد الذهب !

18-10-2008

كركدن سوري يعبر البحر و يحصد الذهب !

الجمل- أيهم ديب:  ليس من بعيد تعود سارة شما إلى الأضواء بذهبية جديدة عن أحد أعمالها / بورتريه كركدن - بروفيل /
سارة التي اعتادت ألا تفارقها الأضواء سوف لن تعاني من نقص فيتامين c في الجلد بل ربما يكون من الأفضل لها أن تحتفظ دائماً بزجاجة زيت البحر في حقيبتها إن كانت مصرة على حصد المزيد من الجوائز و التعرض للمزيد من الأضواء.
الأسبوع الماضي شهد بهو الأرت هاوس معرضاً لسارة يمكن وصف موضوعه بألبوم عائلة أو سيرة ذاتية مصورة. و إن كان التكنيك أو المقاربة الفنية عكس هذا تماماً فألبوم العائلة عادة يأتي بفنيات متواضعة لكن مرفق بشحنة عاطفية كبيرة,
إن التناقض هو واحد من أهم سمات عمل سارة -بحسب خبرتي المتواضعة- و هو إلى جانب مزايا أخرى يضع سارة خارج سرب الفنان السوري المعاصر. و يمنحها هوية باتت تعزز ما كان من قبل يبدو كنقاط ضعف .
و هنا أقصد تجنبها للغة الفنية أو الخطاب الفني و الذي ما يزال غير ناضج في ساحتنا الفنية لغياب أجناسه و حوامله من الأنواع الفنية التي تسود العالم منذ الخمسينات - وقبل-
سارة تؤكد -كمن يدافع أو يجيب عن سؤال-  أنها فنانة واقع و أنها مصورة  بالمعنى الحرفي. قد يكون هذا سببه صور المشاهير التي كانت موضوعات  لوحاتها , أو أن السبب قد يكون أدواتها - الصورة الفوتوغرافية كمرجع-
أو أسلوبها - واقعية حرفية-
في الحقيقة لا ادري متى ستمتنع سارة عن هذا الشعور بالذنب تجاه الفن الحديث. لأن ما تفعله يحمل سمات الفن الحديث دون ان تكون اللغة مبرراً أو حاملاً لما تفعله.
إحدى أهم الموضوعات  التي يتعاطى معها الفن اليوم  - بل منذ دالي- هي إعادة الإنتاج, النسخ, التكرار, الكم , الحتمية الاقتصادية,  التصنيف, الفبركة.
و في الوقت الذي لا يزال معظم الفنانين السوريين ينتج لوحة تجريدية - بحس و تقنية عالية- إلا انه يفتقر بشكل أو بآخر لصفة المعاصرة  من حيث قدرة لوحته أو عمله على اختزال فكر العالم الراهن و تمثل أسئلته الكونية.
سارة تصنف على أنها واقعية بامتياز و هنا مكمن التناقض : فسارة تملك تقنيات الواقعية و لكنها تفعل أي شيء إلا تثبيت موضوعها . فالأجسام أثيرية , شفافة, تتحلل حتى تكاد تمتلك نسيج اللوحة و تعود للظهور بجلدها و نسيجها الشخصي. و الألوان تحيَد إلى صالح لون واحد - الأحمر في المعرض الأخير- و هذه كلها تفكك الواقع, تحرفه, تستعمله , تشير إليه ربما تمجده و ربما تؤكد امتلاكه , ربما يكون مجرد ذريعة , ربما يكون بهذا أكثر واقعية من الواقع. فنحن في الحقيقة لا نرى الأشياء نهائية و ثابتة, و لكن نراها ضمن آليات قراءة و تركيز و تداعيات و ليس المقصود هنا بالمعنى السريالي و لكن بالمعنى الحرفي للكلمة. فذقن الرجل قد تولد شحنة جنسية و هذا الأثر الواقعي لدى الفنانة ليس مكتوب على خارطة الوجه و لكنه واقع - من حيث الأثر-.
هذه اللمسة الواقعية تمتلك أثراً عميق يعزز معاصرتها و هو قدرتها على تحدي المشاهد العادي و هو الذي يعد الهدف المثالي في الدراسات الاقتصادية : إنها تظهر قيمة عمل- بمعنى جهد- إنها تؤكد بطريقة سرية ان اللوحة سلعة. و هي سلعة جديرة بالاقتناء.  أمام الأعمال التجريدية يستطيع المواطن متوسط الثقافة ان يسخر من العمل دون أدنى شعور بالخوف أو الحرج, إنه يتفوق على الفنان لأنه يعتبر ان نتاجه غير جدي.  بهذا تضعنا سارة شما و بطريقة غير مباشرة أمام تجربة ال pop art   و لكن سارة تمثل تجربة وفية لنسيجها الثقافي و الاجتماعي . إنها تجربة حقيقية في حاجاتها و شكلها و أدواتها.  لهذا لا يمكن وصفها بالمدرسية أو الثقافية و لكن يمكن وصفها ببساطة بالأصيلة  أو النزيهة.  نعم رغم أن موضوعها قد يكون  استنساخاً من أصل آخر إلا ان هذا و بالشكل الذي تقوم به سارة يجعل منه مرآة لأسئلة الفن الحديث : الاستنساخ, التدوير, الاستخدام, التحويل, التشكيك, تفكيك الهيراركية من خلال إسقاط الموديل و الذي يكون ببساطة من خلال إعادة إنتاجه بدلاً من تحريمه و تطويبه.

الدينامية هي سمة يمكن الوقوف عندها في لوحة سارة و الدينامية لها أكثر من مصدر :  أولاً هو أن الشكل الواقعي لا يكتمل و بالتالي لا يستقر , حتى ان اللوحة أحيانا تبدو كعمل غير منجز. و هنا يمكن الحديث عن مفهوم الكمال في العالم المعاصر و هو الكمال الذي فرضته الشركة - كمال المنتج التجاري-  و هو يشكل الضفة الأخرى مع مفهوم الكمال الإلهي لدول الفكر الإنساني المتسم عموماً بنزعته نحو التصنيف و التقييم - أحياناً إلى حدود الفاشية.
الدينامية تتولد من تناوب حوامل الشكل ضمن اللوحة من طور إلى آخر فنسيج القماش يتناوب مع نسيج الألوان ضمن السطح الواحد - وجه أو بشرة أو يد. نفس الشيء بالنسبة للخطوط التي قد تتحول في عرضها و حركتها و كثافتها بل و حتى مادتها- رصاص, زيتي , باستيل...

الشفافية التي تمتلكها الأجسام تجعلها تتبادل الفضاءات,  ماحية الحدود بين المادة : بين الجنس, بين الطبقات , بين الحلم و الواقع. فعلياً هي ضد فاشية الصورة الكاملة. إنها اتصال العالم. وحدة العناصر.
الدينامية حاضر مباشرة في الحركة,  فالزمن يسكن لوحة سارة في تحولات الحالة, انتقال الموضوع من طور إلى طور زماناً أو مكاناً, يؤكد على تحطيم اللغة, تحطيم التصنيف, تفكيك اليقين و مقابله السياسي هو الاستماع إلى الآخر. نعم في الفن الحديث تكون النقلات بهذه السعة!  فلا أحكام مسبقة ولا فراسة وانطباعات أولى تسجن الموضوع! ان الموضوع يأخذ المساحة اللازمة له ليتطور و يقدم نفسه.
قد لا يكون هذا ما تفكر به سارة, قد تكون الحركة عندها علاقة مباشرة مع تقنيات الصورة المعاصرة, أو قد تكون إعجاب بلوحة  موديل تنزل السلم, أو انه ذو مرجعية موسيقية - و لا أقصد هنا لوحة الراقصين - بل  أقصد الحاجة الداخلية للشعور بالإيقاع والذي ينتج عادة بالتحول في المكان على خط زمني.
الفنانين الذين أحببتهما هذه السنة هما سارة  وسبهان و في الوقت ا لذي يبدو أمام سبهان تحدي كبير للخروج من فنيات لوحته العالية و التي تكاد تصل حدود الكمال إذ يبدو الموضوع منجزاً فإن لدى سارة مساحة هائلة للتحرك و ذلك نتيجة غنى العناصر المكونة لعملها و حيوتها.  هما نموذجين متعاكسين تماماً لما يمكن أ يكونه فن اللوحة - و خصوصاً أن كلاهما يقدم البورتريه. سبهان يخلق عالماً -بسخط الخالق - و سارة تعيد إنتاج العالم إلى ما لا نهاية  بفرح المخلوق.     

إقرأ أيضاً:

نقد أم غزل؟ سارة شمة في نشوة المرآة

جائزة ذهبية لفنانة تشكيلية سورية في معرض استرالي بمشاركة 700 فنان


 


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...