قرارات مرسي تغير المشهد في مصر: صلاحيات مطلقة للرئيس لم تتوفر لمباراك

14-08-2012

قرارات مرسي تغير المشهد في مصر: صلاحيات مطلقة للرئيس لم تتوفر لمباراك

خلال ساعات قليلة تغير المشهد السياسي في مصر بشكل كامل. الرئيس المصري محمد مرسي اصدر سلسلة قرارات جمهورية نتجت عنها الإطاحة بكبار قادة الجيش المصري وانفراده بالسلطات التنفيذية والتشريعية، لينتهي بذلك عهد المجلس العسكري الذي تولى مقاليد الحكم في مصر منذ تنحي حسني مبارك عن منصبه في 11 شباط العام 2011، وهي قرارات لم يشهد الجيش المصري في تاريخه قرارات مماثلة للإطاحة بقياداته، حتى بعد هزيمة حزيران العام 1967.
قرارات الرئيس المصري المفاجئة أطاحت بالقادة الخمسة الكبار داخل المؤسسة العسكرية المصرية وهم القائد العام للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي (76 عاماً)، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سامي عنان (67 عاماً)، وقائد القوات الجوية الفريق رضا حافظ، وقائد قوات الدفاع الجوي الفريق عبد العزيز سيف الدين، وقائد القوات البحرية الفريق مهاب مميش. إسلامي مؤيد لمرسي خلال اعتصام في ميدان التحرير ليل أمس الأول (رويترز)
الرئيس المصري حاول تكريم الجنرالات المطاح بهم من السلطة بمنحهم بعض الأوسمة، وتعيينهم في مناصب شرفية، مثلما حدث مع طنطاوي وعنان، حيث منح الأول قلادة النيل – أعلى وسام مصري - والثاني قلادة الجمهورية، وعين كليهما مستشاراً للرئيس. أما باقي القيادات فمنهم من تولى مناصب وزارية أو إدارية، فالقائد السابق للقوات الجوية أصبح الآن وزير دولة للإنتاج الحربي، وقائد القوات البحرية صار رئيساً منتدباً لمجلس إدارة هيئة قناة السويس، وقائد قوات الدفاع الجوي عين رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، ليصبحوا جميعا بلا سلطات على المؤسسة العسكرية.
رئاسة الجمهورية سارعت إلى تبرير قرارات الإطاحة، على لسان المتحدث الرسمي ياسر علي، الذي صرح لوسائل الإعلام بأن «القرار سيادي اتخذه الرئيس لضخ دماء جديدة في المؤسسة العسكرية من أجل بناء دولة جديدة معاصرة». أما عن موقف الجنرالات المطاح بهم فقال إن «أعضاء المجلس العسكري تقبلوا القرار لأنهم وطنيون».
لكن من هم الجنرالات الجدد في الجيش المصري؟
بموجب قرارات مرسي أصبح الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، ليصبح بذلك الرجل الأول داخل المؤسسة العسكرية المصرية وصاحب اليد العليا والقرارات النافذة على قادة وجنود الجيش المصري، علماً بأن السيسي، قبل ساعات من صدور القرار كان برتبة لواء، لكن الرئيس مرسي قرر ترقيته الى رتبة فريق أول.
يذكر أن السيسي تخرج من الكلية الحربية في العام 1969، وبدأ حياته العملية في سلاح المشاة، ثم قائداً للمنطقة الشمالية العسكرية في محافظة الإسكندرية، ثم مديراً للمخابرات الحربية.
وأثار اختيار السيسي للمنصب الكثير من التساؤلات حول علاقته بجماعة «الإخوان المسلمين»، لكن الغريب في الأمر أن أول من تحدث عن علاقة السيسي بـالجماعة كان الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة، صاحب قناة «الفراعين»، والذي تحول منذ قيام الثورة الى مادة دائمة للسخرية بين المصريين. لكن هذه المرة صدقت توقعاته، ففي إحدى حلقات برنامجه بعد إعلان فوز مرسي برئاسة الجمهورية، تطاول عكاشة على مدير المخابرات الحربية واتهمه بأنه «رجل الإخوان المسلمين في القوات المسلحة».
لم يلتفت احد الى هذا الاتهام إلا بعدما اصدر الرئيس المصري قرارا بتعيين مدير المخابرات الحربية وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة.
أما الرجل الثاني الآن في المؤسسة العسكرية المصرية فهو اللواء أركان حرب صدقي صبحي الذي قرر الرئيس المصري ترقيته إلى رتبة فريق وتعيينه رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة. والفريق صبحي تخرج من الكلية الحربية عام 1956، وتدرج في مناصب قيادية عديدة في سلاح المشاة حتى تولى قيادة الجيش الثالث الميداني.
لكن الرئيس المصري احتفظ بعدد من القيادات البارزة برغم قربهم من المشير طنطاوي، وابرز هؤلاء اللواء محمد سعيد العصار عضو المجلس العسكري، حيث قرر مرسي تعيينه مساعداً لوزير الدفاع. واللواء العصار معروف عنه علاقته الطيبة بالإدارة الأميركية وهو كثيرا ما يمثل المؤسسة العسكرية المصرية في الاجتماعات واللقاءات مع القادة الأميركيين، ويصفه البعض بمهندس العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن.
وبعد ساعات من إعلان قرارات الإطاحة بقيادات الجيش، ألقى الرئيس المصري محمد مرسي خطاباً من قاعة مؤتمرات الأزهر الشريف لمناسبة الاحتفال بليلة القدر، وكان خطابه سياسيا من الدرجة الأولى، شرح فيه دوافعه ومبرراته لاتخاذه القرار الجديد حيث قال إن «ما اتخذته اليوم من قرارات لم أوجهه أبدا لأشخاص ولا لإحراج مؤسسات. وقصدت مصلحة هذه الأمة وهذا الشعب».
قرارات الإطاحة حتى الآن لا انعكاسات لها بين صفوف الضباط والجنود، أما رد الفعل الوحيد فتمثل في تصريحات منسوبة الى «مصدر عسكري» – لم يذكر اسمه - أذاعها التلفزيون المصري الرسمي ينفي وجود أي ردود أفعال سلبية تجاه قرارات رئيس الجمهورية، ويؤكد أن «جميع القرارات تم اتخاذها بالتنسيق بين رئاسة الجمهورية وقادة الجيش».
قرارات مرسي لم تقتصر على الإطاحة بكبار قادة الجيش، وبداية هيمنته على كافة مؤسسات الدولة المصرية، فالقرارات الرئاسية تمنح مرسي سلطات تشريعية واسعة، خصوصاً مع إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي كان المجلس العسكري قد أصدره في حزيران الماضي خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية. وشكل هذا الإعلان قيدا كبيرا على سلطات الرئيس الجديد.
أما اليوم، بموجب القرارات الرئاسية الجديدة، فقد أصبحت سلطة التشريع وإقرار الموازنة العامة للدولة في يد مرسي الى حين انتخاب مجلس شعب جديد بدلا من الذي صدر قرار بحله من قبل المحكمة الدستورية العليا في حزيران الماضي.
كما منح الرئيس المصري نفسه سلطة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة كتابة دستور جديد للبلاد في حال قرر القضاء المصري بطلان تشكيل اللجنة الحالية. وبذلك يكون محمد مرسي له سلطات وصلاحيات واسعة تتجاوز سلطات الدكتاتور السابق حسني مبارك.
وبعدما هيمن الرئيس المصري على السلطتين التنفيذية والتشريعية لم تتبق سوى السلطة القضائية، التي سارع مرسي إلى طمأنة قضاتها بتعيين أول نائب رئيس جمهورية مدني في تاريخ مصر هو المستشار محمود مكي احد ابرز قضاة تيار الاستقلال الذي تشكل في عام ٢٠٠٦ ووقف في مواجهة نظام مبارك.
ردود الأفعال الشعبية والسياسية توزعت ما بين التأييد المطلق والرفض التام، فالمعارضون أصابتهم حالة من الغضب، ووجهوا الاتهامات لجماعة «الإخوان المسلمين»، التي ينتمي إليها مرسي، بمحاولة فرض الهيمنة على جميع مؤسسات الدولة، وإخضاعها للجماعة.
أما المؤيدون لقرارات مرسي فاعتبروها قرارات ثورية أنهت هيمنة المؤسسة العسكرية على مؤسسات الدولة المصرية منذ وصول حركة الضباط الأحرار للحكم عام ١٩٥٢.
ومن بين هؤلاء محمد حبيب، القيادي المستقيل من جماعة «الإخوان المسلمين»، الذي قال إن القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي «ثورية بامتياز»، واعتبرها خطوة نحو تطهير مؤسسات الدولة.
أما المستشارة تهاني الجبالي، التي تشغل حاليا منصبا قضائيا رفيعا هو نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، فوصفت القرارات بأنها «خروج على الشرعية الدستورية التي أتت به كرئيس، وهذا يعني أنه فقد الشرعية الدستورية».
وما بين المعارضين والمؤيدين لقرارات مرسي، تظل كواليس عملية الإطاحة بقيادات الجيش غير واضحة المعالم، ويحيط بها الكثير من الأسرار والغموض، خاصة بعد الشائعات التي ترددت عن احتمال وضع المشير طنطاوي والفريق عنان تحت الإقامة الجبرية، وهو ما نفته الرئاسة المصرية.
غير أن الأيام المقبلة ستكشف عن حقيقة الأمر، فمنح قلادة النيل للمشير طنطاوي يقتضي ظهوره في حفل رسمي بحضور رئيس الجمهورية لتقليده القلادة التي تعد أعلى وسام مصري. وعدم حضور المشير لمراسم تسليمه القلادة ربما يكون دليلا على صحة ما قاله الإعلامي حمدي قنديل المؤيد للرئيس مرسي: «اعتقد انه كان هناك قلق ما من أن يستغل المجلس العسكري الحملة في سيناء للقيام بتحركات عسكرية تمهد لانقلاب على الرئيس. أظن أن الرئيس قام بانقلاب مدني استــباقا لانقــلاب عسكري ربما كان مقررا له 24 آب، وان الفـريق السيسي هو العقل المدبر لخطة الإطاحة بقيادات القوات المسلحة».

بهاء الطويل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...