قراءة في أقدم جريدة ماسونية بدمشق
سبق أن تحدثنا مرات عدة عن الصحافة السورية في الزمن الغابر، من حيث الأهمية والدور القيادي في مقارعة المحتل العثماني والمحتل الفرنسي، وتوعية المواطن والدفاع عن حقوقه، والمساهمة في صون وحماية الوطن.
وفي الوقت نفسه تنوعت في ذاك الزمن نوعية ومضمون الجرائد السورية، وكان منها الموالي للمحتل ومثالنا على ذلك جريدتا «الشرق» و«الجوائب» ومنها المتطرف في ولائه للوطن مثل جريدة «القبس» والأيام «ومجلة» المضحك المبكي.
وفي الوقت نفسه أيضاً صدرت في العديد من المدن السورية الجرائد والمجلات الناطقة بأسماء الأحزاب السياسية كحزب الشعب والحزب الوطني «الكتلة الوطنية» وحزب البعث… وأيضاً صدر بدمشق جريدة نادرة الوجود الآن ناطقة باسم الحركة الماسونية!؟ لم يتطرق للحديث عنها في أغلب الموسوعات الصحفية ولم يتحدث عنها أصحاب الشأن في تاريخ صحافتنا..
صحيح أنه في ذاك الزمن لم تكن الحركة الماسونية قد أفصحت عن أهدافها وغاياتها، وأنها كانت تمارس عملها في بلادنا بصوره علنية وشرعية، فعلى سبيل المثال كانت المحافل السورية منتشرة في أنحاء دمشق، ومن السهل الحصول على: «الدستور والقانون العام للشرق الأعظم العربي السوري» من المكتبات أو الأصدقاء وهو مطبوع في مطبعة الترقي بدمشق القيمرية عام 1947 م.
ولكن من المفيد قراءة هذه الجريدة، لنزيد معرفتنا بعالمنا الصحفي من ناحية، ومن ناحية أخرى لنتذكر كيف يفكرون ويعملون.
أما عن منع وحظر الماسونية في سورية فقد ذكر الدكتور أسعد السحمراني في إحدى مقالاته: «وفي الجمهورية العربية السورية، وبعد دراسة أحوال الماسونية ومتفرعاتها صدر الحكم التالي بتاريخ 9 آب 1965، الذي أذاعته دمشق في اليوم نفسه بعد نشره في الجريدة الرسمية، وينص على ما يلي: «أُلغيت الجمعية الماسونية والمحافل التابعة لها وأندية الروتاري الدولي في سورية، ومنعت من القيام بأي نشاط في جميع أنحاء الجمهورية السورية بموجب أمرين عرفيين نشرا في الجريدة الرسمية اليوم».
الأمران العرفيان هما رقم 25 فيما يخص الماسونية والأمر 26 فيما يخص أندية الروتاري ونشرا في صحيفة البعث العدد 740 تاريخ الثلاثاء 10 آب 1965 – الكاتب.
ويتابع السحمراني القول عن الأمرين العرفيين: « حذرا الأعضاء المنتسبين إلى الجمعية الماسونية أو أندية الروتاري بتقديمهم للمحاكمة، أمام المحاكم العسكرية المختصة، بتهمة الانتساب إلى جمعية سرية ذات طابع دولي إذا قاموا بأي نشاط في سورية. ويقضي الأمران العرفيان بأن تختم مكاتب الجمعية الماسونية وأندية الروتاري في سورية، بالشمع الأحمر».
جريدة الأنوار
هي جريدة يومية سياسية مصورة تصدر بدمشق مرة في الأسبوع، صاحبها يوسف الحاج، ومديرة الأشغال «بمعنى مديرة الإدارة» أدال الحاج، وكان مكتب إدارة الجريدة في شارع النصر، صدرت الجريدة في العشرينيات من القرن الماضي وتحديداً عام 1922 م، كان ثمن العدد منها 15 قرشاً سورياً، الجريدة كانت على شكل مجلة من القطع الكبير، يعلو الغلاف صورة عين وهي من رموز الماسونية، وحول العين كتب: «عناية، محبة، حرية، إخاء، مساواة، حكمة» ويأتي تحت هذا الشعار اسم «الأنوار» ويليه: «لسان حال الأحرار» الجريدة تتألف من 30 صفحة مع الغلاف، تتضمن مواضيع مختلفة في الأدب والسياسة والاجتماع.
قراءة في افتتاحية عدد الأنوار
صدر صباح يوم 15 أيار عام 1922م عدد جديد من جريدة «الأنوار» حمل أرقام أربعة أعداد وهي «11-12-13-14» العدد على شكل مجلة قياس كبير، من 30 صفحه، الغلاف تضمن الافتتاحية «الكلمة الأولى» بعنوان «نحن بين المشرق والبشير» وهو عبارة عن رد على جريدتين هما جريدة «المشرق» وجريدة «البشير»، و«البشير» كان قد أنشأها الآباء اليسوعيون، وكانت تصدر أسبوعية وتتضمن فصلاً عن المقالات الدينية وأخباراً عامة، وقد اتخذت شعاراً لها «تعرفون الحق والحق يحرّركم». وبعد الحرب العالمية الأولى، أخذت تصدر يومية إلى أن توقفت عن الصدور عام 1947.
أما جريدة «المشرق» فهي جريدة دورية تصدر باللغة العربية، صدرت في بيروت عام 1898 م وأصدرتها الرهبنة اليسوعية وكانت من أهم مجلات تلك المرحلة وقدمت بحوثاً بالفلسفة والفكر والاجتماع ونشرت ما يزيد على خمسين مخطوطة أدبية من التراث العربي لتصبح اليوم من أهم المراجع في مادة تاريخ الشرق العربي، بل قيل إن الذي أصدرها هو الأب لويس شيخو المتوفى في بيروت عام (1927م) وهو أديب وصحفي ومؤرخ وباحث وناقد أدبي ولاهوتي ولغوي فقيه ورائد من رواد النهضة الأدبية والعلمية في الشرق، ومن كتبه: المخطوطات العربية لكتبة النصرانية، معرض الخطوط العربية، ومجاني الأدب العربي، وعلم الأدب، وغيرها وكان اسمه قبل الرهبنة رزق اللـه بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو، انتقل إلى الشام يافعاً، فتعلم في مدرسة الآباء اليسوعيين في غزير بلبنان، وانتظم في سلك الرهبانية اليسوعية سنة (1874م)، وصار اسمه لويس شيخو اليسوعي.
ويبدو أن كلاً من جريدتي «المشرق» و«البشير» انتقدتا الجريدة الماسونية «الأنوار» ولما كانت كلتا الجريدتين على مستوى عال من الثقافة وبمتناول أيدي القراء، فقامت «الأنوار» بالرد عليهما بل التهجم عليهما بالقول: «يسوءُنا وايم الحق أن نضطر لكتابة كلمة في الرد على الرصيفتين المشرق والبشير وكلاهما لسان حال البعثة الجزويتية في هذه البلاد وأمرهما معروف لدى الخاص والعام لما اشتهر عنها منذ نشأتها إلى الآن من النزوع إلى قتل المبادئ الديمقراطية الحرة في العالم والوقوف في وجه كل مستحدث جديد مفيد في النظام الاجتماعي الإنساني ولا عجب إذ ذاك إذا ما وقفت للعشيرة الماسونية الحرة بالمرصاد خيفة نشرها المبادئ الاجتماعية المفيدة في البلاد لترتفع بها فوق التعصبات الدينية المهلكة..».
استعراض صفحات الأنوار
تصدر الصفحة الثالثة من هذا العدد لجريدة الأنوار، صورة كبيرة للجنرال الفرنسي غورو وكتب تحت الصورة: «الجنرال غورو بطل فرنسا وصديق سورية»، وكتب التعليق التالي: «سافر هذا الرجل الكبير مشيعاً بقلوب الوطنيين فما عساه يحمل لنا من الهدايا الطيبة التي ينتظرها الشعب وتتوق إليها الأمة؟ رويداً أيها الأحرار الوطنيون ولننتظر ما في حقيبته فلا بد أن يكون فيها ما ترتاح إليه النفوس الحرة وتبتسم له البلاد السورية؟؟؟!!».
وإمعاناً في الموالاة للمحتل الفرنسي ومدح الجنرال الاستعماري غورو، فقد خصصت الجريدة صفحتها الأخيرة «الثلاثون» لنقل أخباره تحت عنوان كبير: «صحيفة الجنرال غورو» وعنوان فرعي: «خصصنا هذه الصحيفة لجمع خلاصة نصائح الجنرال غورو بعد عودته من فرانسا (نقلاً عن الصحف)».
وفي الصفحتين 8 و9 وتحت عنوان «الشرق» استعرضت «الأنوار» أخباراً منوعةً عن مجتمع وصحافة دمشق ولبنان، ولم تنسَ طبعاً أخبار الماسونية بدمشق التي أفردت لها الأولية تحت عنوان «الوقائع الماسونية» حيث أوردت خطاباً ألقاه نعمان بك أبو شعر رئيس محفل سورية في دمشق ليلة تدشين المحفل المذكور.
وخصصت 17 صفحة عن مجريات محاكمة الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر تحت عنوان: «مجموعة قضية الدكتور عبد الرحمن شهبندر ورفقائه في المجلس العسكري» استعرضت من خلال هذه الصفحات تقرير المدعي العام الفرنسي الكابيتان بونيي، ومحاكمة الدكتور الشهبندر، ومحاكمة حسن الحكيم، ومحاكمة عبد الوهاب العفيفي، والدكتور خالد الخطيب، وسماع شهادة الشهود، حسني المأمون مفوض شرطة، ممدوح العابد مفوض شرطة، صبحي مفوض شرطة، محي الدين شرطي، عبده من رجال التحري، عارف شرطي، حسني شرطي، كابيتان دي جيني، كابيتان سيبو.
كما أوردت شهادة شهود الدفاع وهم: حسام الدين أفندي العمري وهو تاجر، عثمان أفندي الشرباتي، رشيد الرافعي وهو محام.
كما أوردت الجريدة اعتراض فارس الخوري على صلاحيات المحكمة.
الأنوار بين المحتلين العثماني والفرنسي
في الوقت نفسه الذي كانت به جريدة «الأنوار» تمتدح المحتل الفرنسي لبلادنا وتدافع عن هذا الاحتلال، كانت تأخذ موقفاً مغايراً ضد المحتل العثماني!؟ فقد أفردت صفحتين في عددها الصادر يوم 15 أيار عام 1922 م، للحديث عن شهداء سورية الذين أعدمهم العثماني السفاح أحمد جمال باشا، فكتبت تحت عنوان «عيد الأربعين شهيداً» أسماء الشهداء مع رسم يمثلهم وهم على أعواد المشانق، واستعرضت ما أورده عدد من الجرائد والمجلات السورية عن هذه المجزرة العثمانية.
وبعد
استعرضنا بعضاً مما ورد في جريدة «الأنوار» الماسونية التي كانت تصدر بدمشق في فترة العشرينيات من القرن الماضي، وحتماً كان هنالك جرائد أو مجلات أخرى صدرت بدمشق من الماسونية ولم يسلط الضوء عليها..
ومن حرصنا على تاريخنا بلونيه الأبيض والأسود، ولنستفيد من اللون الأبيض ونحذر من اللون الأسود، استعرضنا مطبوعة سورية، كانت موالية للمحتل الفرنسي، ولأهدافه السرية التي باتت معروفة لسورية بشكل رسمي منذ عام 1965م.
شمس الدين العجلاني
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد