قائد الانقلاب الإقتصادي المتعب
لم يتجاوز الثانية والأربعين من العمر إلا أن وجهه خسر كثيراً من بريقه المعروف، وبدت خطواته أثقل بكثير مما كان عليه العام الماضي قبل أن يتسلم منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ففي حفل التكريم الذي تم على هامش ملتقى الاستثمار السوري الإماراتي الذي انعقد مؤخراً في دمشق، بدا الدكتور عبد الله الدردري وهو يتقدم نحو المنصة بهدوء أكبر سناً من المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي جاء راكضاً وصعد الى المنصة قفزاً وهكذا حين نزل من عليها. فإذا كان شرودر يمثل بشكل ما الاقتصاد الألماني القوي والمتجدد شباباً، فلا شك أن الدردري يمثل أيضاً الاقتصاد السوري الجديد لكن المنهك.
لفت الدردري الأنظار منذ تسلمه أواخر عام 2003 منصب رئيس هيئة تخطيط الدولة، قادماً من موقع مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية، وكان من ضمن فريق المطالبين بضرورة التخلي عن سياسة الاقتصاد الموجه، واعتماد نظام اقتصاد السوق، وبحكم عمله السابق في الصحافة أجاد الترويج لأفكاره، وباتت تصريحاته وصوره في الصحف ضمن الأخبار اليومية التي أثارت حفيظة الكثيرين، كونه الدمشقي المستقل الحائز ماجستير في العلاقات الدولية والذي يجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية، بكل ما تحمله هذه الكفاءات من تميز في بلد تعود أن يتسلم المناصب فيه اعضاء حزب البعث وحاملو شهادات الدكتوراه الفخرية من دول أوروبا الشرقية أو الاتحاد السوفياتي سابقاً.
وكفاءة الدردري ظهرت جلياً في قدرته على لفت الانتباه الى هيئة تخطيط الدولة، من خلال المؤتمرات الصحافية ولقاءات بين حين وآخر يعلن فيها عن دراسات ونتائج أبحاث قامت بها الهيئة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف وضع خطط تنموية مبنية على أرقام وحقائق على الأرض عن معدلات البطالة وخارطة الفقر، وذلك عبر خطاب علمي عصري خال من الصيغ الخطابية البائدة وشعارات الصمود والتصدي، ما أعطى للهيئة برئاسة الدردري دوراً في صناعة القرار الاقتصادي، وبات يطلق عليه «قائد الانقلاب الاقتصادي»، الذي مهد له فريق من الخبراء الاقتصاديين منذ التسعينيات من خلال أبحاثهم ودراساتهم، التي خرجت الى حيز النقاش العام منذ تسلم الرئيس بشار الاسد السلطة وإطلاقه مشروع التطوير والتحديث، إلا أن بعد هؤلاء الخبراء عن المناصب جعل دورهم تنظيرياً، فيما أوكل للدردري القيام بأداء الدور العملي التنفيذي، في مرحلة هي الأصعب من حياة الاقتصاد السوري، بعد ركود أربعة عقود، كان أشدها سوءاً العقد الأخير. لكن مهمته ليست سهلة فهناك معركة شرسة يتعين على كل من يتصدى لعملية الإصلاح في سورية أن يخوضها بضراوة، على عدة جبهات أهمها البيروقراطية والفساد المستعصي، بالإضافة الى التحالفات الخفية لرؤوس المال وأصحاب النفوذ، وبعد أشهر قليلة من استلام مهامه الجديدة كنائب لرئيس الحكومة لشؤون الاقتصاد تعرض الدردري لأزمة صحية أدخلته المستشفى، خرج منها وكأن زاد عمره عشر سنوات، ومع ذلك يمكن القول إنه الأكثر صموداً وإصرارا على المضي في تنفيذ برنامجه، بين جميع الذين تسلموا مناصب مهمة والتهمتهم محرقة الإصلاح قبل أن تؤتي جهودهم ثمارها.
سعاد جروس
الجمل ـ الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد