في الإعلام العربي: الضربة الروسية فاشلة قبل أن تبدأ
الحرب هي الحرب، أينما كانت وكيفما كانت؛ دمار وموت. منذ بدايات الأزمة السورية، لم يفشل الإعلام العربي، بمختلف أنواعه، في نقل «قرع الطبول» بموضوعية وأمانة فحسب، بل إنّ بعض المحطات الإخبارية ساهمت بحماسة في قرع الطبول بنفسها، وفق إيقاعاتها الخاصة.
من يتابع بثّ «الجزيرة» و «العربية» في الأيام الماضية لمعرفة أخبار الضربات الروسية في سوريا، قد يتأثر بمدى خشية القناتين على حياة السوريين. ولكن إن أراد ذلك المتابع تقصّي خشيتهما على مصير اليمنيين في ظلّ «عاصفة الحزم»، أو على أمن الليبيين وسلامتهم وسط اقتتال الفصائل وتحت ضربات طيران «الناتو»، أو أن يعود بذاكرته ليرصد خشيتهما على حياة السوريين إبان التهديد بضربات جوية أميركية... فإنه سيصاب بخيبة أمل لا محالة.
«ليست سوى حرب إعلامية»، كان تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التغطية الإعلاميّة لضربات بلاده في الأجواء السورية. نقلت قناة «الجزيرة» تصريح بوتين بأمانة، فيما كانت تصعِّد من لهجتها وتزيد زمن بثها للأحداث السوريّة، واصفةً الضربات الروسية بأنها «آلة قتل جديدة دخلت إلى سوريا». وكأنّ في ذلك اعتراف ضمني بكل آلات القتل الأخرى في البلاد، والتي تعتبر المحطة بعضها مجرّد أدوات معارضة سياسيّة.
أجمعت نشرات أخبار «الجزيرة» وتقارير مراسليها على سقوط مدنيين في الغارات الروسيّة، من خلال لائحة مفصّلة بدقة لجميع أسماء المناطق والبلدات التي قصفتها الغارات الروسية الأولى. وأجمعت النشرات على أنّ الطائرات الروسية لم تستهدف تنظيم «داعش» بل مجموعات المعارضة المسلحة. وتحت عنوان «سوريا تحت القصف الروسي»، فتحت القناة المجال أمام مراسليها المتواجدين في أرياف إدلب وحماه وحمص، كي يمنحوا المشاهد تحليلات معمّقة لتحرك الطائرات وأهدافها وقوَّة الانفجارات التي تسبّبها صواريخها. فيما سارع معظم المحلّلين ممّن اتصلت بهم القناة للتنبؤ بفشل الإستراتيجية الروسية، في اليوم الأول من بدأ الغارات.
وما إن ينتهي كمُّ التقارير المطولة حول العمليات الروسية حتى تنتقل نشرات أخبار القناة إلى اليمن لتروي باختصار أنباء الانتصارات السعودية في عاصفة حزمها، حيث لا يُقتل مدنيون/ ولا تُدمر البنى الفوقية والتحتية سوى على يد الحوثيين؛ على الرغم من أن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، اعترف، في مقابلة أجرتها معه «سي بي إس نيوز»، بسقوط ضحايا من بين المدنيين في القصف السعودي على اليمن، قائلاً «هذه هي الحرب».
من جهتها، ما زالت «العربية» تمنح الحرب على اليمن، اهتمامها على حساب ما يجري في سوريا، معلنةً أخبار انتصارات السعوديّة المتتالية تحت عنوان «إعادة الأمل». لكنّ القناة شاركت «الجزيرة» في نبرة السخرية من الضربات الروسية والتنبؤ بفشلها منذ اليوم الأول. أما غارات وضربات التحالف الدولي ضدّ تنظيم «داعش» تحت القيادة الأميركية، والذي يُتمُّ عامه الأول هذه الأيام من دون تحقيق نجاحات ملموسة، فهي على ما يبدو لا تشكل استراتيجية فاشلة.
في إصرار كل من «العربية» و «الجزيرة» على ترديد الخطاب الأميركي عن تحول سوريا إلى مستنقع يبتلع مخططات بوتين في المنطقة، تنسى محطتا «المصداقية والدقة في نقل الأخبار وتحليلها» جميع المستنقعات التي غرقت فيها الولايات المتحدة بتدخلها في فييتنام وأفغانستان وكوبا والعراق وبقاع عديدة أخرى حول العالم...
لا جديد في ردود الفعل الإعلامية العربيّة حول جديد الساحة الإقليمية: الاستقطاب ذاته والتعليقات ذاتها، ولكن مع الاحتفاظ بشعار الموضوعيّة في عرض الأخبار. وتحت ذلك الشعار، أجرت «الجزيرة» مقابلات حصريّة، للتعليق على التحركات الروسية المستجدَّة على الساحة، مع شخصيّات منخرطة حتى النخاع في الصراع الدموي السوري من أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الائتلاف السوري المعارض خالد الخوجا. أما التصريحات السياسية التي صدرت من بعض دوائر القرار في الأيام الأخيرة حول وجوب الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، فهي على ما يبدو لم تترك أثراً واضحاً على تشدُّد بعض دول الخليج العربي في متابعة رؤيتها للملف السوري، ولو كان بالتهديد بالحلول العسكرية التي يطرب لها إعلام تهييج المشاعر ومفاقمة التناقضات.
يامن صابور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد